ديكور مبهج في رمضان.. "الخيامية" فن مصري إسلامي بأصول فرعونية
تعد "الخيامية" من الحرف التراثية القائمة على القماش؛ فهي فن تزيين القماش بالقماش والزخرفة باستخدام الإبرة والخيط. وعن طريقهما، تزين أقمشة الخيامية الصوانات واللوحات والوسائد، كما يمكن أن تستخدم أنواع مختلفة من الأقمشة في التزيين وفق التصميم المطلوب تنفيذه وتبعا لقدرة الفنان الإبداعية.
وتعد الخيامية أحد الفنون النفعية الجمالية، وقد بني سوق الخيامية بالقاهرة في منطقة باب زويلة في القرن الـ17، وقد أخذ اسمه من اسم الأقمشة، وهو السوق الذي اشتهر بتصميم وصناعة كسوة الكعبة حتى ستينيات القرن الماضي، وكانت تلك الكسوة تصنع من الحرير المصبوغ باللون الأسود المطرز بخيوط الذهب والفضة وتعود تلك الصناعة القديمة إلى عام 1250م أثناء حكم المماليك لمصر.
أشهر تصميمات الخيامية
تتعدد العناصر الفنية في تصميمات الخيامية ويمتزج فيها الفن الإسلامي والقبطي والروماني والفرعوني كما هناك تصميمات تستند إلى الحكايات والأساطير الشعبية مثل حكاية جحا وابنه وحماره، أو بعض الآيات القرآنية والخط العربي أو فنانين وراقصين من التصميمات الفرعونية وزخارف مستوحاة من العمارة الإسلامية.
انتشرت الخيام المصرية في جميع البلاد العربية قديما، وكانت تفي بغرض حماية سكان الصحراء الحارة الجافة المتربة، أما في مصر فحتى الآن تصنع من قماش الخيامية خيام متنقلة لحفلات الزفاف والاحتفالات الدينية والأعياد والجنازات، لكن رغم تفردها وجمالها فهي في طريقها للاختفاء، ويكافح صناعها من أجل بقاء ذلك الفن التراثي، خاصة أنه منذ التسعينيات تخلى أغلب الناس عن فن الخيامية المصنوعة يدويا بالإبرة لصالح الخيامية الرخيصة المطبوعة، والتي باتت تستخدم للخيام المتنقلة، بينما تحول فنانو الخيامية إلى صناعة أشياء أصغر حجما وأسهل في البيع مثل الحقائب وأغطية الوسائد والمعلقات.
تاريخ فن الخيامية
في كتاب "فن الخيامية" للباحث خالد محمد عبد المجيد الصادر عن دار المعارف في العام 2017، يذكر أن المصريين القدماء هم أول من عرف هذا النوع من القماش في عصر بناة الأهرام، حين كان ذلك القماش يستخدم مظلة لرئيس العمال. كما ورد في كتاب "المومياوات الملكية"، أن هناك سرادقا من الجلد تم اكتشافه في الأسرة الـ21 وهو من القطع النادرة المصنوعة بطريقة الخيامية أو إضافة قماش على قماش، كما عثر على بعض ملابس الفراعنة الموجودة في خبيئة الدير البحري والتي كانت مطرزة بنفس طريقة الخيامية وهي إضافة شرائط وأحزمة منقوشة للرداء مثل رداء توت عنخ آمون الموجود بالمتحف المصري.
أما بداية صنع الخيامية في مصر الإسلامية، فقد كانت أثناء العصر الفاطمي والمملوكي، حيث كان شارع باب زويلة يغلق ليلا ويفتح نهارا، ويسمح للتجار بالدخول لمزاولة أعمالهم من بيع وشراء، وكان لدى هؤلاء التجار خيام يستخدمونها أثناء سفرهم وترحالهم وكانوا يعملون على ترميمها وتصليحها في تلك المنطقة، ولأن كل تاجر كان يفضل أن تكون خيمته مختلفة عن باقي الخيام بدأ صناع الخيامية في ارتجال تصميمات مستوحاة من الحياة والمناطق المحيطة بهم بالإضافة إلى تصميمات أخرى مستوحاة من العقل الجمعي المصري، ومن هنا بدأت مهنة الخيامية ونقوشها المصرية التراثية.
تصميمات الخيامية والفن والعمارة الإسلامية
تتداخل التصميمات في قماش الخيامية وتتنوع وينتج ذلك التنوع في نهاية الأمر تصميمات أقرب للتصميمات الإسلامية للوهلة الأولى، رغم صعوبة تصنيفها كتصميمات إسلامية تماما في بعض الأحيان، لكن تبقى منسوجات الخيامية معتمدة على الأنماط الهندسية المعقدة التي كانت تستعمل في عمارة المساجد وشبابيك المساجد وأبوابها ويظهر فيها غالبا حظر التمثيلات البشرية، ولو ظهرت فإنها تظهر مجردة من دون تفاصيل، وتتميز بأنماط متكررة من الألوان والأشكال الرمزية.
ولم تتغير هذه التصميمات حتى الآن وبقي الحرفيون الذين توارثوا المهنة محافظين على الشكل التراثي لها، وهو ما يضاعف قيمة منتجات الخيامية الآن أكثر من أي وقت مضى.
لماذا ارتبطت الخيامية بشهر رمضان؟
رغم وجود الخيامية طوال العام، فإنها ارتبطت بشهر رمضان لأن باعة الفوانيس والياميش يستخدمون قماش الخيامية لصنع الخيام الكبيرة التي يبيعون فيها منتجاتهم المرتبطة حصرا بشهر رمضان، لذا نجد شوارع القاهرة القديمة تمتلئ بتلك الخيام، ومع مرور الوقت وارتباط الخيامية برمضان بصريا في أذهان الناس أصبحوا يستعملون قماش الخيامية في تزيين منازلهم احتفاء بالشهر الكريم لنجد قماش الخيامية وقد صنعت منه مفارش وزينات لرمضان.
وقد تطور استخدام هذا الطراز من الأقمشة، حتى استخدمه بعض مصممي الأزياء حديثا في صنع خطوط أزياء بلمسة تراثية قديمة.