«زمـزم»: إشــهــار فـي أي اتجــاه؟
وأخيراً... حسم القائمون على مبادرة “زمزم” موعد إشهارها، حيث ستنطلق السبت المقبل، لكنها انطلاقة “مهرجانية” وهي مطلوبة ومشروعة بالطبع، لكن الأهم هو انطلاقها على أرض الواقع، ذلك انها حتى الآن لم توفق بالتعريف عن نفسها: هل هي مبادرة اجتماعية تسعى الى تمكين المجتمع وبناء الانسان فيه، أم “تنظيم” سياسي ذو مرجعية اسلامية، أم “جماعة” جديدة ونسخة أخرى للإخوان، مطابقة في الشكل والأدوات ومختلفة في المضامين والأهداف، كما انها لم تحسم خياراتها بعد، فهي “عالقة” بين الرحم الذي خرجت منه والمكان الجديد الذي وجدت نفسها فيه، وهي “حائرة” بين ضرورات “إبقاء” الحبل السري مع الجماعة الأم وبين قطعه والإعلان عن “حبل” جديد تستمد منه شرعيتها في العمل والاستمرار.
قبل أن استطرد في الحديث.. استأذن القارئ بالعودة قليلا الى الوراء، ففي 24/11 من العام المنصرم اجتمع نحو عشرين شخصية من اعضاء الجماعة في “فندق زمزم” للتداول في قضية “الانسدادات” والصراعات التي عمقت ازمة الإخوان، كان هؤلاء قد وصلوا الى نتيجة مفادها “فالج لا تعالج”، فقرروا البحث عن “مخرج” من الأزمة، يحافظ على “فكرة الإخوان” ويخرجها من اطار التنظيم الذي اصيب بالجمود ويسمح لهم - بالتالي - اطلاق امكانياتهم من خلال مشروع “وطني” وأولويات محلية، لم تكن - الفكرة - آنذاك قد نضجت بما يكفي، ولذا أحيط “الاجتماع” بالسرية، واتفق الجميع على مواصلة اللقاءات واستقطاب المزيد من “الأشخاص”... رغم أن أصواتا عديدة طالبت آنذاك بإعلان “الانشقاق” على الجماعة فورا والبدء بتشكيل “حزب” سياسي، لكن آخرين “رفضوا” ذلك ونجحوا بتمرير فكرة “خطوة.. خطوة” وذلك لأسباب عديدة اهمها “سوء التوقيت” وعدم وضوح خطوط المبادرة وموقف الآخرين منها.
بعد ثلاثة ايام “سرّب” لي أحد المشاركين خبر الاجتماع، فكتبت في هذه الزاوية “تيار زمزم الوطني: بداية انشقاق أم محاولة لتصويب المسار”، كانت تلك المرة الأولى - على ما اعلم - التي يطلق فيها اسم “زمزم” على المبادرة (اسمها الحقيقي بناء)، واشرت فيه الى أننا أمام اعلان “انشقاق داخلي” سيأخذ مسارين: مسار ابتدائي يسعى الى الضغط على الحركة لتصويب مسارها، ومسار تصعيدي سيمهد للخروج نهائياً منها وتأسيس حركة جديدة، وقلت آنذاك ان خطر “الانشقاق” لا يتعلق بخروج بعض القيادات، بل بخروج اعضاء من الشعب والقواعد، والأخطر من ذلك ان “الفرز” الجديد سيزاوج بين السياسة والديمغرافيا.
على مدى الشهور التي تلت ذلك التقيت د. رحيل الغرايبة مهندس المبادرة، ودار بيننا نقاش طويل حول “اطار” المبادرة وشكلها واهدافها الحقيقية، وطرحت عليه سؤالا مهما: ماذا عن اليوم التالي لإشهار المبادرة؟ بعدها كتبت ايضا في هذه الزاوية (21/5/2013) ان زمزم كان يمكن ان تحظى بالقبول لو انها أولا: لم تخرج من رحم “الاخوان”، وثانياً لو انها طرحت نفسها كمبادرة محددة في الهدف والزمان، وثالثاً لو انها لم تستخدم بعض الأطراف كمحاولة لإضعاف الحركة، ورابعاً لو انها ضمت في قياداتها اسماء غير محسوبة على خط “الجماعة” والمنشقين عنها، وخامساً لو انها تملك مقومات استمرارها الذاتية لتجنب محاولات “التوظيف” التي اضرت بها.
الآن، المبادرة ستعلن بشكل رسمي، وعدد المتعاطفين معها على صفحتها في الفيس بوك اقل من (2000) شخص (دعك من اعضائها المسجلين)، ويبقى السؤال: بأي اتجاه ستسير زمزم؟ لدي بالطبع تصوران اثنان: احدهما ان القائمين عليها سيتوصلون الى “صفقة” مع الجماعة الأم، بموجبها ستتم عملية “تقاسم ادوار”، حيث ستتخلى الجماعة عن فكرة “فصل” اعضاء المبادرة وستترك لهم حرية العمل في اطار تمكين المجتمع والدعوة وممارسة “التنظير” السياسي مقابل التزامهم بعدم تحريض اعضاء من داخل الجميع على الانسحاب منها والانضمام للمبادرة، وبضمان وجود حد من التنسيق بين الطرفين في القضايا الكبرى.. بحيث تبقى “المبادرة” ذراعا من أذرع الجماعة تكمل عملها من جانب، وتجدد مضامينها الاجتماعية والسياسية من جانب آخر.
أما التصور الآخر فهو ان الجماعة ستذهب الى مساءلة القيادات في “زمزم” وتجميد عضويتها، وبالتالي فإن امام “المبادرة” خيارين: احدهما تشكيل حزب او تنظيم او جمعية كإطار لعملها، وربما تتدرج في ممارسة العمل السياسي والاجتماعي وفق ما تسمح لها الامكانيات والظروف، اما الخيار الآخر فهو “البحث” عن صيغة “للاندماج” او “التوأمة” مع حزب الوسط الاسلامي الذي تتشارك معه - نسبياً - في الافكار والطروحات والمواقف، ومع انني استبعد خيار “الاندماج” هذا إلا أن خيار “الاستقلال” يبدو انه لن يضر الجماعة لكنه لن يكون مفيداً لا للمبادرة ولا للوسط.
الدستور