
مريم العويدات: شابة أردنية تُحيي مسرح الدمى وتؤسس مشروعًا ثقافيًا في المفرق

في قلب محافظة المفرق، تشق الشابة مريم العويدات طريقها كرمز للإبداع المسرحي الموجه للأطفال، مستندة إلى سنوات من الخبرة والموهبة التي اكتسبتها خلال دراستها للفنون المسرحية في دمشق والتي تخرجت منها عام 2008 لكنها لم تكتفِ بأن تكون مجرد خريجة، بل صنعت بصمتها الخاصة من خلال تأسيس فرقة فتافيت لمسرح الدمى، لتصبح رائدة في إحياء ثقافة المسرح الموجه للصغار.
منذ نعومة أظفارها، كانت مريم تمتلك شغفًا استثنائيًا بالفن المسرحي؛ حيث بدأت عروضها المدرسية بحماس وإبداع لفت الأنظار إلى موهبتها هذا الشغف قادها إلى مؤسسة نور الحسين، حيث صُقلت موهبتها بأدوات احترافية، قبل أن تفتح أمامها أبواب الفرص بفضل بعثة دراسية مقدمة من الأميرة وجدان العلي، مما منحها الفرصة لدراسة الفنون المسرحية بشكل أكاديمي متعمق.
بعد تخرجها، عملت العويدات لفترة طويلة بين دمشق وبيروت، حيث تخصصت في تصحيح المسار الدرامي للمسلسلات، لكنها عادت إلى وطنها الأردن في عام 2021، بعد جائحة كورونا التي عطّلت الكثير من المشاريع .
ومن هنا قررت تحويل التحديات إلى فرص وجاءت فكرتها لإنشاء فرقة مسرح اطلقت عليها فرقة فتافيت لمسرح الدمى وهي فرقة تقدم عروضًا مسرحية متكاملة، بالإضافة إلى فرقة للدمى تعمل بطريقة أكاديمية هادفة، تُقدّم للأطفال رسائل توعوية وتعليمية.
تتألف الفرقة من شاب وثلاث فتيات، وقد خضعوا لتدريب مكثّف استمر عامًا كاملًا، شمل أصول استخدام الصوت وحركات الجسد، لضمان تقديم عروض مميزة ومنظمة أمام الجمهور. وقالت العويدات إنها بدأت بتنفيذ هذه العروض في المدارس والمراكز والمؤسسات المختلفة التي تبدي اهتمامًا بهذا النوع من الفن والعروض التي تستطيع من خلال ايصال رسائل ومعالجة قضايا في المجتمع .
وأوضحت العويدات أن بداية عملها في محافظة المفرق قوبلت بالكثير من الاستغراب، إضافة إلى التحديات المادية التي واجهتها، حيث كانت تكاليف معدات مسرح الدمى تُغطى من نفقاتها الشخصية. ولكن مع مرور الوقت، لاقت هذه العروض انتشارًا واسعًا وحبًا كبيرًا من جهات عديدة، مما ساهم في توسيع نشاطها وقدمت الفرقة عروضًا في معظم مدارس الأردن، بالإضافة إلى عروض صامتة لمنتفعي مديريات التنمية، ركزت فيها على تقديم محتوى هادف ومناسب لفئات المجتمع المختلفة.
وبينت الفنانة العويدات أن مشروعها المسرحي حقق نجاحًا لافتًا، وتمكن من توفير دخل مادي جيد للشباب العاملين معها، إلى جانب التوسع الملحوظ في نطاق عرضه مشيرة الى انه قدمت عروضا شملت فعاليات بارزة مثل مهرجان جرش، ونقابة الفنانين، ومهرجان دير علا، ومركز زها الثقافي وغيرها.
وأكدت أن هدفها هو إيصال المسرح إلى جميع فئات المجتمع، وتسليط الضوء على أهميته كوسيلة تعبير ثقافي وتعليمي.
نشر المسرح في المناطق النائية
وأضافت العويدات أن من أولوياتها تعزيز وجود المسرح في المناطق النائية، وهو ما يتطلب تعاونًا مكثفًا بينها وبين وزارة التربية والتعليم وأن الهدف من ذلك هو إتاحة الفرصة للجميع لحضور المسرح والاستفادة من محتواه التربوي والثقافي حيث ان المسرح يقدم للأطفال قيمًا ومواعظ بأسلوب غير تقليدي بعيدًا عن التلقين المباشر، مما يجعل الطفل يتفاعل مع الرسائل المطروحة ويتقبلها بسهولة.
تغيير الصورة النمطية عن المسرح
ودعت العويدات إلى إزالة النظرة السلبية المرتبطة بالمسرح في بعض الأوساط، والعمل على نشر الوعي بأهمية دوره الإيجابي كأداة تعليمية وترفيهية تعزز القيم الإيجابية في المجتمع.
مريم العويدات: إنشاء معهد لتعليم المسرح في المفرق
تطمح الشابة مريم العويدات إلى إنشاء معهد متخصص في تعليم المسرح بمحافظة المفرق، إدراكًا منها للدور الكبير الذي يلعبه المسرح في تطوير المهارات الإبداعية للأفراد وتعزيز الوعي الثقافي في المجتمع ،وتؤكد مريم أن هذا المشروع يأتي في إطار سعيها لتقديم منصة تعليمية جديدة تتيح للأطفال والعائلات فرصة التعبير عن أنفسهم وصقل مواهبهم.
وترى مريم العويدات أن مشروعها المقترح في المفرق سيسهم في نشر ثقافة المسرح بين الأجيال الناشئة، ويتيح للأسر في المحافظة فرصة للاستفادة من هذه التجربة الإبداعية التي تجمع بين الترفيه والتعليم.
اليوم، تُجسد مريم قصة نجاح مُلهمة لشابة أردنية آمنت بقدرتها على المزج بين الموهبة والطموح لخدمة جيل جديد من الأطفال عبر مسرحها الذي بات نافذة تعبيرية تنبض بالإبداع والإنسانية.
أهمية المسرح للأطفال
يشكّل المسرح وسيلة تربوية فاعلة للأطفال، حيث يسهم في تنمية قدراتهم الإبداعية واللغوية والاجتماعية. وتشير الدراسات إلى أن المشاركة في الأنشطة المسرحية تعزز من ثقة الطفل بنفسه وتساعده على تطوير مهاراته في التواصل والتعبير عن الأفكار. كما يساهم المسرح في تشجيع التفكير النقدي وتنمية الخيال، وهو ما يمنح الطفل أدوات لمواجهة التحديات المستقبلية بأسلوب مبتكر.