تقرير اردني: انخفاض عدد العمليات الإرهابية في العالم
- تحدث التقرير السنوي لمركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب عن اتجاهات الإرهاب العالمي لعام 2018م
وجاء في التقرير:
الموجز التنفيذي
1- انخفض مؤشر الإرهاب العالمي للعام الثالث على التولي، وانخفض عدد العلميات الإرهابية وعدد القتلى في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، نتيجة الهزائم العسكرية التي تعرض لها تنظيم داعش والنصرة في العراق وسوريا ، وزيادة فعالية جهود مكافحة الإرهاب العالمية .
حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية ذروته عام2014م (32,685) عملية إرهابية ،ثم أخذت العمليات الإرهابية بالانخفاض الدراماتيكي طيلة السنوات الثلاث الماضية حتى بلغت عام 2017م (18,814) عملية إرهابية ؛ بمعنى أن العمليات الإرهابية انخفضت أكثر من النصف وبنسبة (57%). أما لماذا حدث الانخفاض في عدد ضحايا العمليات الإرهابية ؛ فهو عائدٌ الى عاملين هما:
– تراجع جاذبية ؛وقدرة تنظيم داعش على تنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية نتيجة هزائمه المتلاحقة في العراق وسوريا.
– صرامة، وكثافة إجراءات وبرامج مكافحة الإرهاب خاصة في مجال المراقبة والملاحقة، وتوفر الموارد المالية لهذه البرامج.
2- زيادة عدد العمليات الإرهابية التي نفذها “اليمين المتطرف” في أوروبا الغربية والولايات المتحدة. وهو اتجاه مرشح للزيادة في المستقبل في ظل نشاط الأحزاب والتنظيمات القومية والشعبوية.
3- شهدت نهاية عام 2018م تحولاً مهماً في جهود مكافحة إرهاب تنظيم داعش في سوريا حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أواخر كانون أول –ديسمبر2018م عن سحب القوات الأمريكية البالغ قوامها حوالي 2000 عسكري وهو ما خلط الأوراق السياسية في المنطقة وسيضع المنطقة ابتداءً من العام 2019م أمام سيناريوهات مختلفة في كيفية مكافحة الإرهاب.
4- تمت هزيمة تنظيم داعش والنصرة عسكرياً في العراق وسوريا ، وفقد داعش معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها ، وتعرض التنظيم لضربات مؤثرة في سيناء وشمال أفريقيا والساحل وتم القضاء عسكرياً على التنظيم في الفلبين ، لكنه بقي نشط في أفغانستان، ونيجيريا عير تنظيم بوكو حرام، واستمرار نشاط لحركة الشباب المحسوبة على تنظيم القاعدة في الصومال.
5- ركز تنظيم داعش هجماته في أوروبا الغربية والولايات المتحدة على استخدام أسلوب “الذئاب المنفردة”. وهو اتجاه مرشح للاستمرار عام 2019م.
6- لازالت منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بعيدة عن سيطرة الدول وأجهزتها الأمنية، وتزوّد، وتمنح الجماعات الإرهابية المختلفة إمكانيات هائلة للدعاية والتجنيد والتوجيه وستبقى مرشحة للزيادة مستقبلاً ،نظراً لعدم تعاون عمالقة شركات وسائل التواصل الاجتماعي(فيسبوك، توتير ،تليغرام ،يوتيوب) مع الحكومات لتقيد الحريات والمراقبة.
7- رغم الهزائم العسكرية الكبيرة التي تعرض لها الإرهاب خاصة تنظيم داعش ،إلا أن هذا لا يعني نهاية التنظيم طالما بقيت حالة الفوضى السياسية وفشل الدولة الوطنية في منطقة الشرق الأوسط .
8-تشكل ظاهرة “المقاتلين الأجانب الإرهابين “مشكلة كبيرة للأمن العالمي وللدول المصدرة لهم في العالم، وهي مرشحة للانفجار مستقبلاً.
التقريــــــــــــــــــــر
يركز التقرير للسنة الثانية على التوالي لمركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب عمان-الأردن على الاتجاهات العامة لظاهرة الإرهاب العالمي ومظاهر التطرف العنيف والتطرف الديني. وللأهمية سيلقي الضوء هذه السنة 2019م على انتشار ظاهرة جرائم وخطاب الكراهية لخطورته على المجتمع والأمن الإنساني.
ويعتمد التقرير بشكلٍ أساسي على منهج كلاني(Holistic Approach) في دراسة وتحليل تطورات ظاهرة الإرهاب العالمي والاتجاهات الرئيسة(العظمى ، والصغرى) المعاصرة وإبراز هذه الاتجاهات وإلقاء الضوء عليها أينما كانت ، بدلاً من التوزيع الثقافي –الإيديولوجي(مسيحي-مسلم –يهودي –بوذي -الخ) ،أو الجغرافي والمناطقّي لهذه الاتجاهات، من خلال البيانات والإحصائيات العالمية المتوفرة.
التقرير ليس معنيا بالجدل والخلاف حول تعريف مفهوم الإرهاب ،أو بأخلاقيات الارهابيين والعمل الإرهابي ومحاكمة الإرهابين أو جهات مكافحة الإرهاب العالمية، بقدر ما هو معني أولاً وأخيراً بدراسة الظاهرة وتطورها مع الزمن، ثم تأثيرها على الأمن الوطني والعالمي.
اتجاهات الإرهاب
– لا يمكن الحديث عن مستقبل ظاهرة الإرهاب العالمي ونحن ندخل العام الجديد 2019م دون أن نتحدث عن إرهاب تنظيم داعش والقاعدة، والاتجاهات الجديدة لإرهاب حركات اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة .
وتواجه أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية اليوم مشكلة إرهاب اليمين المتطرف(Right Wing Terrorism) بدلاً من إرهاب تنظيم داعش الذي انخفض عدد ضحاياه بشكلٍ حادٍ جداً بنسبة (52%) خاصة في سوريا والعراق ، لكنه يبقى التنظيم الإرهابي الأخطر عام 2017.
لقد انخفض عدد العمليات الإرهابية عام 2018 للسنة الثالثة على التوالي وانخفض عدد وفيات الإرهاب في أوروبا بشكل كبير، بنسبة (75%).
في المقابل هناك زيادة في إرهاب “اليمين المتطرف”، فخلال السنوات الأربع بين 2013-2017 نفّذَ اليمين المتطرف (127) عملية إرهابية نتج عنها (66) حالة وفاة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة.
ولقد أخذ هذا الاتجاه ؛ يحظى باهتمام متزايد في الدوائر السياسية ومراكز البحث في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وهو ما أكد عليه معهد الاقتصاد والسلام في تقريره الأخير. ومما زاد الأمر خطورة ترافق هذا الاتجاه مع زيادة في حدة منسوب ما يسمى “جرائم الكراهية” خاصة في الولايات المتحدة وكندا. فحسب بيانات “مكتب التحقيقات الفيدرالي” (FBI) قفزت نسبة الى (17% )عام 2017م مقارنة بعام 2016م. بينما كانت النسبة أكبر في كندا حيث بلغت (50%) حسب تقرير للحكومة الكندية نشر في ديسمبر 2018م.
وتجدر الإشارة الى أن هناك جدلاً واسع في الأوساط الغربية اليوم حول تعريف المفاهيم الملتبسة مثل: “التطرف العنيف” و” اليمين المتطرف “، و”جرائم الكراهية” ومتى يوصف العمل العنيف بالإرهاب.
ويبد أن المنظومة المعرفية الغربية –خاصة الطبقة السياسية- استشعرت نهاية تنظيم داعش في سوريا والعراق خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا ، ونيته سحبها من أفغانستان ، وتريد الآن إعادة توزيع الموارد والجهود نحو التحضير لمواجهة الخطر القادم من داخل المجتمعات الغربية المتمثل بخطر إرهاب اليمين المتطرف.
-رغم انخفاض عدد العمليات الإرهابية في العالم للعام الثالث على التوالي عام 2018م، إلا أن خطر الإرهاب لا يزال ماثلاً ويهدد الأمن العالمي. وليس من الحكمة إعلان القضاء على الإرهاب وتخفيف إجراءات مكافحة الإرهاب العالمية. خاصة بعد أن أصبحت “الجهادية القتالية” ظاهرة راسخة وتنمو باضطراد منذ أواخر السبعينيات. ولا نتوقع أن تنتهي في المدى المنظور، بل ستبقى وتتجدّد, وان بأشكالٍ أخرى طالما بقي هناك تأويل وتفسيرات مختلفة للقرآن والسنة النبوية والتراث.
ذلك أنه بعد عقدين من الزمن منذ أن شن التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية حملة مكافحة الإرهاب العالمي زاد عدد أعضاء السلفية الجهادية المقاتلة –ربما- أربع أضعاف عن العدد إلى كان في 11 أيلول-سبتمبر 2001م . حيث يبلغ الآن قرابة( 230000) مسلحاً ينتشرون في قرابة (70) دولة في العالم على راسها : سوريا ،أفغانستان والباكستان.
وتشير بيانات “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “في واشنطن Center for Strategic and International Studies (CSIS) الى وجدود 70550 تقريباً في سوريا و64000 في أفغانستان ، و39000 في الباكستان، و15000 في العراق ، و6900 في نيجيريا و7240 في الصومال.
– تشير هذه الأرقام الى حقيقة صادمة آلا وهي أنه برغم هزائم تنظيم داعش الأخيرة وفقدانه معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها خلال أوج قوته بيت عامي 2014-2015م حيث بقي له ربما أقل من 1% من الأراضي على الحدود بين سوريا والعراق، إلا أنه ما يزال قائماً وبحالة جيدة رغم ما يعانيه من تفكك ولا مركزية أكثر من أي وقت مضى.
ومن المؤكد أنه سيستفيد من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أواخر 2018م عن سحب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان .
– تشكل ظاهرة “المقاتلين الأجانب الإرهابين“( foreign terrorist fighter ) تهديدا للأمن العالمي . ويؤكد مكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة الى وجود (30000) مقاتل اجنبي في سوريا والعراق ، و هناك اليوم شبه أجماع بين مراكز الدراسات والأبحاث على أن مجموع الكلي للمقاتلين الأجانب يتراوح ما بين( 40000 الى 42000) مقاتل من 120 دولة في العالم لكن الاتجاهات الجديدة المرتبطة بهذه الظاهرة كعودتهم الى بلادهم خاصة في ظل مشاركة النساء بنسبة (13%)، والأطفال بنسبة (12%) تشكل تهديداً اكثر خطورة للدول الأكثر تصديراً لهؤلاء المقاتلين في الشرق الأوسط مثل : تونس ، السعودية، والأردن. ودول أوروبا التي عاد اليها حوالي 30% من أصل 7000 مقاتل أوروبي.
وهؤلاء بحاجة الى المحاكمة العادلة وبرامج إعادة التأهيل والدمج والرعاية اللاحقة. وكل ذلك يحتاج الى خبرات وكوادر مدربة وتخصيص الموارد المالية اللازمة .
_ لعل هذا ما يطرح سؤال مستقبل الحركات الجهادية بشكل عام وعلى رأسها القاعدة وداعش؟ هناك اليوم انقسام بين منظري وخبراء الإرهاب والجماعات الإرهابية حيث يمكن رصد ثلاثة وجهات نظر وهي:
الأولى ، تتنبأ بنهاية التنظيمات الجهادية مثل القاعدة وداعش بحجة انها فشلت في بناء استراتيجية كبرى (grand strategies) .
الثانية، ترى العكس؛ وأنها ما زالت تصارع من أجل البقاء ومن المبكر جداً إعلان النصر عليها.
الثالثة، أخذت موقفاً توفيقياً بالقول أنه صحيح أن داعش والقاعدة هزمت عسكريا وتصارع للبقاء؛ لكنه من الصحيح ايضاً أن هذه التنظيمات لا زالت تجذب المؤيدين الى إيديولوجيتها.
– زيادة عدد العمليات الإرهابية التي نفذها “اليمين المتطرف” في أوروبا الغربية والولايات المتحدة. وهو اتجاه مرشح للزيادة في المستقبل في ظل نشاط الأحزاب والتنظيمات القومية والشعبوية.
– هناك علاقة إيجابية متبادلة ما بين العولمة والارهاب العالمي . وتشكل آليات العولمة التكنولوجية ،خاصة منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة البعيدة عن سيطرة الدول وأجهزتها الأمنية بما تمنحه من فردّية وحرية الحركة، ساحة المعركة القادمة بين الدولة والارهاب، حيث ستوفر التكنولوجيا البيئة الملائمة التي تزوّد، وتمنح الجماعات الإرهابية المختلفة إمكانيات هائلة للدعاية والتجنيد والتوجيه وستبقى مرشحة للزيادة مستقبلاً نظراً لعدم تعاون عمالقة شركات وسائل التواصل الاجتماعي(فيسبوك، توتير ،تليغرام ،يوتيوب) مع الحكومات لتقيد الحريات والمراقبة. وستواجه الدولة القومية بشكلها الحالي مشاكل جمة خلال العقدين القادمين خاصة في مجالات التحكم في “الذكاء الصناعي”(AI).
– نظراً لأن هناك اليوم جدل كبير خاصة في الغرب حول مستقبل ما يسمى “النظام الدولي الليبرالي “والتشكيك في مستقبل الديمقراطية والعولمة الاقتصادية في العالم بعد بروز اتجاه صعود الأنظمة القومية والشعبوية في أمريكا ، والبرازيل ، وبولندا ؛ والاحتجاجات الشعبية مثل “السترات الصفراء” في فرنسا، فأن هذا الاتجاه الخطير يمكن أن يُؤجج مستقبلاً نمو اتجاهات أخرى في ظاهتوى الفردية المتماهية مع الفردانيّة التي تؤمنها الثورة التكنولوجية ؛ أو على المستوى الجمعي من خلال استغلال التجمعات والاحتجاجات ذات المطالب الشعبية الجماهيرية. وما ينتج عن ذلك من مخاطر تهدد الاستقرار والأمن العالمي بطريقة لا يمكن السيطرة عليها.
توصيـات
من المؤكد أن الإرهاب لن ينتهي. ولن يختفي إرهاب الجماعات القومية المتطرفة أو الاسلاموية وغيرها من الجماعات التي تمارس الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية.
ومن المتوقع أن يأخذ الإرهاب أشكالا أكثر تطوراً ورعباً يتماهى مع تسارع التطور التكنولوجي وسيأخذ أشكالا أكثر فردانّية وهو ما يرشح زيادة استخدام أسلوب “الذئاب المنفردة” في تنفيذ العمليات الإرهابية .
ولمواجهة الإرهاب العالمي نوصي بما يلي :
1- بناء نظام دولي لتبادل المعلومات الاستخبارية والأمنية حول الإرهاب العالمي.
2- الاستمرار بتشديد الإجراءات الخاصة بمكافحة تمويل الجماعات الإرهابية.
3-مكافحة فكر وأيديولوجيا الجماعات الإرهابية خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي وضرورة التنبيه والتحذير من خطورة انتشار جرائم وخطاب الكراهية على هذه المنصات.
4-تعاون مؤسسات الدولة المختلفة مع مؤسسات المجتمع المدني في كافة مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وخطاب الكراهية.
5- استخدام منهج كلانّي (Holistic ) في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف يجمع ما بين الأساليب الخشنة (العسكرية، والأمنية ) والأساليب الناعمة (الحوار، والفكر، والنقاش ).
6-توفير الخبرات والموارد المالية اللازمة بمشاركة مع ية اللازمة بمشاركة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لبناء وتأسيس برامج لإعادة التأهيل والإدماج والرعاية اللاحقة.
7- أهمية استمرار الضغط الدولي والأممي على عمالقة شركات وسائل التواصل الاجتماعي لعدم استخدام منصاتها كأدوات لدعاية الجماعات الإرهابية ونشر خطاب الكراهية. بحجة احترام الخصوصية والحرية الفردية .