أحداث المفرق واستهداف الاخوان
من الواضح أن حملة شرسة قد شنت وتشن على الإخوان وحزبهم على خلفية مسيرة المفرق، وهي الحملة التي تشكل استمرارا لحملة تجريم الحراك الشعبي واتهامه بأخذ البلد إلى المجهول، وتخريب الاقتصاد، إلى غير ذلك من الاتهامات التي تجرَّم قطاعا عريضا من الناس في البلاد ينتمون إلى ألوان فكرية ومناطقية وعشائرية مختلفة.
الذين مارسوا الأستذة على الإخوان، وقالوا بانه كان عليهم إلغاء المسيرة التي رفضها الناس في المفرق، يقولون بشكل غير مباشر بأن على قوى الإصلاح أن تتوقف عن تنظيم أي مسيرة أو احتجاج لأن هناك من يرفضه، ويكفي في هذا السياق توظيف بضعة مئات من الناس يواجهون المعتصمين أو المتظاهرين أو يصدروا بيانات باسم هذا الطرف أو ذاك يطالبون بالتوقف عن المسيرات حتى يضطر المعارضون لوقف نشاطاتهم.
هل إن رفض قطاع من الناس في المفرق أو عمان أو الكرك أو أي مدينة أخرى لخروج المظاهرات أو تنظيم الاعتصامات يجعل من واجب المعارضين وقف نشاطهم، وأين تذهب القيم الديمقراطية وفي مقدمتها حرية التعبير في هذه الحالة؟!
هل أجري استفتاء في أوساط عشائر بني حسن الكرام في المفرق فأفرز غالبية ساحقة ترفض تنظيم أي مظاهرة أو اعتصام حتى تمنع المسيرة؟ لم يحدث شيء من ذلك. ثم هل يقبل أبناء بني حسن الكرام ما جرى باسمهم من ضرب وحرق؟! كلا بالتأكيد.
هل كان عبد المجيد الخوالدة طارئا على بني حسن (أصيب ابنه معاذ إصابة بالغة)، هو الذي مثلهم ومثل المفرق في برلمان أسبق، وهل كان الآخرون الذين استهدفوا غزاة أجانب جاءوا يحتلون المفرق، فيما نعلم أن حشدا لم يأت من خارج المدينة، حيث كان للإخوان فعالية أمام السفارة السورية؟!
من الواضح أن هناك مساعي لوقف الحراك الشعبي برمته، مع التركيز على منع امتداده نحو مناطق معينة، من دون استبعاد بعض الخلافات الكامنة بين الحكومة وجهات أخرى تسعى لإفشال عمل الحكومة كما تشي رواية الأخيرة.
على أي حال، فإن ما ينبغي أن يقال هو أن أي إصلاحات سمعنا بها، أكانت تعديلات دستورية، أم خطوات ضد الفساد، هي خطوات جاءت بسبب الضغوط الشعبية التي استلهمت الربيع العربي، مع العلم أن جزءًا من الحراك الشعبي كان سابقا على الربيع العربي أيضا.
قوى المعارضة لا تطالب بغير الإصلاح، لكن من يحدد ما إذا كانت الإصلاحات التي أنجزت كافية أم لا، هي قوى المعارضة نفسها، فضلا عن استمرار الحراك حتى تترجم الوعود واقعا على الأرض مثل مكافحة الفساد ووضع المفسدين رهن الملاحقة القضائية، وقبل ذلك وبعده إنجاز قانون انتخابات معقول يفرز برلمانا سياسيا يحمل الوضع السياسي نحو حكومة برلمانية تعبر عن الجماهير وليس عن معادلات أخرى.
حتى الآن، وبعد سنوات من الجدل حول القانون المذكور لم يتم التوصل إلى نتيجة، أما الحديث عن قانون 89 فلا يبدو جادا إلى حد كبير. لكن إنجاز قانون جيد ومقبول ليس صعبا إذا توفرت النوايا، ونحن لا نتحدث عن قانون يركز على الديمغرافيا لكي لا يتهمنا البعض بالترويج للوطن البديل، بل قانون يقدم التسييس والتعبير عن الوطن بكل فئاته ودفع الحالة الحزبية والسياسية قدما إلى الأمام، مع أخذ البعد المتعلق بالتوطين في الاعتبار (بشكل معقول) من أجل طمأنة المتشككين، ولكن أن يطالب البعض بقانون لا همَّ له إلا محاصرة الإسلاميين لاعتبارات سياسية أو حزبية أو طائفية فهذا لا يمت إلى الإصلاح بأدنى صلة.
ليس هذا هو الموضوع، ولكن الكلام يجرُّ بعضه بعضا، وما جرى في المفرق هو جزء من الصراع حول ملف الإصلاح، وليس نزاعا على قطعة أرض بين عائلتين ضمن عشيرة، أو عشيرتين ضمن منطقة أو مدينة. كما أنه ليس صراعا إقليميا بين الإخوان المسلمين “الفلسطينيين” وبني حسن “الأردنيين” كما حاول إقليميون وطائفيون تصويره، في مقاربة تستحق الإدانة من جميع الشرفاء في هذا البلد، وبالطبع لما تنطوي عليه من كذب وتزوير، وكذلك من عنصرية وتحريض وبث للفرقة بين أبناء الوطن الواحد لن تخفيها شعارات الحرص على البلد من المخططات الصهيونية.
الدستور