لا يمكن تصميم «خارطة» البرلمان القادم، فقد انتهى على ما يبدو الزمن الذي كان فيه «المجلس» يُصنع على يد هذا الطرف او ذاك، لكن هذا لا يمنع من التوقعات ولا من «التجهيز» للمرحلة القادمة، واعتقد ان ثمة ما يدور خلف الكواليس لتقدير أو ترتيب «المشهد» القادم، لا لضمان انتاج برلمان بمواصفات مقبولة، ولا لتأكيد نزاهة العملية التي تتولاها «الهيئة» وتصر عليها، وانما ايضا على الفراغ السياسي الذي تركه «الاسلاميون» وحلفاؤهم وبعض الحراكات الشعبية حين قرروا مقاطعة الانتخابات.
في هذا الاطار، يمكن رصد المحاولات التي تجرى لتشكيل «قوائم» انتخابية تجمع الاسلاميين المستقلين مع الوسطيين، وقوائم اخرى تضم اليساريين وثالثة تمثل الشخصيات ذات الثقل العشائري والمناطقي، كما يمكن رصد الحوارات التي تتم لاقناع البعض للترشيح، ودفع الآخرين الى التنسيق والاختيار، وبعث رسائل لاطراف معينة لتطمينهم على ان الدولة لن تتدخل في هذه الانتخابات..الخ.
لا احد يستطيع - بالطبع - ان يصادر حق الذين اثبتوا مقاطعتهم للانتخابات، مهما كانت مبرراتهم، ولكن لا يجوز ايضا ان تفهم المحاولات التي تجري لحث البعض على «الترشح» واقناعهم بالمشاركة في سياق «الانتهازية» السياسية، بمعنى ان الصراع على الصناديق سيكون موجهاً ضد «الاسلاميين» أو المقاطعين عموماً، هذه فكرة «غير بريئة» يجب ان لا تطرح، واذا طرحت فنتمنى ان لا تكون صحيحة، لأن حضور بعض الاحزاب والشخصيات السياسية في البرلمان القادم امر متوقع، لكن السؤال: هل يمكن لهؤلاء ان يسدوا «الفراغ» الذي تركه الآخرون؟.
بالطبع لا، لكن ذلك لا يعني ان المشاركة في الانتخابات مجرد «مناكفة» سياسية، كما ان مقاطعتها لا تعني - بالضرورة - مشاغبة او سباحة ضد التيار.
الرهان - هنا - سيكون على «حجم» هذه المشاركة وعلى «نوعيتها» ايضا، وحسب التقديرات الرسمية فان «نكهة» الحضور الاسلامي والسياسي ستكون «واضحة» والاهم ستكون مختلفة، بحيث تبعث برسالة في اتجاهين احدهما الى «الاخوان» ومفادها بأنكم لستم وحدكم في الميدان، والثانية للشارع ومفادها ان ثمة اتجاهات اسلامية يمكن ان تكون مقنعة ويمكن ان تقدم خطاباً جديداً معتدلاً ومؤثراً.
لا ادري، بالطبع، فيما اذا كانت هذه التقديرات ستكون صحيحة وواقعية، وفيما اذا كان «مقاطعي» الانتخابات سيجدون انفسهم امام «حالة» يصعب عليهم التعامل معها او اختراقها ومواجهتها، لكن من المؤكد ان المسألة لا تتعلق فقط «بالانتخابات» وافرازاتها وخرائطها مهما كانت مقبولة، وانما - ايضا - بالحالة العامة التي يمر بها بلدنا، اقصد المناخات السياسية والاوضاع الاقتصادية والمزاج العام المضطرب اصلا، وهنا اعتقد ان من واجب الذين يفكرون باعداد خريطة المجلس القادم ان يفكروا في هذه الاتجاهات، بدل اختزال المشهد في «الاسلامين» سواء المقاطعين او الراغبين في الترشح، فأزمتنا ليست أزمة اصوات وانتخابات وانما ازمة «مجتمع» يبحث عن بوصلة وعمن يطمئنه على ان القادم سيكون افضل؟.
الدستور