بعد مرور أشهر على الإفراج عنه، يروي علاوي البشابشة جانباً من ظلمة السجون في سوريا، التي تنقل بين عدد منها، خلال 31 يوماً أمضاها في ظروف قاسية، «بل وحياة تستحيل على الآدمي الاستمرار معها»، في صدف غريبة، وهو الذي طاله الاعتقال في اليوم الأول من إعادة افتتاح الحدود البرية المشتركة بين الأردن وسوريا، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. التجربة التي يتشارك فيها مع الأردني بشار صبري الربيع، الذي أفرج عنه في التاسع من أبريل (نيسان).
يستعيد البشابشة يومياته في المراكز الأمنية السورية، والتي وصفها في حواره مع «الشرق الأوسط»، بـ«كابوس خشي أنه لن ينتهي»، حيث لم توجه له أي تهمة، ومُنع من الاتصال بأي من أفراد أسرته، فيما يشبه «حالات الاختفاء القسري»، مستدركاً: «أن هذا الكابوس رغم حقيقة أن الأردنيين تلقوا معاملة أفضل من الجنسيات الأخرى التي جاورها في المهاجع والزنازين ذاتها».
لم تتوقف مخيلة البشابشة منذ لحظة الاعتقال الأولى عن رسم سيناريوهات قاتمة حول مصيره المجهول، حيث بدأت مسيرته موقوفاً لدى فرع الأمن السياسي في مدينة درعا على الحدود السورية مع الأردن، وهو الذي أراد، فقط، زيارة دمشق. وكان قد سأل قبل دخوله الحدود، عن انتهاء مدة حكم منعه من الدخول إلى سوريا على خلفية قضايا مالية شملها العفو العام، ومرت عليها خمسة أعوام، ما يعني أن القرار صار لاغياً بالتقادم.
من درعا الحدودية مع الأردن، بدأت رحلة البشابشة في استجوابات وتحقيقات، مروراً بفرع الفيحاء للأمن السياسي في دمشق، وصولاً إلى المخابرات الجوية التي لا تتعامل مع المعتقلين بأسمائهم، بل عبر أرقام، حيث على السجين أن يحفظ رقمه، ويحجز له متراً وبضع سنتمترات في زنزانة مساحتها ضيقة جداً تستضيف عدداً من المحتجزين؛ وصل في تجربته إلى 6 أشخاص.
يقول البشابشة إن معاملة السوريين له في السجن لم تكن خشنة، لمعرفة المحققين بقضيته، فهي بعيدة كل البعد عن تهم الإرهاب، أو الإساءة لشخص «السيد الرئيس»، فهاتان القضيتان «تحملان العذاب لمن تجرأ على الاقتراب منهما».
بعيداً عن ذلك، فإن تفاصيل الحياة اليومية للسجناء في الزنازين السورية «تفوق الخيال الإنساني، حيث يقدم لهم طعام لا يستقر في جوف إنسان، كما يجبر كل منهم على استخدام الحمام لمدة دقيقة واحدة في الصباح وأخرى في الليل، مع إجبارهم على خلع ملابسهم الداخلية، والذهاب إلى الحمام عراة، دون توفير مستلزمات النظافة الشخصية».
وإلى أمد مجهول، بقي البشابشة ينتظر مصيره المحتوم، بالاختفاء الأبدي أو الموت، حتى أجرى معه المحققون آخر إفادة حول خلفيات القضية المالية السابقة التي شملها العفو الرئاسي العام، ثم طلب منه أن «يبصم» على أقواله، لينتقل بعدها إلى سجن «الجماعية»، حيث عرف من خلال زملائه في السجن، أن هذا النقل قد يحمل له بداية إفراج محتمل.
في تلك الأثناء، لم يكن الشاب الأردني يعلم أن وساطة نيابية قادها خالد أبو حسان النائب عن مدينة الرمثا الشمالية، التي ينتمي لها البشابشة، للإفراج عنه مباشرة، خلال زيارة وفد نيابي لدمشق في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، طلب خلالها من الرئيس السوري بشار الأسد، الإفراج عن مواطنه (الذي غادر لاحقاً الأراضي السورية برفقته).
يكمل البشابشة سرده، فيقول إنه بعد أن استقر في سجن الجماعية، «ناداني أحد العناصر الأمنية، وقادني إلى مكان آخر في السجن، حيث ترك لي حرية استخدام الحمام والاستحمام، وتناول الطعام، وارتداء ملابس نظيفة. شعرت حينها أن ثمة شيئاً ما سيحدث، لكن سرعان ما اختفى الشعور بعد أن أعادوني إلى زنزانتي القديمة». غير أنه بُلغ لاحقاً بقرار الإفراج، والخروج تحت طائلة التصريح بمكان إقامته في العاصمة دمشق، إلى حين ترتيب ظروف عودته إلى مدينته.
كان علاوي البشابشة أحد الذين تم الإفراج عنهم بين 45 أردنياً اعتقلوا فترة فتح الحدود، وأعلنت السلطات الأردنية، مؤخراً، عن الإفراج عن 8 جدد.
إلى ذلك، تفيد المعلومات المتواترة من أطراف برلمانية ورسمية ومن أهالي المعتقلين، بأن غموضاً لا يزال يحيط بملف المعتقلين، حيث تم الإفراج عن أربعة من الثمانية، ولم يعرف مصير الأربعة الآخرين حتى الآن. في حين أكد النائب الأردني طارق خوري لـ«الشرق الأوسط» أن الأربعة الآخرين المفرج عنهم، قرروا البقاء في سوريا، فيما تفيد معلومات تسربت من وزارة الخارجية بأن هناك أردنيين مفرج عنهم عالقون بسبب احتجاز جوازات سفرهم. غير أن خوري يؤكد على أن إجراءات الإفراج عن الأردنيين، مستمرة، نتيجة للجهود البرلمانية التي يقودها مع زملاء له.
ومن الأربعة الذين تأكد وصولهم إلى الأراضي الأردنية، الشاب العشريني بشار صبري الربيع، الذي أفرج عنه في التاسع من أبريل (نيسان) الحالي، وعاد إلى قريته في الرمثا، بعد اعتقال استمر لنحو شهر.
يقول الربيع لـ«الشرق الأوسط»، إنه خلال تلك التجربة، لم يكن يتصور أنه سيعود إلى بلاده مرة أخرى. ورغم زيارته لسوريا عدة مرات منذ افتتاح الحدود، غير أنه في المرة الأخيرة، اعتقل بسبب استخدامه لكاميرا هاتفه في تصوير مناظر سياحية، واتهمه الأمن السوري بتصوير حاجز أمني.
قال الربيع إنه لم يتعرض للتعذيب خلال التحقيقات معه، سواء في فرع الأمن العسكري في السويداء، الذي أقام فيه نحو 8 أيام، أو فرع فلسطين في دمشق، وقد أقام فيه 23 يوماً، مع نحو 50 محتجزاً آخرين، فيما أشار إلى أن الكثير من السجناء السوريين ومن جنسيات أخرى تعرضوا إلى صنوف مختلفة من إساءة المعاملة، وقال إنهم كانوا يُمنعون من الصلاة، وأضاف: «أبلغونا مراراً أنهم لا يريدون مشاهدة أي سجين يصلي، سواء جماعة أو فرادى».
ولفت الربيع إلى أنه سمع عن وجود عدد السجناء الأردنيين في مركز فرع فلسطين الأمني في دمشق، إلا أنه لا يعرف ما آلت إليه مصائرهم، فيما علم، لاحقاً، أنه تم الإفراج عن 5 أردنيين كان هو سادسهم، من هذا الفرع، ليعلم بعدها، بخبر الإفراج عن اثنين آخرين من سجون سورية أخرى. ومن دون أن تصله أي تفاصيل عن حيثيات الإفراج عنه، يقول الربيع: «أطلقوا سراحي، وأعادوا لي سيارتي وتمكنت من العودة إلى الأردن». الشرق الأوسط