ترددت حنين "28 عاماً" بصرف دواء وصفه لها الطبيب عند مراجعتها له بسبب معاناتها من ألم في القولون، وبعد أن أجرت فحوصات طبية لمعرفة سبب الألم وصف لها الطبيب المختص دواء مضاد للاكتئاب!، تبادر لذهني سؤال على الفور.
"ما علاقة دواء الاكتئاب والقلق بالقولون؟ بصراحة خفت أخذ منه وأتعود على الأدوية النفسية والأكتئاب ويصيروا يحكوا عني الناس أني مريضة نفسيا".
علميا يبدو أن هناك علاقة فعلا بين الأمرين ، يبين الدكتور المتخصص في أمراض الجهاز الهضمي والكبد والتنظير باسل الخالدي، أنه في السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب تلعب دورًا مهمًا في تطور أعراض القولون العصبي. مضيفا أنه تشير الأبحاث إلى أن هناك علاقة وثيقة بين القولون العصبي والاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، وتؤدي المشاعر السلبية والضغوط النفسية إلى تفاقم أعراض القولون العصبي، بينما يمكن أن تسهم الأعراض الجسدية للقولون العصبي في زيادة مستويات القلق والاكتئاب لذلك، تم استخدام مضادات القلق والاكتئاب كجزء من العلاج لإدارة هذه الحالة بفعالية"
هذا الأمر ينطبق على حالة هناء (33) عاما فهي تعاني منذ مدة طويلة من انتفاخ بالبطن وغازات، وتقلبات في المزاج وأحيانا رغبة في البكاء، وإسهال أوإمساك، وألم في الصدر، وتعب وخمول، والعزلة والاكتئاب، ونوبات خوف وهلع، وأفكار سلبية.
القولون العصبي يؤثر على حياة الشباب اليومية
يقول الدكتور الخالدي ل "صوت شبابي" أن القولون العصبي يعد من الحالات الشائعة التي تؤثر على الجهاز الهضمي، حيث يعاني الأشخاص المصابون به من أعراض مزعجة مثل آلام البطن، الانتفاخ، والإسهال أو الإمساك. قد يكون للقولون العصبي تأثير كبير على جودة حياة الأفراد على وجه الخصوص الشباب، إذ يسبب لهم ضغوطاً نفسية تؤدي إلى تفاقم الأعراض.
وكشفت دراسة حديثة أجراها أستاذ العلاج الدوائي السريري الدكتور ضرار بلعاوي أن الإنتشار المرتفع للإصابة بالقولون العصبي بين البالغين في المملكة والذين لم يتم تشخيصهم، وبلغت الإصابات بنسبة 41.7% من المشاركين في العينة التي كانت 1042 شخص ، وأظهرت النتائج أنه يعتبر التوتر والأرق من أهم أسباب الإصابة بالمرض، وكذلك نسبة الإصابة مرتفعة بين العزاب،كما أظهرت أن النشاط الرياضي لا يشكل تحصينا ضد المرض.
مضادات الاكتئاب علاج للقولون العصبي
بحسب ما ذكر الدكتور الخالدي أنه تمثل مضادات القلق والاكتئاب جزءًا من الاستراتيجيات العلاجية التي يمكن استخدامها لإدارة أعراض القولون العصبي، خاصةً عندما يكون القلق والاكتئاب مرتبطين بالحالة. تشمل الأنواع الرئيسية من الأدوية المستخدمة مثل مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات لتخفيف الألم البطني وتحسين أعراض القولون العصبي. يمكن أن تساعد أيضًا في تحسين النوم وتقليل التوتر لتحسين المزاج وتقليل القلق، مما قد يساعد في تخفيف أعراض القولون العصبي المرتبطة بالاضطرابات النفسية.
استشارة الطبيب قبل العلاج بمضادات الاكتئاب
يوصي الدكتور الخالدي باستشارة طبيب مختص قبل بدء العلاج بمضادات القلق والاكتئاب "سيحدد الطبيب بالنوع المناسب والجرعة بناءً على الحالة الفردية للمريض، ويمكن أن يتضمن العلاج تعديل الجرعة بناءً على الاستجابة والآثار الجانبية، قد تكون مضادات القلق والاكتئاب فعالة في تحسين الأعراض المرتبطة بالقلق والاكتئاب، مما يؤدي إلى تحسن عام في أعراض القولون العصبي" ومع ذلك، يمكن أن تتسبب في آثار جانبية مثل جفاف الفم، زيادة الوزن، أو الدوخة. من المهم متابعة الحالة مع الطبيب وإبلاغه بأي آثار جانبية لتعديل العلاج إذا لزم الأمر، بحسب الخالدي.
آثار جانبية لأدوية الاكتئاب
ويقول المتخصص في الصيدلة الدكتور منير الخالدي أن هناك آثار جانبية لأدوية الاكتئاب المستخدمة لعلاج مرضى القولون العصبي، منها اضطرابات الجهاز الهضمي من غثيان قد يحدث في الأسابيع الأولى من العلاج،إمساك أو إسهال ، تغيرات في الوزن وزيادة الوزن أو فقدان الوزن، تأثيرات نفسية مثل القلق أو التوتر،قد يشعر بعض المرضى بزيادة القلق، خاصة في الأسابيع الأولى من العلاج، تغيرات في المزاج غير متوقعة، و اضطرابات النوم مثل الأرق أو نعاس مفرط، جفاف الفم قد يكون مزعجًا، ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل في الأسنان إذا لم يتم التعامل معه، دوار أو دوخة، تأثيرات قلبية، وتأثيرات جنسية قد تؤدي بعض الأدوية إلى انخفاض الرغبة الجنسية أو صعوبة في تحقيق الانتصاب.
ضرورة استشارة الطبيب
وأضاف الدكتور منير أن هناك أعراض انسحاب قد يؤدي التوقف المفاجئ عن تناول الدواء إلى أعراض انسحاب، مثل القلق، والدوار، والصداع، موضحا أنه إذا تم استخدامها لأكثر من شهر تؤدي لإدمان الجسم عليها .
وأشار إلى أن الاستخدام غير المراقب أي إذا تم استخدام الأدوية دون إشراف طبي، أو لأغراض غير علاجية، فقد ينشأ اعتماد نفسي أو سلوكي.
وبدوره شدد الدكتور منير على استشارة الطبيب بشأن كيفية التوقف عن تناول الأدوية، واتباع التعليمات بدقة.
الجهاز الهضمي يحتوي على 100 خلية عصبية
هذا وكان الدكتور ضرار بلعاوي نشر عبر صفحته على الفيسبوك أن الجهاز الهضمي هو العضو الوحيد الذي يتباهى بجهازه العصبي المستقل، والذي يتكون من شبكة معقدة من 100 مليون خلية عصبية مدمجة في جدار الأمعاء.
ووضح أنه يحتوي الجهاز الهضمي على 100 تريليون من بكتيريا الأمعاء النافعة المايكروبيوم microbiome) التي تنظم عملية الهضم والتمثيل الغذائي وتمنع المايكروبات الضارة من مهاجمة الجسم.
وأضاف البلعاوي أنه تنتج بكتيريا الأمعاء أيضًا مئات المواد الكيميائية العصبية التي يستخدمها الدماغ لتنظيم العمليات الفسيولوجية الأساسية بالإضافة إلى العمليات العقلية مثل التعلم والذاكرة والمزاج. على سبيل المثال، تصنع بكتيريا الأمعاء حوالي 95٪ من السيروتونين serotonin، الذي يؤثر على الحالة المزاجية ونشاط الجهاز الهضمي للشخص.
البكتيريا النافعة علاج للقولون العصبي
وبحسب ما وضح الدكتور البلعاوي أنه قد يسبب الإجهاد والتوتر اضطراباً في الميكروبيوم والذي قد يؤثر على الدماغ والسلوك. وهذا ما قد يفسر سبب إصابة أكثر من نصف الأشخاص، الذين يعانون من اضطرابات الجهاز الهضمي المزمنة مثل: مرض كرون والتهاب القولون التقرحي ومتلازمة القولون العصبي (IBS)، بالقلق والاكتئاب.
واشارت دراسة منشورة في المجلة البريطانية للتغذية في عام 2011 أنَّ العلاج بالبكتيريا النافعة probiotics (مزيج من Lactobacillus helveticus و Bifidobacteria longum) لمدة 30 يومًا أدى إلى تقليل القلق والاكتئاب لدى الأشخاص.
وإن أكثر من 75% من الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية في الدول النامية لا يحصلون على العلاج أو الرعاية، ويتعرض العديد من مصابي الاضطرابات النفسية إلى الشجب والتنديد، كما ويكونون عرضة للإهمال وسوء المعاملة، حسب الجمعية الأردنية للتوعية الصحية.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، في عام 2019، بلغ عدد الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية حول العالم مليار شخص، من بينهم 14% من مراهقي العالم.