مؤثرو "السوشل ميديا": انتشار ودعم رغم الانتقادات
بات استخدام كلمة مؤثر في عصر الرقمنة يطلق على كل من اعتلى منصة تواصل اجتماعي وبدأ بتصوير مقاطع ونشر محتويات بصرف النظر عن قابليتها للنشر على وسائل التواصل تبعًا لعادات المجتمع وتقاليده وقيود الأخلاق التي يحتكم لها، إلا أن ما أحدثته الثورة الرقمية جعلت الأبواب مشرعة على مصراعيها أمام مختلف المحتويات التي قد لا تليق بالأدب العام أو خصوصية المجتمعات أو تتضارب مع القيم والمبادئ، ما يجعل الشباب أمام تعرض كبير لها وتحت التأثر غير الواعي بها بحجة "مواكبة الوسط الشبابي الرقمي" ومتابعة أحدث صيحات "التريندات" على المنصات الرقمية.
الأكاديمي والخبير المتخصص في علم الاجتماع، الدكتور حسين الخزاعي يرى أن الذي يدفع شباب اليوم لمتابعة مشاهير ومؤثري وسائل التواصل هو " القرب الذي يشعر به الشباب بينهم وبين هؤلاء المؤثرين في العمر واللغة، والمنصات سهلة التداول والانتشار فهي "لغة العصر" إضافةً إلى الفراغ الكبير في حياة الشباب ما يجعلهم مولعين بمتابعة حياة المشاهير الشباب وأنشطتهم، ويأتي ذلك في إطار محتوى تتخلله الموسيقى والمؤثرات والألوان والحركات المستخدمة واللهجات العامية الجاذبة بطبيعة الحال".
ودعا الخزاعي الشباب إلى الابتعاد عن المحتوى الذي يضيع الوقت دون فائدة مرجوة منه، أو يحمل إساءة للقيم والدين، والاستهزاء بمؤسسات الوطن مشددا لـ"صوت شبابي" : عدم المساهمة في نشر هذه المحتويات ورواجها، كما يشير إلى ضرورة الابتعاد عن الكلمات البذيئة والصور الخادشة للحياء التي تساعد وسائل التواصل على انتشارها ويرفضها المجتمع".
المؤثرون.. محتوى رصين أم فارغ؟
مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا هذا لا حصر لهم، أسماء على نطاق واسع يشتهرون في منصة دون غيرها أو على مختلف المنصات، يتراوح محتواهم بين كوميدي وعرض نمط الحياة ومشاركة اليوميات والبذخ في الاستعراض والإعلان وصنع التريندات وبين محتوى علمي وتعليمي وتوعوي، لكن الجدل الأوسع يثور حول الفئة الأولى التي ترتفع أعداد مشاهديها بمئات الآلاف لمحتوى فارغ لا يضيف أي قيمة مجتمعية ويحدث تأثيرًا سلبيًّا على الشباب في سبيل حصد المشاهدات.
سناء عز والدة شاب مولع بأحد مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي تقول لـ"صوت شبابي" إنه يحب أحد مشاهير وسائل التواصل ودائم المتابعة له على الانستقرام ويقوم بتقليد أسلوبه في الكلام ويريد الارتداء من "الماركات" التي يلبسها هذا المشهور، ونحن ذوو وضع مادي عادي ليس بمقدورنا مواكبة الماركات في اللباس ما يجعله في اصطدام دائم معنا ويرغب في اقتناء الماركات دومًا، وأجد صعوبة حقيقةً في التعامل معه وجعله يعيش واقعنا لا داخل حياة المشاهير".
من جانبها تذكر سمية سعد والدة إحدى الفتيات "أن ابنتها تحب عدة مشهورات على وسائل التواصل الاجتماعي يعرض حياتهن وأسفارهن، وتقوم بتقليد تصرفاتهن والتفاعل مع رقصات التيكتوك التي ينشرنها، وأضافت لـ"صوت شبابي" الأمر حقيقةً خرج عن السيطرة بفعل الانتشار السريع للمحتوى الهابط الذي نراه على منصات التواصل ولا نستطيع السيطرة عليه مع أبنائنا"
أما تجربة نهى وليد فهي مختلفة عما سبقن فهي كما تقول لـ"صوت شبابي" أدفع أبنائي لمتابعة المؤثرين في مجالات مفيدة، كتعليم مهارة معينة، أو محتوى ثقافي يزيد لديهم المعارف، فخطر ما يمكن جعله عاديًا عن طريق هذه النماذج التي تتصدر لنا وسائل التواصل قد يوصلنا لما لا تحمد عقباه إن لم نستطع تدارك الأمر".
موجة عارمة من الانتقاد
ويبدو أن انتقاد هؤلاء المشاهير لا يقتصر على الأهالي فقط ، إذ استنكر جمهور كبير من طلبة الجامعات خلال نقاش على إحدى مجموعات الطلبة الإلكترونية أفعال مؤثري وسائل التواصل خلال "اللايفات" التي تتصدر منصة تيكتوك وحول كمية انعدام المبادئ، والقيام بكثير من الأفعال المستهجنة وغير المألوفة لدى المجتمع والتي تفرض واقعًا من المحتوى الدوني لاستجلاب التفاعل الواسع من قبل المستخدمين سعيًا لتحقيق الأرباح.
تقول إسلام أنور "أقصر طريق اليوم لتكون مشهورًا أن تعرض حياتك وتقوم بأفعال غريبة، تتنمر على عائلتك، تقلل احترام من والديك على سبيل المزاح، تنتقد أمورًا بألفاظ بذيئة، كلها تدل على انحدار منظومة الأخلاق في المجتمع والمشكلة الأكبر أن لديهم أكبر عددٍ من المتابعين والمعجبين"
الأمر لم يقف عند هذا الحد وبتنا نجد شبابًا يتبنون الأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا كما يقول محمد سعيد فهو يرى أن الكثير من "المشاهير" يسعون لجعل المحرمات أمرًا عاديًا نتفاخر بالقيام به، فقد أصبحت الأفعال المستنكرة رمز التحضر والعصرية الرقمية !!"
من جانبه وضَّح أيهم أسعد أن مستخدمي منصات التواصل ممن يظهرون في "اللايفات" على تيكتوك باتوا يبيعون حتى كرامتهم علنًا من أجل الحصول على الدعم "شفت الكثير من الأشخاص بقوموا بتحديات وأمور مهينة لهم مقابل الحصول على الدعم في جو من التحدي والإثارة وكأن صاحبها يقوم بأشجع الأفعال، لا أعلم حقيقةً كيف وصلنا لهذا المستوى من التدني لكن هذا نجنيه من عدم الوعي والرقابة"
غياب البديل شجَّع الدخيل
أسباب كثيرة جعلت الساحة خصبةً أمام الأفراد لتصدر وسائل التواصل الاجتماعي فالدعم الذي يحصل عليه أولئك المشاهير نتيجة بحث المجتمعات عن قيمة الترفيه فحسب في المحتويات يأتي لتخفيف ضغوط الحياة عنهم دون وعي كافٍ بحجم المعطيات المدخلة لهم إثر متابعتهم وحجم الانسلاخ عن القيم الذي تتركه المتابعة الطويلة لمحتويات فارغة.
غياب المحتوى الهادف عن الميدان أو قلة تواجده من قبل متصدري وسائل التواصل الاجتماعي في مقارنة مجحفة أمام المحتوى التافه، عزز كذلك من سرعة انتشار هذه المحتويات في الأوساط الرقمية، ما جعل الجيل الجديد ينشأ في منأى عن قضايا الأمة، بعيدًا عن ثقافة المجتمع، ودون إدراك حقيقي لواقعه الذي يعيشه.
تقول المرشدة الاجتماعية، منال أحمد لـ"صوت شبابي" "في خضم الأحداث الوطنية والعربية والعالمية التي نعيشها، ورغم الثقافة الكبيرة التي نمتلكها إلا أنها باتت تتفلت من هذا الجيل الذي لا يعير اهتمامه للقضايا العامة والتي تثري معارفه، فبدل مناقشة كتاب أو استماع حلقة وثائقية تضفي لرصيد المعلومات نجد نقاش أبناء الجيل عن تجربة التريند الفلاني، أو آخر المشكلات المفتعلة بين شخصين من الانفلونسرز"
ونوهت إلى ضرورة مزاحمة المحتوى الهادف وصُناعِهِ للمحتوى التافه على منصات التواصل الاجتماعي، وضرورة التوعية المستمرة للشباب بأهمية المحتويات التي يتابعونها لدورها الكبير في غرس القيم وترسيخ الأفكار.