الاعتداء على مسجدين في نيوزلندا: المهنيّة تتطلّب عدم نقل رسائل الإرهابيين
جملة من المخالفات المهنية والأخلاقية ارتكبتها وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية في تغطيتها حادثة الاعتداء الإرهابي على مسجدين في نيوزلندا، كان أبرزها بث فيديو الاعتداء برغم دمويّته وصور الضحايا والمصابين، وإعادة نقل خطاب الكراهية الذي روّجه الإرهابي ومن يؤيّدونه، من دون الانتباه لمحاذير ذلك، أي الخشية من تحوّل وسائل الإعلام إلى منصات لإعادة نقل رسائل الإرهابيين.
ولم تكتفِ تغطيات إعلامية بإيراد بعض مقاطع خطاب الكراهية الذي استخدمه منفّذ الهجوم عبر صفحته على موقع "تويتر"، بل أفرد بعضها كامل المساحة لنقل ما وَرَدَ من خطاب كراهية من منفذ الهجوم ومن يؤيّدونه، ومادة أخرى اختصّت فقط بما كتبه منفذ الهجوم على أسلحته، لتبذل جهداً لافتاً في الإحالات التاريخية لحقبة مسلمي الأندلس. ولم تقف المخالفات المهنية لدى هذه الوسيلة الإعلامية عند هذا الحد، بل ذهبت لإقحام الانطباعات في العناوين.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه هذه الوسيلة الإعلامية أن كل من "فيسبوك" و"تويتر" قاما بحذف مقاطع الفيديو التي تُظهِر تفاصيل الجريمة الإرهابية وحذف أي محتوى يثبت أنه يُحرّض على الكراهية، فإنها لم تحذف ما وردَ عبر موادها آنفة الذِكر من مقاطع فيديو، كما لم تتراجع أي وسيلة إعلامية مذكورة عن نشر الفيديو والصور حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
وفي وقت ارتبكت فيه كبريات القنوات التلفزيونية في التغطية، فإن من الممارسات الجيدة التي رصدها "أكيد" تغطية "بي بي سي"؛ إذ حرصت على درجة عالية من الشمولية في تناول جوانب الحادثة: الرواية الرسمية ورواية شهود العيان والرواية الأمنية، بالإضافة لتعزيز المادة بخريطة توضح اتجاهات الاعتداء الجغرافية، عدا عن التزام أقصى درجات التحفّظ في نشر الصور. بل حرصت القناة على عدم البتّ بضلوع المتهم بالحادثة؛ لعدم قول القضاء كلمته النهائية بعد، كما أعطت الخبر الصدارة في النشرات الإخبارية، لكنها لم تفرِط في الوقت المخصّص له، على الرغم من استيفاء الجوانب كلها في التغطية، في مقابل نشرات إخبارية خصّصت ما يزيد على نصف النشرة للحديث عن الأمر وبثّ الصور والتصريحات والتحليلات الإخبارية.
هذا ونشرت اليونسكو في وقت سابق من العام 2016، كُتيّباً للصحفيين يتعلق بتغطية الإرهاب، ويهدف إلى زيادة الوعي وضرورة توخّي الحذر عند الاقتباس من الأشخاص، وما هي الرسائل التي ينقلونها وكيفية وضعها في سياق المعلومات التي يقدّمونها، على الرغم من أي ضغوطات تقع عليهم بهدف تحقيق السبق الصحفي وكسب القرّاء والمشاهدين والمستمعين والتركيز على المعلومات أكثر من الآراء.
ويرِد في الكتيّب "إن الهدف النهائي للإرهابيين هو إغراق المجتمع في الفوضى وتحريض الناس على بعضهم الآخر، من خلال إثارة القمع والتمييز والخلافات".
وفي هذا السياق، يدعو "أكيد" وسائل الإعلام إلى الانتباه أثناء تغطية الإرهاب؛ لعدم الوقوع في فخّ ما يريده الإرهابيون، أي نقل رسائلهم إلى جمهور أوسع وإثارة موجة من التحريض والكراهية. في الوقت الذي يجدر بالإعلام نقل المعلومات المحايدة والتأكيد على رفض الإرهاب وإدانة الإرهابين وأعمالهم.