معاناة الطلبة بالمدارس تتفاقم وأولياء الأمور يشتكون
بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء العام الدراسي الجديد، تتصاعد شكاوى أولياء الأمور حول جودة التعليم في المدارس الحكومية، ويشتكي بعضهم من ظروف دراسية متردية تؤثر سلباً على أداء أبنائهم.
رغم ان الوزارة كانت أكدت استكمال استعداداتها لاستقبال العام الدراسي الجديد 2024 - 2025، والإجراءات المتعلقة باستقبال الطلبة، حسب ما جاء في تصريح أمين عام الشؤون الإدارية والمالية في وزارة التربية والتعليم سحر الشخاترة بتاريخ 11 آب، مؤكدة الانتهاء من إجراءات استقبال الطلبة من حيث توريد الكتب وتوزيع الشعب الصفية والكوادر التعليمية على المدارس، وأن الوزارة أتمت تعين 2039 معلم ومعلمة من خريجي دبلوم اعداد وتأهيل المعلمين".
فيما شكاوى أولياء، الأمور تعكس صورة قاتمة عن الواقع التعليمي في بعض المدارس الحكومية، وتطرح تساؤلات حول جاهزية هذه المدارس لاستقبال الطلبة وتوفير بيئة تعليمية مناسبة، وتسلط الضوء على مشكلة البطالة للمتعطلين عن العمل من المعلمين.
وتشير ملاحظات أولياء أمور الطلبة أن الواقع مغاير للتصريحات، فبعض الكتب غير متوفر حتى هذه اللحظة، والتنقلات من وإلى المدارس لم تنتهي بعد ما يسبب حالة إرباك وعدم استقرار للمؤسسة التعليمية والعاملين فيها، والطلبة وأولياء أمورهم، كما ان تعبئة الشواغر في الميدان التعليمي وبخاصة تبعات إشكاليات التعيين على نظام التعليم الإضافي (عمّال مياومة بثوب حكومي) وتسريح آلاف المعلمين وانتظار التعاقد مع غيرهم، يُحدث أيضاً حالة إرباك وعدم استقرار في الميدان التعليمي لا يعود بأي فائدة للطلبة، ولا يحقق أمناً وظيفياً للمعلمين.
كما قال خالد ولي أمر طالب في المرحلة الثانوية في محافظة الزرقاء لـ"صوت شبابي" الذي يروي معاناة ابنه داخل الغرفة الصفيّة المكتظة بأكثر من 50 طالباً مما يخلق جواً غير صحي ورائحة كريهة.
ويشكو الأب من غياب وسائل التبريد في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤثر سلباً على تركيز الطلاب وقدرتهم على الاستيعاب، فيما بعض الكتب المدرسية لا تزال غير متوفرة، رغم مرور أكثر من أسبوعين على بدء العام الدراسي.
محمود ولي أمر آخر في محافظة إربد يشتكي عودة ابنه في المرحلة الأساسيّة من المدرسة في وقت مبكر بسبب غياب المعلمة، ويستغرب خلال حديثه مع "صوت شبابي" من هذه الحالة، وبخاصة في ظل وجود أعداد كبيرة من خريجي تخصص معلم صف المتعطلين عن العمل.
فيما، عبرت والدة طالبة في الصف الثامن بإحدى مدارس محافظة عجلون عن قلقها الشديد من الظروف التي تدرس فيها ابنتها، وأن الصف الذي تدرس فيه ابنتها يضم 40 طالبة، ما يؤثر سلباً على مدى استيعابها للحصص.
تقول الأم لـ"صوت شبابي" إن المعلمات يجدن صعوبة بالغة في إكمال الدروس المقررة في ظل العدد الكبير من الطالبات، حيث يضطرون إلى تقسيم الوقت بين محاولة ضبط النظام داخل الصف وبين محاولة إيصال المعلومة إلى جميع الطالبات.
وتوضح أن هذا الوضع يمنع الطالبات من الحصول على الفرصة الكافية للمشاركة في الحصة وطرح الأسئلة من جهة ومن قيام المعلم بدوره من جهة أخرى، وهو ما يؤثر على جودة التعليم ومخرجاته فيما بعد.
من جانبها، تقول الخبيرة التربوية روان أبو زعنونة إن التحديات مستمرة بقطاع التعليم في الأردن وبخاصة في التعليم الحكومي، ولوحظ في الآونة الأخيرة عدد هائل من ملاحظات وشكاوى أولياء الأمور بسبب عدم جاهزية معظم المدارس لاستقبال الطلبة ونقص الكتب والمعلمين وغيرها من التحديات.
وتوضح لـ"صوت شبابي" أن الوضع الاقتصادي أثر على عمليات النقل المستمرة من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية وبطبيعة الحال زادت نسبة الاكتظاظ في الصفوف الدراسية والتي تعاني مسبقاً من هذا الاكتظاظ نتيجة الأوضاع المادية الصعبة لأولياء الأمور.
وتشير إلى أن الوزارة استأجرت المباني وبنت الكرفانات المعدنية الخارجية في بعض المدارس في محافظتي الزرقاء والمفرق لتخفيف مشكلة الاكتظاظ، في الوقت ذاته زادت الأعباء الدراسية والأنصبة على المعلمين لعدم التوزيع الصحيح على المدارس، والتنقلات غير المدروسة أيضاً كان لها دور كبير في ظهور النقص المستمر ببعض التخصصات.
وتلفت إلى أن لمواجهة تحدي النقص بالكوادر التعليمية ذهبت الوزارة للتعيين على حساب التعليم الإضافي وهو حل مؤقت، فيما عدد كبير من المدارس تعاني من عدم استقرار للمعلمين فيها، ما يؤثر على مستوى الطلبة وعدم حصولهم على نتائج تعليمية جيّدة وهو ما أدى إلى انتشار الدروس الخصوصية التي أصبحت أمر إلزامي أثقل على أولياء الأمور.
يؤكد الخبير التربوي عضو مجلس نقابة المعلمين السابق نور الدين نديم أن عدم جهوزية المدارس مع بدء العام الدراسي يؤثر على أغلبية مواطني المملكة، لأنّ الغالبية العُظمى إمّا مؤثر أو مُتأثّر من العملية التعليمية، سواء كوادر العاملين في المؤسسة التعليمية أم الطلبة على مقاعد الدراسة، أم أولياء الأمور.
ويوضح في حديثه لـ"صوت شبابي" أن عدم الانتهاء من أعمال الصيانة في عدد كبير من المدارس، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية أساساً في معظم المدارس، وضعف القدرة الاستيعابية فيها يسبب اكتظاظ بالصفوف وحالة إرباك عند أولياء الأمور والطلبة.
ويقترح نديم تشكيل لجنة من الخبراء وأصحاب الاختصاص لتحديث المنظومة التعليمية، على غرار ما تشكّل سابقاً من لجان ملكية لتحديث المنظومة السياسية أو الإدارية أو الاقتصادية، وتكون مخرجاتها محميّة بضمانة التطبيق من خلال تحويلها إلى تشريعات، وآليات عمل واقعيّة وقابلة للتطبيق.
كما ويشدد على إلغاء التعيين على نظام التعليم الإضافي، واستبداله بالتعيين الرسمي الثابت، لتحقيق الاستقرار الوظيفي والأمن المعيشي للعاملين في قطاع التعليم، وإعادة تأهيل كوادر العاملين في المؤسسة التعليمية سواء من الإداريين على اختلاف مواقعهم أم من المعلمين الممارسين داخل الغرف الصفيّة.
وير أن هناك حاجة مُلحّة لزيادة مُخصّصات الوزارة وتفعيل "الوقف التعليمي" لزيادة أعداد المباني المدرسيّة، وتعيين كوادر من المعلمين والإداريّين بعيدًا عن سياسة ضبط النفقات والتوفير المُطبّقة حالياً.
ويلفت نديم إلى أن قرار دمج المدارس تسبب بنقص كوادر المعلمين وزيادة الأعباء على المعلمين وارتفاع أنصبتهم، واكتظاظ الصفوف، وتراكمت السلبيات من قبل هذا القرار، وتضاعفت من بعده لنصل إلى ما وصلنا إليه الآن من واقع مؤلم يؤثر سلباً على مخرجات العملية التعليمية.
واستدرك بأن الوزارة تبذل جهداً لا نُنكره، لكنّه لا يُفضي إلى المنفعة المأمولة لأبنائنا الطلبة، ولا تُحقق استقراراً للعملية التعليمية، والواقع الذي يعيشه الطلبة في المدارس الحكومية، وما تقوله الوزارة على لسان مسؤوليها عبر وسائل الإعلام، لا يتوافق وتطلعات وتوصيات مؤتمرات ولجان التطوير التربوي.
وفي سياق متصل، يلفت نديم إلى أن سوء التخطيط ببدء العام الدراسي تزامنا مع بدء التجهيز والاستعداد لإجراء الانتخابات النيابية "زاد الطين بلّة" وذلك لأنّ معظم العاملين في لجان الفرز والاقتراع من المعلمين، والإداريين في وزارة التربية والتعليم، وأشغالهم بتجارب الأداء وإشغال المباني المدرسية بتجهيز غرفها ومختبرات الحاسوب للعمل على إنجاح الانتخابات بكافّة مراحلها.
هذا وحاول "صوت شبابي" الإتصال مع وزارة التربية والتعليم مِراراً وتكراراً للحصول على رد والتوصل إلى حل للشكاوى، إلا أنه لم يتلق أي رد.