عثرات قانونية تعيق انصاف ضحايا الاستغلال الجنسي في جريمة الاتجار بالبشر

الرابط المختصر

عممّان - نجاة شناعة - مضمون جديد

"سورياني" صاحبة العشرين ربيعا غادرت بلادها "أندونيسيا"، تحمل معها حلم إيجاد فرصة عمل تحقق لها دخلا اقتصاديا، لكنها اليوم بحسب تصنيفات خبراء قانون، واحدة من ضحايا الاتجار بالبشر لغرض الاستغلال الجنسي.

التفصيلات القانونية حيال هذا الموضوع تتنقل بين الشعرة والشعيرة؛ فما تصنفه السلطات "عنفا جنسيا" يكيّف قانونيا تحت بند "هتك العرض"، في ذات الوقت يراه قانونيون آخرون "اتجار بالبشر".

"سورياني" وصلت المملكة واستكمال الإجراءات الطبية اللازمة لاستصدار تصريح عمل وإقامة؛ واصطحبها رب العمل على مكان مرتفع - بحسب تعبيرها-، طالبا منها ممارسة الجنس.

وعلى ما يبدو فإن رب العمل معتاد على ذلك؛ إذ إنه ساق الحجج المدعمة بالأمثلة لعاملات سابقات بنفس حال "سورياني" واجهن ذات المصير، مقابل مبلغ مالي.

الرضوخ لطلب رب العمل كان الخيار الأوحد للعشرينية الوافدة للعمل، أمام التهديد لها بإلقائها والسيارة ونفسه من ذاك المكان المرتفع.

"سورياني" ولعدم قدرتها على الرفض واستغلالها جنسيا، تمثل حالة من حالات عمليات اتجار بالبشر، التي تتعدد فيها صور خضوع الضحايا لذاك النوع من الاستغلال، بحسب المحامية ليندا كلش التي كانت تتحدث لـ "مضمون جديد".

وكشفت دراسة أعلنت في آذار الماضي عن تعرض مجموعة من المغربيات للاحتجاز في إحدى الفنادق بمجرد وصولهن إلى العاصمة عمان، تحقيقا لأغراض غير مشروعة.

الدراسة التي حملت عنوان "حقوق المغربيات في الأردن" أشارت إلى أنهن تعرضن لظروف عمل غير لائقة، وخدعن بطبيعة العمل، ولم توقع معهن عقود عمل.

الوضع السابق اجبر الجهات الحقوقية للتوصية بضرورة التأكد في حالة سفر المغربية إلى الأردن، من وجود عقد عمل لها يراعي الحقوق الأساسية الواردة في قانون العمل الأردني، والاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

بحسب الأرقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية، تتصدر النساء والفتيات النسبة الأكبر لضحايا الاتجار بنسبة تقدر ب 56 بالمائة، يجري استغلالهن جنسيا بنسبة 98% ، على حين أن نسبة الذكور الضحايا تقدر ب 44 % ، بمعدل اثنين بالمائة من ذات الإطار.

ويصل عدد ضحايا الاتجار بالبشر حوالي 12 مليون و300 ألف ضحية سنويا، بمعدل يقدر 230 ألف ضحية في منطقة الشرق الأوسط.

مشكلة قانونية

المشكلة وفقا لـ "كلش"، تكمن في تكييف ما تتعرض له الضحية في مثل حالة "سورياني"، على أنه "عنف جنسي" له توابع قانونية تغاير ما هو منصوص عليه في قانون منع الاتجار بالبشر، الذي يعتبر الحالة ضحية "اتجار بالبشر" وليس ضحية "عنف جنسي".

وتحث "كلش" على ضرورة العمل على إبراز المسميات الحقيقية للقضية، دون العمل على إخفاءها بحجة عدم تشويه سمعة الدولة.

بيد أن الخبير القانوني د. محمد الموسى يذهب بقوله إلى: "إن جريمة "الاتجار بالبشر" بهدف الاستغلال الجنسي، أو استغلال رب العمل للعاملة لديه من أجل منفعة جنسية تحتاج إلى توافر قصد خاص إلى جانب الغاية والركن المادي المكون للجريمة".

ووفق لما صرح به لـ "مضمون جديد"، فإن العنف أو الاستغلال الجنسي في سياق جريمة "الاتجار بالبشر"، لا بد فيه من إنصاف الضحية ومحاكمة مرتكبي الفعل، وتعويض الضحايا عن الأضرار المادية والمعنوية وإعادة تأهيلهم، ومنحهم فرصة المشاركة بإجراءات الإنصاف.

ولما كانت جريمة "الاتجار بالبشر" تعد جريمة دولية، يلفت "الموسى" إلى أنه ليس كل عنف جنسي يشكل جريمة عابرة للحدود أو جريمة دولية؛ إذ إن هنالك حالات عنف جنسي لا تصنف ضمن جريمة "الاتجار بالبشر".

دعوات مراجعة القانون

أمام الثغرة القانونية التي لا تنصف الضحايا، تبرز دعوات حقوقية محلية تشدد على ضرورة مراجعة قانون "منع الاتجار في البشر"، بهدف إيضاح التعريفات ونصوص التجريم والمعاقبة على جرائم الاتجار بعقوبات مناسبة تأخذ بالاعتبار طبيعته الخطرة والبشعة.

وتشتد ضراوة تلك الدعوات مع ندرة التطبيقات القضائية التي شهدتها البلاد في تجريم ومعاقبة المتاجرين بالبشر، كنتيجة لحداثة تجريم الاتجار بالبشر، وعدم وضوح القانون، وفق تقارير حقوقية محلية في هذا الشأن.

أعداد الحالات

وتكشف الأرقام المعلنة من جهاز الأمن حول قضايا الاتجار بالبشر خلال الأعوام الماضية عن زيادة في أعداد الحالات المسجلة ضمن جريمة "الاتجار بالبشر"، مردها تفعيل العمل بقانون يكافح الجريمة، وإستراتيجية وطنية للمكافحة، إضافة للتشبيك مع منظمات المجتمع المدني في الوصول للضحايا والتعرف عليها.

وبلغة الأرقام سجلت خلال العام 2009 أربعة عشر حالة، مقابل ثمانية وعشرين قضية سجلت العام الماضي، وأحد عشر قضية خلال العام الجاري.

ولأن "الاتجار بالبشر" جريمة عابرة الحدود، يصعب فيها اكتشاف مرتكبيها، فإن الأمر يستدعي تنسيق الجهود الدولية والمحلية لمعاقبة الفاعلين، وفقا لقانونيين ونشطاء في حقوق الإنسان.

حماية الضحية

الأثر المترتب على الضحية تتجاوز حدوده، ما يحتم في أن تكون أولى الجهود التي يتوجب فعلها في حال اكتشاف ضحايا اتجار بالبشر، العمل والتعاون في حماية الضحية، بنقلها الى مركز إيواء يهيئ للضحية سبل الرعاية النفسية، ويمنحها التأهيل الجسدي والنفسي والمشورة القانونية، وصولا إلى مرحلة إما إعادتها طوعا إلى بلادها، أو اختيار دولة إقامة أخرى ترغب بها الضحية، بيد أن تقرير أوضاع حقوق الإنسان في المملكة لعام 2010 الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان أشار إلى أنه رغم صدور قانون منع الاتجار بالبشر والاستراتيجية الوطنية لمنع الاتجار بالبشر، إلا أنه لم يتم إنشاء دار الإيواء الخاص بالضحايا، إضافة إلى عدم وجود وحدة خاصة للمكافحة والتنسيق بين الجهات ذات الاختصاص، فضلا عن غياب برامج تدريب للأشخاص المعنيين بتنفيذ أحكام القانون.

تعريف الاتجار بالبشر

على الصعيد الدولي، يُعرف برتوكول الأمم المتحدة الخاص بمنع وحظر ومعاقبة الأشخاص الذين يتاجرون بالبشر وخاصة النساء والأطفال، بأنه تجنيد ونقل وإيواء أو استقبال الأشخاص من خلال وسائل التهديد أو استخدام القوة أو غيرها من أساليب الإكراه والاختطاف والتزوير والخداع وسوء استخدام السلطة أو موقف ضعف أو إعطاء أو استلام دفعات مالية أو خدمات للحصول على موافقة الشخص على أن يسيطر عليه شخص أخر من اجل استغلاله.

أما على الصعيد الوطني، فيعرف قانون منع الاتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009، في المادة الثالثة منه، جرائم الاتجار بالبشر، على أنها استقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم عن طريق التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هؤلاء الأشخاص، أو استقطاب أو نقل أو إيواء أو استقبال من هم دون الثامنة عشرة متى كان ذلك بغرض استغلالهم ولو لم يقترن هذا الاستغلال بالتهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك.

أسباب الاتجار بالبشر

وتقف جملة من الأسباب وراء تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر، ولكن تلعب الأسباب الاجتماعية والاقتصادية دورا في ذلك؛ فظروف الفقر والأوضاع الاجتماعية السيئة يجعلهم يسعون لتحسين ظروفهم المعيشية فضلا عن ضعف الرقابة في الدولة على أصحاب الأعمال، إضافة للأزمات الاقتصادية التي تمر بها الدولة التي تدفع للسفر إلى المجهول.

الاتجار بالبشر وحقوق الإنسان

ويؤكد الناشط الحقوقي أمجد شموط على أن جريمة الاتجار بالبشر تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فضلا عن مناقضتها لنصوص الدستور والتشريعات المحلية، وجميعها تؤكد على كرامة الإنسان وآدميته، وضرورة ضمان تمتعه بالعيش السليم والبيئة الآمنة بعيدا عن الامتهان أو الإكراه أو الإجبار.

وتتنافى جريمة الاتجار بالبشر مع المبادئ الإنسانية والإسلامية، وعددا من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، منها: بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخصوصا النساء والأطفال المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكول الاختياري بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الإباحية الملحق باتفاقية حقوق الطفل.

جهود مكافحة الظاهرة

بعد ان أقرت الحكومة قانونا سمي "قانون منع الاتجار بالبشر لعام 2009"، أطلقت إستراتيجية وطنية لمنع الاتجار بالبشر، متضمنة أربعة محاور رئيسة تعالج جوانب الوقاية والحماية والملاحقة القضائية وبناء الشراكات والتعاون محليا وإقليميا ودوليا.

ويقر المعنيون في وزارة العدل على أن إطلاق الإستراتيجية يستدعي إجراء بعض التعديلات على جملة من التشريعات الوطنية.

ويتعاون الأردن مع عدد من الدول المحيطة لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر التي أصبحت من الظواهر العالمية ذات الآثار الخطيرة.