هل يؤدي رفع أسعار الدخان إلى إقلاع اللاجئين الشبان عن التدخين

الرابط المختصر

على عكس ما كان متوقعاً لم يؤثر رفع أسعار الدخان على شيوع التدخين كسلوك مجتمعي غير صحي في أوساط الشبان الأردنيين واللاجئين في البلاد رغم الظروف الإقتصادية الصعبة التي تواجههم من بطالة وانعدام لفرص العمل، ويساهم تعاطي التبغ في زيادة الفقر من خلال تحويل إنفاق الأسر من الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى إلى التبغ.

ووصل معدل الفقر بين اللاجئين السوريين في الأردن إلى 66%، بحسب مسح أجرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن مطلع العام الماضي.

وكان مجلس الوزراء الأردني أقر في أيلول الماضي نظاماً معدلا لنظام الضَّريبة الخاصة بسنة 2024. وتم بموجبه تعديل الضريبة المفروضة على الدخان. والسبب هو التماشي مع الإستراتيجيَّة الوطنية لمكافحة التبغ والتدخين بجميع أشكاله في البلاد.

وصنفت المملكة ضمن أعلى 3 بلدان في العالم من حيث نسبة التدخين، كما زادت فيها نسبة استخدام المنتجات الناشئة-الحديثة، بما فيها السجائر الإلكترونية والشيشة. 

وبحسب "المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة" في دراسة بعنوان ( انتشار تدخين السجائر والشيشة بين الأردنيين واللاجئين والمهاجرين في الأردن والعوامل المرتبطة به) صدرت في ديسمبر 2022 يموت أكثر من 8 ملايين شخص قبل الأوان كل عام بسبب تعاطي التبغ - أكثر من 7 ملايين من هذه الوفيات ناتجة عن الاستخدام المباشر للتبغ وحوالي 1.3 مليون حالة وفاة مرتبطة بغير المدخنين المعرضين للتدخين السلبي5. فيما تغيب الإحصائيات بالنسبة للاجئين السوريين وفئة الشبان منهم حصراً .

 

انتشار ظاهرة التدخين

وبحسب دراسة لمنصة "حقي" فإن من بين العوامل التي زادت من انتشار ظاهرة التدخين في منطقة شرق المتوسط التي يقع الأردن ضمنها: زيادة عدد السكان، وزيادة معدلات الدخل والقوة الشرائية للأشخاص وبخاصة الشباب، وزيادة الاهتمام بالتدخين من قبل النساء، وعدم وجود وعي بمخاطر التدخين، بالإضافة إلى الجهود المتواصلة والمكثفة من قبل شركات التدخين في الدعاية لمنتجاتها.

وتوفر حكومة الأردن الرعاية الصحية المجانية على كافة المستويات للاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من خلال مراكز الرعاية الأولية والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة. بما فيها مراكز الإقلاع عن التدخين.

ويرى الباحث في شؤون اللاجئين والهجرة القسرية "عاصم الزعبي" لـ"صوت شبابي " 

أن التدخين في الأصل عادة وكان يقتصر في السنوات السابقة على السجائر التقليدية، والشيشة "الأرجيلة" بنسبة أقل.

وفي الأعوام الأربعة الأخيرة انتشرت ظاهرة التدخين الإلكتروني والسجائر الالكترونية كبديل يطلق عليه محليا اسم "فيب" في صفوف الشباب الأردنيين والسوريين على حد سواء، وأضاف محدثنا أن انتشار هذا النوع من السجائر ساهم بارتفاع كبير بنسبة المدخنين بشكل عام في الأردن، ومن بينهم السوريون، ومن الملاحظ أن نسبتهم عالية،

وبحسب الزعبي فإن هناك أسباباً وراء هذه الزيادة أبرزها الانتشار الواسع لهذا النوع من السجائر وأسعارها متفاوتة ومنها ما هو في متناول يد الجميع، وهو ما جعلها بديل للسجائر التقليدية.

ولفت الزعبي أن أسعار السجائر زادت بشكل تدريجي خلال السنوات العشر الماضية   ففي حين كان سعر علبة سجائر الجولد كوست دينار واحد فقط في العام 2013 قفز سعرها إلى الضعف بعد الزيادة الأخيرة، وأدى هذا الأمر إلى الحد أو التخفيف من استخدامها لكن ليس الإقلاع عنها.

 

الشيشة عدوى اجتماعية

 ونوّه الزعبي إلى الانتشار غير المسبوق لتدخين الشيشة " الأرجيلة " بين كل الفئات العمرية ومن بينهم الشباب واليافعين سواء في المقاهي أو المنازل، وأصبحت الشيشة بمثابة عدوى اجتماعية أكثر منها إدمان على المواد الداخلة في صناعة التبغ الخاص بها.

 وعبر الزعبي وهو مدخن من الدرجة الأولى عن اعتقاده بأن جيل الشباب واليافعين يقبلون على التدخين كعادة وتقليد بالدرجة الأولى. مضيفاً أن الانفتاح الاجتماعي لعب دوراً مهما حيث تجد الشبان من الجنسين يمارسون عادة التدخين في الأماكن العامة.

وأظهرت البيانات الأخيرة ارتفاعًا طفيفًا في استخدام السجائر الإلكترونية بين البالغين من 4.5٪ في عام 2021 إلى 6٪ في عام 2022. في حين أن التحول تماما من السجائر إلى السجائر الإلكترونية يمكن أن يكون أقل ضررا من التدخين، فإن العديد من المدخنين البالغين يستخدمون السجائر الإلكترونية والسجائر في نفس الوقت - مما يزيد من التعرض الكلي للنيكوتين. 

ووفق الأطباء توفر التجارب العشوائية أدلة متزايدة على أن السجائر الإلكترونية التي تحتوي على النيكوتين يمكن أن تزيد من معدلات الإقلاع عن التدخين مقارنة بعلاجات استبدال النيكوتين، وفقا لمراجعة دولية للأبحاث حول التدخين الإلكتروني، فإن الشباب الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية هم أكثر عرضة للإقبال على سجائر التبغ.

 ومع ذلك، حتى الآن، لم تتم الموافقة على أي منتج للسجائر الإلكترونية من قبل إدارة الغذاء والدواء للإقلاع عن التدخين.

ضبابية المستقبل

 ويقول "مجد أحمد علي" 27 عاماً الذي ينحدر من مدينة درعا جنوب سوريا في هذا السياق لـ "صوت شبابي" أنه يعاني من مرض الربو ومع ذلك لم يقلع عن تدخين السجائر الإلكترونية التي أولع بها في السنتين الأخيرتين خفية عن أسرته وحتى بعد أن ارتفع سعر الدخان بكافة أنواعه فإنه لا يزال-كما يقول- مصراً على عادته السيئة وهي عادة يتمنى التخلص منها ولكن ليس باليد حيلة.

 

دخان فرط

أما الفنان "طارق حمدان" الذي يعيش منذ سنوات طويلة لاجئاً في مخيم الزعتري فتمكن من ترك التدخين منذ سنتين تقريباً ولكنه أورث هذه العادة السيئة لابنيه

وقال لـ"صوت شبابي" إن لديه ابنان  سمير 25 عاماً ومجد  24 عاماً أحدهما يدخن السيجارة الإلكترونية والآخر لا زال يدخن السجائر العادية ، مضيفاً أنهما يعتقدان أن التدخين يمكن أن ينفّس من ضيقهما  حيال قلة العمل وتدني الأجور وضبابية المستقبل .

ونفى حمدان وجود تأثير لغلاء الدخان على هذه العادة لدى المدخنين عامة لأنهم قد يلجؤون كما يقول إلى تدخين نوع أرخص أو "دخان فرط" وفي النهاية هي إرادة إن كان الدخان غالياً أم رخيصاً.

وغالباً ما يعتمد المدخنون الشرهون على التبغ بشكل كبير، مما يجعل الإقلاع عن التدخين أكثر تعقيدًا وصعوبة.

ورغم أن أضرار التدخين تطال كلاً من الذكور والإناث بنفس الدرجة فإنه يقل الحديث عن تدخين المرأة في مجتمعاتنا بدعوى قلته أحياناً وحساسيته أحياناً أخرى.

وتقول نجوى 25 عاماً وهي لاجئة سورية تعيش في مدينة المفرق إنها اعتادت على التدخين بشراهة منذ سنوات، ورغم علمها بمضار التدخين إلا أنها لم تتمكن من التخلص من هذه العادة السيئة حتى بعد ارتفاع أسعار الدخان حيث تستهلك أكثر من 20 سيجارة ( حوالي علبة واحدة) يومياً

وعبر الطالب الجامعي اللاجىء "علي الأحمد" عن اعتقاده بأن رفع الأسعار إجراء إيجابي لأنه قد يقلل من الأمراض المرتبطة بالتدخين ويشجع المدخنين على اتباع عادات وبدائل أكثر صحة.

وأضاف: "ليس الجميع مؤيدا للتغييرات، ولكن لا يمكننا أن ننكر أنها خطوة في الاتجاه الصحيح"، مضيفا أن مثل هذه التدابير مهمة بشكل خاص للشباب، الذين يستهلكون التبغ بشكل متزايد في الجامعات وغيرها من الأماكن العامة.

ووفق الباحث النفسي "محمد عبد العال" فإن اقبال اللاجئين وبخاصة الشباب على التدخين بمختلف أنواعه قد يكون ناجماً عن الضغوط النفسية والاجتماعية الناجمة عن النزوح الجسدي، والخسارة والانفصال عن الأسرة، والتعرض للحرب، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على ما إذا كان المرضى يتبعون النصائح الطبية الموصوفة أم لا.

وأكد عبد العال أهمية القرار خاصة في المجتمعات الأقل حظا حيث ترتفع معدلات التدخين، وقال إن "رفع أسعار السجائر أثبت في العديد من التقارير أنه يقلل بشكل كبير من استهلاك التبغ"، مضيفا أن مثل هذه القرارات تساعد على تعزيز أنماط الحياة الصحية.

ويعد الأردن أول بلد في العالم يستفيد من مبادرة إتاحة الإقلاع عن تدخين التبغ، والتي تهدف إلى دعم آلاف الأردنيين واللاجئين في الإقلاع عن التدخين أثناء جائحة كوفيد-19 وما بعدها، حيث تعد معدلات تعاطي التبغ في الأردن من أعلى المعدلات في العالم.

ومنذ عام 2004، قدمت الأردن العديد من تدابير مكافحة التبغ التي تشمل فرض ملصقات تحذيرية رسومية على جميع منتجات التبغ، وفرض قيود إعلانية على أشكال وسائل الإعلام التقليدية، وسن تشريعات تلزم الأماكن العامة الخالية من التدخين، وزيادة الضرائب على السجائر لتقليل القدرة على تحمل التكاليف، وإجراء حملات توعية ضد التبغ.  

وتوفر الحكومة الأردنية الرعاية الصحية المجانية على كافة المستويات للاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من خلال مراكز الرعاية الأولية والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة. بما فيها مراكز الإقلاع عن التدخين.