تقطيع الغابات في الأردن .. جرش وعجلون نموذجا تصرفات بشرية لا تأبه للعقوبات القانونية

حصل هذا التحقيق على المركز الاول في مسابقة “جائزة الاعلام البيئي”، في دورتها الاولى للعام 2009 والتي نظمتها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بالتعاون مع الشركة الوطنية العربية للسيارات (كيا موتورز)، ونلت جائزة المركز الاول والتي كانت عبارة عن رحلة سفر لمدة اسبوع لمصانع سيارات كيا في العاصمة الكورية الجنوبية (سيؤول)، مع التنويه بأن التحقيق ينشر للمرة الاولى في وسيلة اعلامية بعد فوزه بالجائزة.

تنص المادة (34/أ/1) من قانون الزراعة المؤقت رقم (44) لسنة 2002 على أن عقوبة قطع الأشجار والشجيرات الحرجية أو النباتات البرية دون ترخيص هي “تحرير ضبط مخالفة وإرسالها إلى المحكمة المختصة، الحبس لمدة ثلاثة أشهر وبغرامة مقدارها مائة دينار عن كل شجرة يتم قطعها من الحراج الحكومي وبغرامة مقدارها خمسون دينارا عن كل شجرة من الحراج الخاص، وفي كلتا الحالتين تصادر المواد الحرجية والأدوات القاطعة التي يتم ضبطها”.

قاطعو الشجر .. عصابات منظمة

لكن ما سبق لا يشكل رادعا لــ (أبو طلال) من محافظة جرش، الذي يعمل في قطع الأشجار وبيعها، ويشرح قائلا “يبدأ عملي في تقطيع الأشجار ليلا، اذهب أنا واثنين من أصدقائي لغابة دبين بسيارة تكسي مستأجرة، يتولى كل منا عدة أشجار لتقطيعها بينما يقوم سائق التكسي بمراقبة المكان، وبعد عمل لمدة (4) ساعات نكون قد قطعنا ما يقارب العشرين شجرة باستخدام المناشير الكاتمة للصوت”.

و(أبو طلال) مثالا للذين يقطعون غابات عدة مناطق في الأردن أبرزها  (جرش وعجلون) اللتين تعتبران من أكثر مناطق المملكة شهرة بالغابات، وأكثرها تعرضا للتحطيب من قبل المواطنين، ويعتبر المهندس (عبد الله وريكات) مسؤول قسم الحراج في مديرية زراعة جرش أن من يقطع الأشجار (عصابات منظمة)، فهم “مزودين بالسيارات، الأجهزة الخلوية، ويستغلون الأيام البادرة للتحطيب؛ لضمان عدم تواجد الطوافين الذين يحرسون الغابات، وقد قام هؤلاء بحرق الغابات ومن ثم تقطيع أشجارها”.

مساحات خضراء قليلة لكنها تتعرض للاعتداءات

وتهدد هذه الاعتداءات مساحات الأردن الخضراء، حيث تبلغ مساحة الأراضي المسجلة حراج في المملكة بحسب أرقام وزارة الزراعة لعام 2008 “(مليون و320) ألف دونم منها (400) ألف دونم حراج طبيعي و (490) ألف دونم تحريج اصطناعي، أي ما نسبته (1%) من مساحة الأردن الإجمالية البالغة  (89.287) كم 2″،  ويصف الدكتور (محمود الجنيدي) الخبير في الغابات هذه النسبة  بأنها “ضئيلة جدا إذا ما قورنت مع النسبة العالمية للحراج التي يجب أن لا تقل عن (10%)”.

قطع الأشجار بالأرقام

ما يقوم به (أبو طلال) يعتبر مثالا للقضايا التي سجلتها الإدارة الملكية لحماية البيئة والتي تم استحداثها عام 2006 للمحافظة على البيئة، يقول المقدم (سامي باج) رئيس شعبة العمليات في الإدارة الملكية لحماية البيئة “عام 2007 سجلنا (48) قضية ، أما عام 2008 سجلنا (199) قضية، ولا يزال جزء كبير من القضايا منظور أمام المحكمة”.

وفي كتيب صدر حديثا عن وزارة الزراعة بعنوان (الغابات في الأردن) تمت الإشارة إلى أن هناك قطع غير مشروع كما يفعل (أبو طلال) وهذا يحدث بما يقارب ألف حالة قطع سنويا للحصول على الخشب لبيعه،  أما القطع المشروع فيتم أثناء فتح الطرق أو توسيعها أو لاستخدام الأرض لغايات أخرى وهذا يقضي على حوالي عشرين ألف شجرة سنويا.

ويتفق كل من المهندس (محمد الكايد) مدير إدارة الغابات وحماية الموارد الطبيعية  في مديرية الحراج التابعة لوزارة الزراعة، والمهندس (عبد الله وريكات) من مديرية زراعة جرش على أن “القسم الأكبر لتقطيع الغابات يكون سببه التجار أو من ينوب عنهم، متبعين في ذلك طرق عدة كأن يتصل احدهم بالطواف ليخبره عن اعتداء وهمي في مكان ما؛ ليضمن عدم تواجد أي شخص سيمنعه من التقطيع، أما الفقير وللحصول على حطب للتدفئة فيقوم بجمع الفروع المتناثرة من الشجرة فقط”.

استخدامات متعددة لحطب الأشجار

ويقر (أبو طلال) الذي يبيع الحطب لتجار في عمان بسعر (150) دينارا للطن الواحد بأن التجار “هم المستفيد الأول من التقطيع، فأنا مزود معتمد لأكثر من عشرة تجار”، ويجزم (ممدوح الزغول) رئيس بلدية عجلون بأن “للحطب سوق رائج، وإلا فما الحاجة لتقطيعه وبيعه؟”، لكن (سلطان الجعبري) صاحب مخزن لا يشترى الحطب “إلا إذا كان البائع مرخصا من وزارة الزراعة”، ويضيف “يشترى بعض التجار الحطب المقطع بطريقة غير مشروعة لأنه رخيص السعر”، ويوضح الزغول “لا يقتصر استخدام الحطب على التدفئة، إذ يستخدم لتصنيع ورد الزينة، صناديق الخضار والفواكه، الكراسي الخشبية وهذا ما يشجع التجار على تقطيعه”.

موظفو الحماية .. طوافين وعمال

يبلغ عدد الطوافين في جرش (29) ، وفي عجلون (41) طواف، المهندس (جعفر عربيات) من مديرية زراعة جرش يرى بأن الغابات بحاجة لعدد أكبر، لكن المشكلة في تعيين الطوافين كما يراها تكمن في “أن المسؤول عن ذلك هو ديوان الخدمة المدنية الذي لا يستجيب لمطالب الوزارة”، لكن (ميسون الخطيب) الناطق الإعلامي للديوان تنفى ما قاله عربيات قائلة “لا يملك الطوافين شهادة علمية لذلك لا يتم تعيينهم عن طريق الديوان، وإنما من خلال الوزرات المختصة”، ويوضح عربيات الفرق بين الطواف وعامل الحماية ” يحصل الطواف على التامين الصحي والضمان الاجتماعي إضافة إلى راتبه الشهري الذي يتراوح ما بين (150 – 170) دينار، أما عامل الحماية فيعمل على نظام المياومة ويتقاضى خمسة دنانير يوميا بدون ضمان ولا تأمين”.

الطواف (محمد طلال) يعمل في دبين  / جرش منذ أربعين عاما من السابعة صباحا ولغاية الثامنة مساء، لكن “كثيرا ما يتم استدعائنا بعد منتصف الليل بناء على معلومة من الدوريات بوجود تقطيع أشجار”، كما يقول محمد، وفي حال ضبط المخالفين يقوم الطواف بتسجيل (رقم قطعة الأرض، طريقة القطع، واسم الشخص الذي قام بالقطع)، ويبين محمد “أكثر الأشجار التي تقطع البلوط والسنديان”، ويفسر الدكتور (محمود الجنيدي) الذي عمل كخبير زراعي لدى الأمم المتحدة السبب “لأن أشجار السنديان تولد حرارة عالية عند استخدامها للتدفئة”، وتكمن مشكلة استهداف الغابات السنديانية في التقطيع كما يراها الجنيدي “تحتاج هذه الغابات من (25 – 40) عاما لتعويضها”.

مطالب الطوافين

ويبين الطواف (محمد طلال) أن قاطعي الأشجار يستخدمون “المناشير اليدوية، والكاتمة للصوت؛ لأنها سريعة وتقطع الشجرة من القاع”، ولا يجد (ممدوح الزغول)  مبررا لبيع هذه المناشير “لماذا تؤجر المحلات التجارية هذه الآلات؟ فخطرها أكبر من المسدس الذي يمنع حيازته بدون ترخيص!”.

ويستشهد (محمد القادري) المسؤول عن طوافي منطقة عصفور في جرش، بقصة حدثت معه “تعرضت وزميلي للتهديد  بالقتل من قبل شباب ضبطناهم  يقطعون الأشجار”، ويتساءل القادري “لماذا لا يسمح لنا بحمل السلاح؟ فهو ضروري لحماية أنفسنا”، ويشير المقدم (سامي باج) إلى تعرض أحد أفراد دورية حماية  في عجلون عام 2008 للاعتداء وجروح بالغة من قبل قاطع للشجر.

وتستمر المشكلة ..

ورغم أن العقوبة لقاطع الشجر تشمل إضافة إلى الحبس لمدة ثلاثة أشهر، غرامة مالية، إلا أن (أبو طلال) لا يقتنع بهذه الحلول “حتى لو تم سجني لن أتوقف عن التقطيع، إنها تجارة مربحة لي ولغيري ممن يقطعون الشجر لبيعه”، وهذا ما يشير إليه الزغول “إن العقوبة غير كافية فالقانون يحقق مصلحة لمن يقطع الشجر، والغرامة المادية مهما كانت قيمتها مرتفعة فهي تعتبر قليلة قياسا بما يحققه التجار من أرباح في بيع الحطب”، أما الطواف (محمد القادري) فيقول “طالما هناك غابات وإنسان فالتقطيع سيستمر مهما كبرت قيمة المخالفة المادية أو المعنوية”.

[email protected]

http://bit.ly/fS7Nlo

أضف تعليقك