كتاب يكشف عن الشرائح والطبقات الاجتماعية النافذة والمهيمنة في المجتمع الأردني

الكتاب: البنى الاجتماعية الأردنية وتداعيات السياسات الاقتصادية

الكاتب: فهمي الكتوت

الناتشر: الآن ناشرون وموزعون، عمان 2021.

 بدأ المؤلف كتابه بداية صحيحة، منذ نحو عقد ونصف؛ إذ أصدر كتابه الأول (الأزمة الاقتصادية والاجتماعية)، العام 2008، وأتبعه بـ "الزلزال المدوِّي الذي هزَّ النظام الرأسمالي"، في العام نفسه، وانتظر تسع سنوات، حتى أصدر كتابه الثالث "التحوُّلات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن"، وبعد ثلاث سنوات أخرى كتابه الرابع: "الأزمة المالية والاقتصادية في الأردن: أسباب ونتائج" (2020).

 

هكذا، أضاء المؤلف فهمي الكتوت الأساس الاقتصادي، قبل أن يدلف إلى تأثيرات الاقتصاد على البنية الاجتماعية في الأردن، في انتظار أن يُوظِّف ما كتبه في الشأنين، الاقتصادي والاجتماعي، على الحركة السياسية الأردنية، وبذا تكتمل الحلقة. غطى الكتاب 170 صفحة من القطع الكبير.

 

تناول المؤلف تطور القطاعات الأساسية في البنى الاجتماعية الأردنية، والتحديات التي واجهتها، فضلا عن التداعيات الاقتصادية، لهذا كله، وتضمَّنت ثلاثة فصول، تخصَّص أولها في خصائص تلك البنى، بينما عني الفصل الثاني بالآثار الاجتماعية للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية، ما بين انتفاضة نيسان/ أبريل 1989، مرورا بمرحلة النهوض الطبقي، في العقد الثاني من القرن الحالي، في مواجهة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية، واتساع حالات الفقر، والبطالة، وتآكل الطبقة الوسطى. بينما تركز الفصل الثالث حول الحركة النقابية العمالية، في الثلث الأخير من القرن المالضي، بما فيها من نجاحات، وإخفاقات، فضلا عن تواصل إضعاف الحركة النقابية.

 

تناول الكتاب مراحل تطوّر القطاعات الأساسية، وابرز التحديات التي تواجهها، وقد شملت الدراسة مقدمة وثلاثة فصول؛ استعرض الفصل الأول خصائص البنى الاجتماعية الأردنية. أما الفصل الثاني فقد تناول الاثار الاجتماعية للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية، بدءً من انتفاضة نيسان المجيدة، مرورا في مرحلة النهوض الشعبي خلال العقد الاخير في مواجهة تداعيات الازمة المالية والاقتصادية واتساع حالات الفقر والبطالة وتآكل الطبقة الوسطى. وتمحور الفصل الثالث حول دورالحركة النقابية العمالية في الثلث الاخير من القرن الماضي، والنجاحات والاخفاقات في تجربة الطبقة العاملة الأردنية انذاك والاجراءات التي اسهمت في اضعاف الحركة النقابية.

 

تناول المؤلف ملخصا للتركيبة الاجتماعية للأردن، والتي تعتبر أكثر تعقيدا وتشوها من باقي البلدان النامية؛ فالاقتصاد الأردني يعاني من تشوهات هيكلية ذات صلة بنشوء الدولة ومراحل تطورها، ففي الوقت الذي يجمع الاقتصاد الأردني بين مختلف الأنماط الاقتصادية ما قبل الرأسمالية، إضافة إلى بعض مظاهر الرأسمالية المشوّهة، كباقي الدول النامية، فإن هذا الاقتصاد نشأ وتوسّع في إطار النظام الاستعماري وتداعيات اتفاقية سايكس بيكو وإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين. وقد حرص الاستعمار بشكليه القديم والجديد على إبقاء الأردن تحت التبعية الأجنبية، وحرمانه من الاعتماد على الذات.

وبات الاقتصاد الأردني أكثر تشوها، فمن جهة؛ يجمع بين النموذج الريعي من حيث التوظيف والمكارم، ومن جهة أخرى؛ يعتمد على المنح والقروض في توفير ثلث نفقات الدولة وتحويلات المغتربين الأردنيين في الخارج لتغطية جزء من عجز فاتورة الاستيراد، بعد تخريب علاقات الإنتاج الزراعي، وإهمال القطاع الصناعي، واستيراد معظم المواد الغذائية والاستهلاكية من الخارج، وتنامي النمط الاستهلاكي، واتساع دَور الشرائح الطُفيلية. وتشكل الايرادات الضريبية في النموذج الرأسمالي المشوه في بلادنا نحو(70%) من الإيرادات المحلية، وهي إحدى سمات النظام الرأسمالي، لكن تقاليد النظام الرأسمالي الالتزام بالقول المأثور: «لا ضرائب بدون تمثيل سياسي»، في حين أن المجتمع الأردني محروم من التمثيل السياسي؛ فالبلاد لا تعاني من التشوهات الاقتصادية والاجتماعية وحسب، بل ومن التشوهات السياسية أيضاً. كما توظف الدولة نحو 39% من مجموع المواطنين المشتغلين، وهي نسبة مرتفعة جدا إذا ما قورنت بنسب تشغيل القطاع العام في الدول المتقدمة التي لا تتجاوز 10% من إجمالي المشتغلين ،وسبب هذه النسبة المرتفعة هو غياب المشاريع التنموية المولدة لفرص العمل.

 

يمكن القول إن الاستعمار عمل على توجيه الاقتصاد الأردني نحو تعزيز مواقع الفئات الطُّفيليّة التي تعتبر صاحبة المصلحة الأولى في إبقاء البلاد تحت السيطرة الأجنبية. وتصدّت السياسات الاستعمارية للتوجهات الوطنية التي حاولت ترسيخ الاستقلال الوطني والتحرر من التبعية الاقتصادية، وإزالة التشوّهات الهيكلية للاقتصاد، وتطوير القطاعات الإنتاجية. لقد نشأت الرأسمالية المحلية في ظل التبعـية للاسـتعمار، وليس من أحشاء الإقطاع، كما هي الحال في البلدان الرأسمالية المتطورة، وأضفى عليها الاستعمار طابعاً خاصّاً. ومن السمات العامة للرأسمالية المحلية أنها طُفيلية، وأن نشاطها الاقتصادي يتمحور في التداول والتوزيع بعيداً عن الإنتاج. ومن أهم وظائفها تسويق منتجات الاحتكارات الرأسمالية، ومن خواصها أنها لا تسهم في تحقيق تراكم رأسمالي في البلاد، بل تسهم في التراكم الرأسمالي في البلدان الرأسمالية، فهي تُستخدم أداة لتوسيع السوق الرأسمالي. وإن الثراء الذي تحقّقه يسهم في ترسيخ النمط الاستهلاكي في المجتمع المحلي، ومنافسة المنتجات المحلية.

 

ويظهر ذلك بشكل ملموس من خلال انتفاخ حصة القطاعات الخدمية في الناتج المحلي الإجمالي، التي بلغت نحو 67%، ومع ذلك، فإن الخدمات الأساسية التي تتولاها الدولة مثل: التعليم والخدمات الصحية وخدمات النقل والبنية التحتية، تراجعت بشكل ملموس في السنوات الأخيرة. وبالمقابل هناك خدمات رديفة تُقدَّم من قبل القطاع الخاص، وهي مرتفعة التكاليف، واستنزفت طاقات وإمكانات المجتمع المحلي بشكل عام.

 

إذن هناك فـرق بين «البرجـوازية التـقـليدية» التي نشأت في أوروبا، والرأسمالية المحلية التي نشأت في بلادنا. فالأولى تعـتمد على النشاطات التـقـليدية كالصناعة والزراعة والتجارة والمالية، أما الرأسمالية المحلية فهي ذات طبيعة طفيّلية، تسـتـند بالأساس على ارتباطها بالشـركات الأجنبية، باستثناء قطاع صغير من الرأسمالية المنتجة.

 

من هنا يُطرَح السؤال التالي: ما هي الشرائح والطبقات الاجتماعية النافذة والمهيمنة في المجتمع الأردني؟ وللوصول إلى النتائج المرجوة؛ لا بد من الإجابة على الأسئلة التالية:

1. من يملك السيطرة على ملكية وسائل الإنتاج؟

2. من هي الجهات المستفيدة من القيمة المضافة؟

3. من هي الجهات المستفيدة بطرق غير مشروعة من مؤسسات الدولة؟

4. من هي الجهات المهيمنة على صنع القرار السياسي؟

إن محاولة المقاربة بين الواقع الاجتماعي في بلادنا والنقاط المشار اليها تسهّل علينا مهمة التعرف على التركيب الاجتماعي للبلاد. ويمكن التوقف عند هذه المؤشرات والتساؤلات شريطة تناولها حزمة متكاملة.

1. الرأسمالية المحلية: تعدّ ملكية وسائل الإنتاج من أهم المؤشرات لتحديد طبيعة نظام الحكم في دولة ما، لكن ملكية وسائل الإنتاج وحدها في بلد كالأردن لا تمكّننا من الوصول إلى نتائج حاسمة؛ فمن المعروف أن ملكية وسائل الإنتاج في الأردن خاصّة وليست عامّة، لكن الرأسمالية في قطاعي الصناعة والزراعة تتسم بالضعف الشديد، ودورها في الحياة السياسية متواضع جدا. وهذان القطاعان هما من أضعف القطاعات الاقتصادية في البلاد، فعلى سبيل المثال، تكشف بورصة عمّان عن الأهمية النسبية لحجم التداول في الأسواق المالية للفروع الاقتصادية عن الأرقام التالية: قطاع الصناعة 22%، والقطاعات الخدمية 78%. وقد تضرّرت الصناعة والزراعة من السياسات النيوليبرالية التي نُفّذت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ما زاد من ضعفها.

وعلى الرغم من تخلي الدولة عن جزء هام من مؤسسات القطاع العام لصالح القطاع الخاص، إلا أن هذا الإجراء لم يُسهم في تعزيز مكانة الرأسمالية المحلية، إذ استولت الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية على مؤسسات الدولة. وقد أسهمت الإجراءات الواسعة التي طبّقتها الدولة باسم «التصحيح الاقتصادي»، والتي جاءت ضمن سياسات التكيف وإعادة الهيكلة، وبإيعاز وتوجيه من صندوق النقد والبنك الدوليين، واستهدفت تحرير التجارة الداخلية والخارجية وإزالة الحواجز أمام انسياب السلع الأجنبية، ورفع الحماية عن المنتجات المحلية، وتحرير أسواق المال، والخضوع لشروط منظمة التجارة العالمية.. أسهمت في إحداث تحولات عميقة في بنية الدولة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية لصالح الفئات الطفيليّة، عدا عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية؛ ومنها بلوغ العجز في الميزان التجاري نحو 7.6 مليار دينار في سنة 2017، كما بلغت نسبة المستوردات الأجنبية نحو 47% من الناتج المحلي الإجمالي، منها 58% موادّ استهلاكية؛ ما يعكس حجم الاعتماد على الخارج في توفير السلع الاستهلاكية. لذلك لا يمكن القول إن الرأسمالية في الصناعة أو الزراعة طبقة مهيمنة.

2. الرأسمالية الطفيلية: نشأت خلال العقدين الأخيرين شريحة جديدة من الرأسمالية الطفيلية التي استفادت بشكل واسع من السياسات النيوليبرالية المعولمة، فقفزت إلى أعلى مراتب السلطة السياسية والاقتصادية، وتبوأت المواقع الأولى في هذه السلطة إلى جانب الشرائح البيروقراطية، واحتلت جزءاً هاما من مواقعها بدعم مباشر من المؤسسات الدولية التي تشكّل الأذرع الاقتصادية للاحتكارات الرأسمالية، وهي: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. وجاء هذا الدعم لتمكينها من القيام بالدور الموكل إليها؛ أي إخضاع البلاد لشروط السياسات النيوليبرالية بإصدار الحُزم الاقتصادية التي تمكّن رأس المال الأجنبي من الهيمنة الكاملة على الاقتصاد الوطني. وقد تمتعت بالعديد من المزايا المباشرة وغير المباشرة، وذلك بعقد الصفقات المريبة وتحصيل العمولات غير المشروعة، وممارسة مختلف أشكال الفساد السياسي والإداري والمالي متمتعة بحصانة خاصة مكّنتها من الإفلات من المحاسبة القانونية بشكل فاضح.

وقد نفَّذت هذه الشرائح السـياسات النيوليبرالية على أكمل وجه خصخصة وتفكيك مؤسسات الدولة، وتقاسمت السلطة مع البيروقراطية الغارقة بالفساد المستشـري التي تشكّلت تاريخيا من كبار المتنفذين في الجهازين المدني والعسكري، الذين استثمروا مواقعهم في الحصول على امتيازات مكّنتهم من الدخول في ميدان الأعمال التجارية والعقارية. وقد درجت العادة على تسمية هذه الشرائح الطفيلية في البلدان النامية «البرجوازية البيروقراطية»، في حين أنها لا تمارس الوظائف الخاصة بالبرجوازية في الصناعة أو التجارة، ويتسم نشاطها باستغلال مواقعها النافذة في السلطة، وإطلالها على بواطن الأمور، للدخول في صفقات ومضاربات، والحصول على عمولات وتحقيق كسب غير مشروع.

3. وكلاء الشركات الاجنبية «الكمبرادور» وهي تعدّ إحدى الطبقات المهيمنة في المجتمع، يتمحور عملها بالتجارة. وقد حصدت أهم المكاسب، وأصبحت هذه الشريحة من أهم القوى الاجتماعية التي اعتمدت عليها الليبرالية لفرض سياساتها؛ فهي المستفيد الأول من سياسة تحرير التجارة والانفتاح على السوق العالمي والاندماج فيه. ووقفت ضد تدخل الدولة في الاقتصاد مستفيدة من تعثّر بعض مؤسسات القطاع العام (نتيجة الفساد الإداري والمالي) لتبرير سياسة التخاصّية والدفاع عن اللبرلة. ونجد أن القوانين الاقتصادية السائدة في البلدان الرأسمالية تخضع لمنطق التراكم الرأسمالي الذاتي، بينما القوانين الاقتصادية في الأردن تخضع لمنطق التبعية، أي منطق تراكم رأس المال في المراكز الرأسمالية المتقدمة. ويعتبر الكمبردور أحد أهم أطراف التحالف المهيمن.

4. الرأسمالية المصرفية والمالية «الطغمة المالية»: تمكّنت هذه الشريحة المالية من الصعود إلى قمة الهرم إلى جانب الكمبرادور، وقد استفادت من سياسة الانفتاح وتحرير أسواق المال. وخاصة بعد ان عوم البنك المركزي أسعار الفائدة؛ ما أسهم بتحقيقه أرباح عالية؛ فقد بلغت قيمة الودائع في المصارف الأردنية المرخصة 35.305 مليار دينار في كانون الأول 2019، فأسهمت بذلك في إعادة الإنتاج الطُّفيلي: «إذ يتحول رأس المال النقدي بصورة ودائع وشهادات ادخار إلى رأس مال مصرفي وائتماني (في صورة قروض) ويتحول بدوره إلى رأس مال طُفيلي وتجاري، وهكذا تستمر عملية التكاثر المالي وإعادة الإنتاج الموسَّع لرأس المال الطفيلي، من خلال الدور المتميز الذي يلعبه القطاع المصرفي بضخ السيولة وفتح خطوط الائتمان، والتمويل المصرفي لتنمية هذه الفئات الرأسمالية الطفيلية».

وقد لعب هذا القطاع دورا هاما في ضخ السيولة في شريان النشاطات الطُّفيلية عبر استيراد السلع الكمالية والمضاربات العقارية، إذ بلغت قيمة التسهيلات المقدّمة للقطاعين العام والخاص نحو 37 ملياردينار، منها نحو 25 مليار دينار للقطاع الخاص. وبلغـت حصـة القطاعـات الإنتاجيـة الثلاثة: الزراعـة والصـناعات الاسـتخراجية والتحويلية من التسهيلات الائتمانية 4 مليار دينار فقط بينما استحوذت القطاعات التجارية والخدمات بنصيب الأسد. كما أسهمت القروض والسندات المصرفيّة في تمويل النفقات الحكومية، مما عزز دور القطاع المصرفي على الصعيد الرسمي ودعم تأثيره في السياسات المتعلقة بالمجال الاقتصادي، فقد نجح في تخفيض مساهمته في ضريبة الدخل من 50% قبيل تنفيذ السياسات النيوليبرالية إلى 35%، كما تمكن من فرض شروطه على السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال إقرار قانون ضريبة الدخل رقم 38 لسنة 2018، إضافة إلى دوره الرئيس في تمويل القطاعات التجارية والخدمية، لذلك يعتبر هذا القطاع من القطاعات المهيمنة، إلى جانب الكمبرادور والفئات الطفيلية في القطاع العام.

5. كبار الملاكين العقاريين : لا يوجد في الأردن إقطاع بالمعنى الكلاسيكي.. مع ذلك كشف التعداد الزراعي لسنة 2017 عن أن 3.4% من أصحاب الحيازات يملكون 60% من الأراضي الزراعية؛ أي 1.331 مليون دونم، وفي المقابل كان 68.6 % من المالكين يملكون 9.4% من الفئات الأقل من 10 دونمات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن معظم الملكيات الكبيرة غير صالحة للزراعة، ولكن مع الزيادة السكانية العادية والاستثنائية، وتوسّع المدن والأرياف، ارتفع سعر الأراضي بشكل كبير، وأُنشئت المجمّعات السكنية والاستثمارية والتجارية بشكل واسع، وتشكّلت شريحة جديدة من الملّاكين العقاريين الذين تتشابك مصالحهم مع الشرائح الطُّفيلية الأخرى من الكمبرادور والمتنفذين في المؤسسة البيروقراطية.

6. المقاولون: مع التوسع العمراني، وإنشاء وتطوير البنية التحتية، انتعشت شريحة المقاولين التي هي شريحة واسعة تضم كبار المقاولين الذين يحصلون على المشاريع الكبرى -التي لا يخلو كثير منها من الفساد- من وزارة الأشغال والدوائر الحكوميّة عامّة، إضافة إلى استحواذهم على أهم عقود الباطن في المشاريع التي تنفذها الشركات الأجنبية في البلاد. وقد حرصت نخبة منهم على الوصول إلى السلطة التشريعية للتأثير في القرار، أما الشرائح المتوسطة والصغيرة منهم فتواصل الشكوى من هيمنة كبار المقاولين.

وعلى الرغم من الصعوبات والتعقيدات في تحديد وتوصيف ماهية الطبقات أو الفئات المهيمنة في البلاد، ودورها في ظل نظام حكم وصفه الدستور الأردني بأنه نظام «برلماني ملكي وراثي»، وأن «الأمة مصدر السلطات»، وتعديلات دستورية واسعة عزّزت دور الحكم المطلق وهمّشت دور البرلمان بتغييب الممثلين الحقيقيين للشعب الأردني في المؤسسة التشريعية، وحرمان الشعب من التمتع بحقوقه الدستورية بوصفه مصدراً للسلطات، مع ذلك يبقى السؤال التالي مطروحاً: ماهي الشرائح والطبقات الاجتماعية النافذة والمستفيدة والمنتفعة، التي تشكل القاعدة الاجتماعية للحكم؟

 

 

 

وفي ضوء ما تقدم يمكن الوصول إلى الاستخلاصات التالية:

1) الطغمة المالية: التي ضخت نحو 37 مليار دينار، أي ما يعادل 117 % من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، في القطاعات الاقتصادية المتعددة ومؤسسات الدولة، وباتت تتحكم بالمفاصل الاقتصادية في البلاد، مع الإشارة إلى أن58.5 % من ملكية هذا القطاع أصبحت أجنبية.

2) وكلاء الشركات الأجنبية «الكمبرادور»: وهم وسطاء الاحتكارات الرأسمالية متعددة الجنسيات الذين يسوّقون المنتجات الأجنبية.

3) خليط من الفئات البيروقراطية الطفيلية من المحافظين في الجهازين المدني والعسكري، ورموز الليبرالية الجديدة الذين روّجوا لسياسات التخاصّية وأسهموا في بيع مؤسسات الدولة، وحصلوا على منافع شخصية من العمولات.

4) المقاولون الكبار الذين يستحوذون على المشاريع الكبرى إما بطرق غير مشروعة، أو الذين يعتمدون على الأوامر التغييرية التي لا تخلو من الفساد.

5) كبار الملّاكين العقاريين الذين تداخلت مصالحهم الطبقية -من ملكية الأراضي وملكية الأبراج والمجمعات الضخمة- مع الطبقات والشرائح المذكورة أعلاه.

تشكل الشرائح الاجتماعية الخمس القاعدة الاجتماعية للحكم، المهيمنة بشكل متفاوت اقتصاديا واجتماعيّا، وقد استحوذت على موارد الدولة وعائدات التنمية. وبالرغم من نفوذها السياسي والاقتصادي، إلا أنها لا تتمتع بصلاحيّة اتخاذ القرارات والتوجهات الرئيسية التي تُعنى بحياة الدولة والمجتمع، إذ يغلب على النظام السياسي التفرد بالسلطة.

ومن أبرز السمات العامة للتركيبة الطبقية في الأردن؛ ضعف الطبقتين المرتبطتين بالإنتاج: الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة؛ فالمجتمع الطبقي لم يتبلور بعد بشكل واضح، وذلك بسبب ضعف القطاعات المنتجة؛ فالصناعة بفرعيها: الاستخراجية والتحويلية، إضافة إلى قطاعات الكهرباء والمياه والبناء تشغّل نحو 20% من مجموع المشتغلين الأردنيين في القطاعين العام والخاص، والطبقة العاملة الأردنية تعتبر حديثة التكوين. وعلى الرغم من التطورات التي طرأت على بنيتها، فإن عدد المعدمين الذين يتدفقون من الأرياف إلى المدن ارتفع بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، لينضم جزء مهم منهم إلى جيش العاطلين عن العمل.

أن توزيع قسم كبير من العمال في مؤسسات وورش صغيرة ذات طابع حرفي، يشكل أحد أهم عوامل الضعف للطبقة العاملة، إضافة إلى سيادة بعض المفاهيم الغريبة على ثقافتها وأخلاقياتها وتقاليدها، وتدني الوعي الطبقي وعدم الشعور بالانتماء الطبقي أحيانا أو عدم الاعتزاز بهذا الانتماء، واستصغار أهمية التنظيم النقابي والحزبي. إن قسما من الذين يعملون في ورش ومؤسسات صغيرة تسود بينهم وبين أصحاب الورش علاقات ليس لها طابع طبقي، فهم يعملون جنبا إلى جنب .إن الرأسمالية بالمعنى الحقيقي للكلمة تبدأ في اللحظة التي ينفصل فيها صاحب العمل عن عملية الإنتاج المباشر ليمارس إشرافه عليها بوصفه منظماً ومراقباً.

ومع سياسة التخاصّية والتخلي عن أهم القطاعات الاقتصادية لصالح الاحتكارات الرأسمالية، وفصل آلاف العمال بعد هيمنة الإدارات الأجنبية ، وجاءت هذه السياسات بعد إضعاف الحركة النقابية العمالية التي لم تعد مؤهلة للدفاع عن حق العمال، فقد جرى إضعافها عبر سلسلة من الإجراءات التنظيمية والأمنية، وفرض قيادات صفراء على معظم هذه النقابات، وإضعاف الأحزاب السياسية اليسارية التي فقدت التأثير في الحركة العمالية.

اما القطاع الزراعي الذي يعاني من الاهمال؛ له خصائصه الأكثر تعقيدا فالرقعة الزراعية المستغلّة لا تشكّل 3% من مساحة البلاد (2.727) مليون دونم لسنة 2016، ونسبة الأراضي الخصبة محدودة، إضافة إلى شحّ المياه، وانحسار هطول الأمطار وأثر ذلك في الاستثمار الزراعي. ويلاحظ أن الحيازات المتوسطة من حيث المساحة أكثر أهمية من الحيازات الكبيرة من الناحية الزراعية. وعلى الرغم من محدودية الأراضي الزراعية إلا أن تنوعها يضفي عليها أهمية خاصة، وتُعَد المنطقة الأكثر أهمية هي منطقة وادي الأردن التي تعتبر سلة الأردن الغذائية، إضافة إلى مرتفعات المنطقة الوسطى والشمالية التي تحظى بهطول مطري مناسب، أما المناطق الشرقية والجنوبية في البلاد فتعتمد على المياه الجوفية، وإن إهمال هذا القطاع الحيوي أسهم بتراجعه بشكل ملموس.

وجاء آخر تعداد زراعي لسنة 2017 فكشف عن انخفاض مساحة الأراضي الزراعية إلى 2.204 مليون دونم، من 5.842 مليون دونم في عام 1950 وازداد عدد الحيازات إلى 75.417 حيازة بسبب تفتت الملكية، ومع ذلك فإن 3% من أصحاب الحيازات يملكون 60% من الملكية.

ومن أهم الصعوبات التي تواجه الباحث الذي يرغب في التعرف على تركيبة الريف الأردني فقر المكتبة الأردنية في الأبحاث والمسوح الاجتماعية. ورغم أهمية المعلومات التي توفرها دائرة الإحصاءات العامة إلا أن هذه المعلومات غير مكتملة. وان الاعتماد على ملكية مساحة الحيازات غير كاف لقراءة التوزيع الطبقي، وبعد الاطلاع على تجارب مماثلة وجدت ان المعيار المركَّب الذي استخدمه محمود عبد الفضـيل في دراسة الريف المصري والذي يرتبط بمدى استخدام رأس المال والعمل المأجور في العمليات الزراعية وحجم استثمارها، إضافة إلى حجم الحيازة الزراعية نفسها ، لتحديد درجة التمايز الاقتصادي والطبقي في صفوف شـرائح الحائزين على الأرض.

وبناء على ذلك لا بد من مراعاة بعض الخصائص لدى الحديث عن توزيع ملكية الأراضـي في الأردن، وكيفية استثمارها، ومدى استخدام الآلات والتقنيات الحديثة في تطوير الحيازات الزراعة، بالإضافة إلى مؤشـر ملكية الأراضـي. وقد تناولت بعض العينات كنموذج في هذا الملخص علما ان البحث تناول كل الحيازات، وتبين أن فئة الحيازة التي تقل عن 10 دونمات هي التي تشغل النسبة الأعلى من العمالة، إذ بلغت نسبتها 27 % من مجموع العاملين في القطاع الزراعي. وتملك 17%من عدد الجرارات، و15% من عدد الحصادات، و12% من عدد الدرّاسات، و13% من عدد شبكات الري بالتنقيط، و12% من عدد شبكات الري بالرشاشات. بينما احتلت فئة الحيازة من 101– 500 دونم المكان الأول في استخدام الآلات والتقنيات الحديثة؛ وتملك 30% من مجموع البيوت البلاستيكية، و30%من عدد الجرارات، و23% من عدد الحصادات، و35% من عدد الدرّاسات، و22% من عدد شبكات الري بالتنقيط، و26% من عدد شبكات الري بالرشاشات، وتشغّل 20% من مجموع القوى العاملة.

 

أضف تعليقك