نظرة في القوانين واثر الانتماء الديني
دعوات لقانون يجرم التمييز
التمييز في قوانين:عندما تنقلب المساواة على المواطنين
رغم ما تحمله “الشرطة”على وثائق أردنيين من أصحاب المعتقد البهائي من دلالات ضمنية تعترف بهم إلا أنها قد تدفع أصحابها إلى مصاف التمييز من حيث لا يدروا.
تلك الشرطة الموضوعة على “شهادة الميلاد ودفتر العائلة وهوية الأحوال الشخصية”والتي تتعامل بها المؤسسات الرسمية مع المواطنين البهائيين قد تواجه بصد أمام العامة غير المطلعين على المعتقد البهائي.
مازن أحد البهائيين، يواجه دائما عند تقدمه إلى المعاملات الرسمية بسؤال واستغراب من قبل الموظفين الرسميين “مين انتو”ما يشعره وكأنه غريب عن مكانه.
“لا يوجد تمييز فعلي في الامتيازات أو باقي الحقوق”، يقول مازن رغم تعرض كثير من أبناء معتقده للتمييز وإن كان أحد أشكاله “الصورة النمطية عن البهائيين”.لكن مازن يوضح أن فضول الكثيرين “قد يزيل الغشاوة فيما بعد”.
يقول مازن: “أشعر أن هناك فضولا كبيرا عند البعض لمعرفة الديانة البهائية، وعند شرحي لهم الديانة تتغير أحكامهم بنا.لكن حسب الظاهر قد توحي لدلالات ربما سيئة على اعتبار أن الشرطة هي مؤشر تساؤل كبير”.
ايمان العقيلي درزية المعتقد، تتحدث لنا عن فصول من المواقف التي كانت تتعرض فيها للتمييز بمجرد سماع لهجتها وتقول أن إحدى صديقاتها المقربات علمت بأن معتقدها درزي ومن ثم قاطعتها.
الأصل في الدستور “المساواة”
تؤكد المادة (6/1)من الدستور الأردني، على مبدأ المساواة بين الأردنيين وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين ، كما تقر المادة (14)حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في المملكة.
الخبير بالاتفاقيات الدولية الدكتور محمد الموسى، يرى أن الأصل في القوانين هو الدستور الذي يساوي ما بين المواطنين، “الكثير من التشريعات تتضمن تمييزا منها ما هو ضد المرأة، مثل قانون الضمان الاجتماعي والتقاعد وبعض القوانين المرتبطة بالأسرة وحقوقها، وهناك قوانين تمييزية مثل قانون الانتخاب”.
عن الجماعات الدينية، يرصد الموسى جملة قوانين تطال الجماعات الدينية مثل قانون الجماعات الدينية غير المسلمة، إذ يعتُرف بجماعات دون أخرى.
“في بعض مفاصل التشريعات الأردنية هناك تمييز واقع على المرأة والحدث والجماعات المهمشة، أما على صعيد الحقوق السياسية فكلها بحاجة إلى إعمال فكر وتدقيق والكشف عنها ومعالجتها”، يقول الموسى.
المحامي مروان غزال في دائرة الأحوال المدنية والجوازات، يقول أن أساس القانون هو لإيجاد قواعد سلوك تنظم أفراد المتجمع، والأهداف الأساسية لأي تشريع هو إلغاء أي تمييز يقع ابتداء.
أساس التشريعات “تنظم القواعد الخاصة بكل حالة على حدة ذكرا أو أنثى”وفق غزال “طبيعة الجنس تفرض أحيانا على المشرع ان يضع تشريع معين لهذه الغاية وهو ليس تمييزا ولا يرتقي إلى هذه المرتبة، كما هو طبيعة الديانة أو الجنس وبالتالي يتوجب عمل ذلك وهذه خصوصية ينبغي مراعاتها”.
يتكئ غزال على مفهوم “المصلحة العامة والخاصة”بقوله”أحيانا الشخص يعتقد وقد يكون مخطئا في اعتقاده ان الإجراء القانوني يؤثر سلبا عليه، لكن في المصلحة العامة فهو افضل”.
قانون العقوبات وغياب الوضوح
رغم تجريم قانون العقوبات التحريض ضد أصحاب الديانات كما هو حاصل في المواد 150و278إلا أنه أي القانون لم يتضمن نصاً يجرم التمييز على أساس الدين بالمعنى الوارد في إعلان الأمم المتحدة للقضاء على كل أشكال التمييز والتعصب القائمين على أساس الدين أو المعتقد، وفق دراسة شبكة الإعلام المجتمعي.
غياب العنصر الجرمي عن التمييز يخلق إشكالات عديدة بالنسبة للمتعاملين مع القوانين، وهو ما يلمح له الناشط الحقوقي هاني الدحلة ورئيس المنظمة العربية حقوق الإنسان السابق، “الأمر صعب جدا لان التمييز يكون قد يكون في معاملة الترقية أو التعيين وما إلى ذلك، وهذه ليست جرائم، لذلك يصعب على القانون تجريم الأعمال التي لا ينطوي عليها عنصر الجرم”.
ينطلق الدحلة في حديثه من كون الدستور سيد القوانين الذي ينص على حرية المواطن في الاعتقاد ويحترم اعتقاد أي إنسان، لكن ما يحصل عادة هو في التطبيق.
الاجتماعات العامة
قانون الاجتماعات العامة رقم (7)لسنة2004أعطى للأردنيين حق عقد الاجتماعات العامة أو تنظيم المسيرات بشروط هي :إشعار الحاكم الإداري قبل (48)ساعة مستثنيا القانون من شروطه عقد الاجتماعات التي تعقد لغايات الاحتفال بالمناسبات الوطنية “يتضح مما سبق أن الأشخاص المنتمين إلى جماعات دينية لا يملكون تنظيم الاجتماعات والمسيرات دون إشعار الحاكم الإداري”، وفق الدراسة الشبكة.
“لا يوجد أي نص صريح يمنع حصول الاجتماع أو ترخيص لجمعيات إذا كانت تابعة لجماعة معينة لكن ما يحصل على ارض الواقع هو في الممارسات والتقدير من السلطة التنفيذية”، وفق الدحلة الذي لا يراه إلا فرصة لمن يقع عليه هذا التمييز باللجوء إلى محاكم العدل العليا والطعن بوصفه قرارا إداريا.
تخوف الدحلة من التمييز عندما يطبق على حالات دون حماية القانون، والتطبيق يجب ان يكون بموجب القانون ولا يمكن للقوانين والسلطة التنفيذية بان تتصرف مع المواطنين على أساس انه درزي أو مسيحي أو بهائي،عليها أن تطبق النص على الجميع دون تحيز أو تمييز”.
يتفق الناشط المسيحي غازي مشربش مع الدحلة ويقول:تطبيق القانون هو جوهر الإشكال، نفس المادة الدستورية او القانونية تفسر على طريقة ما يمينا ويسارا ومن ثم التطبيق.
وما هو إشكالي بالنسبة لمشربش هو”الاجتهادات الدائمة في تفسير القوانين والمواد القانونية الأمر الذي يطال فئة من المواطنين دون أخرى”.
فصلت من عملها لمعتقدها
بتاريخ الثالث والعشرين من أيار العام الماضي(2012)اقدم بنك دبي الأردن الإسلامي على فصل موظفة”مسيحية”تعمل لديه منذ25عاما لرفضها التقيد بارتداء الحجاب، الذي تم إلزام الموظفات بارتدائه ضمن التعليمات والأنظمة الداخلية الجديدة التي تم تعديلها مؤخرا.
تقول فيفيان حنا سلامة “إنها رفضت ارتداء الحجاب بسبب ديانتها المسيحية بعد ان أجبرت إدارة البنك الموظفات على ارتدائه ضمن زي موحد، وأشارت إلى أن القرار مخالفا لحرية الديانات في الأردن ومخالف للقانون”.
وبينت انه تم الضغط على الموظفات من الديانة المسيحية لارتداء الحجاب من خلال التهديد بالفصل.
البنك وبحسب إحدى مسؤولاته، استشار وزارة العمل بخصوص التقيد بارتداء الحجاب للموظفات المسيحيات وجاء الرد بانه يجب عليهم التقيد بالأنظمة الداخلية للمؤسسة.وبناء عليه تم توجيه اكثر من إنذار للموظفة فيفيان لمخالفتها القوانين الداخلية للبنك إلى أن وصلت للفصل.
وهذه الحالة كما يقرأها هاني الدحلة بالفاقعة في تمييزها ومن هنا يرى ضرورة “اللجوء إلى المحكمة الإدارية وأيضا الطعن أمام محكمة العدل العليا الأمر الذي يمكن المواطنين من استخدام هذا الحق، ولا يخلو القانون من طرق لإعادة النظر في أي قرار صادر خلافا للقانون”.
غير أن مديرة البرامج في جمعية النساء العربيات، ليلى حمارنة ترى في تلك الحادثة “انتهاكا تسببت به وزارة العمل بكونها لم تحم الفتاة فضلا عن البنك الذي اتخذ اجراءا تمييزيا بحق الفتاة”.
ما هو المطلوب؟
يقول الموسى:ضرورة إيجاد قانون يجرم التمييز أسوة بكل الدول معتبرا غياب القانون بالنقص التشريعي الهائل.
ويضيف”بدون القانون لا يمكن أن نضبط مفهوم التمييز، ولا بد من تعديل القوانين سندا للاتفاقيات الدولية وليس بشكل سريع أو بسيط لأن التمييز قد يكون خفي أو مباشر، بالتالي لا بد من دراسة التشريعات وتفاعلها والنتائج التي تترتب عليها وأحداث تشريعات لازمة”.
“كما لا بد ان يواكب التعديلات حملة لاجل تغيير عقلية المواطنين التمييزية لان التمييز مشكلته بالممارسات وليس بالتشريعات فحسب..ومن هنا نجد حاجة ماسة لقانون يجرم التمييز”وفق الموسى.
مجموعة القانون من اجل حقوق الإنسان “ميزان”تعد حاليا قانونا خاصا يعرف التمييز ويجرمه. ينظر القائمون إلى هذه الخطوة بوصفها “جامعة لتعريف التمييز وتحديد مبدأ المساواة”.
ينص القانون على مسؤولية المؤسسات التي عليها أن تتعامل مع التمييز، على غرار كثير من دول العالم حيث فيها “ديوان مظالم”خاص يكفل مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التمييز.
وبحسب”ميزان”فهناك حوالي ٧٠ دولة في العالم لديها قانون منع التمييز ومن الأهمية الاطلاع على تجارب الدول.
رغم أن الدستور ينص على مبدأ المساواة بين المواطنين والعدالة وكذلك الاتفاقيات الدولية التي وقع وصادق عليها الأردن إلا أن مركز “ميزان”لا يجد في المبدأ وحده كاف.
ينظر إلى المحكمة الدستورية حاليا بوصفها مرجعا لتصويب الأخطاء في القوانين، وهو ما يشير إليه المشربش “كونها فوق كل تشريع فيما لو كان مخالفا ما يعني عليها مهمة رصد المخالفات في القوانين وتصويبها، الدستور غير منزل وقد طالت التعديلات الأخيرة عليه الثلث بعدما كان دائما يشار إلى أن أبو القوانين لا يمكن الاقتراب منه”.