يواجه سكان منطقة أم صيحون، التابعة للواء البتراء في معان تحديات كبيرة بعد تراجع الحركة السياحية في البتراء المدينة الأثرية العريقة التي لطالما كانت مصدر الرزق الأساسي لما يزيد عن 30000 نسمة من سكانها ، التي كانت تزدهر بالسياحة وتنبض بالحياة، وكانت مصدر رزق شبابها لعقود.
تنوعت فرص العمل للشباب في هذا القطاع :مرشدين سياحيين، موظفي استقبال، حرفيين، وبائعي تذكارات للسياح الذين كانوا يتدفقون من مختلف أنحاء العالم ، من صناعة النسيج إلى الرسم على الرمال، ومن بيع الشماغ المهدب إلى نقل السياح على الخيول داخل المدينة الوردية، كانت السياحة جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية بل هي كل حياتهم في كثير من الأحيان.
إلا أن الوضع لم يعد كما كان، مع ازدياد التوترات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، أصبح السياح يترددون في زيارة البتراء، بل ويفضلون تأجيل رحلاتهم إلى أوقات أكثر أمانًا،" حتى أصاب المنطقة ما يشبه الشلل الاقتصادي " بحسب غالبية الشباب الذين تحدثنا معهم أثناء إعداد هذا التقرير.
أظهرت بيانات وزارة السياحة والآثار أن عدد زوار مدينة البترا تراجع بمقدار 454 ألف زائر خلال النصف الأول من العام الحالي، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، حيث بلغ عدد زوار مدينة البترا 700 ألف زائر.
أما خلال النصف الأول من عام 2024، شهد الدخل السياحي انخفاضا بنسبة 4.9% مقارنة مع الفترة المقابلة من عام 2023، ليسجل ما قيمته 2.3 مليار دينار (3.3 مليارات دولار)، ويعود هذا الانخفاض في الدخل السياحي إلى تراجع أعداد السياح بنسبة 7.9%.
إذ يعيش اليوم شباب "أم صيحون" في ظل واقع مرير تهددهم البطالة وفرص العمل باتت شبه معدومة وتراجعت إيرادات الأسر، مما أثّر على مستوى المعيشة، وزادت الضغوط الاقتصادية على الجميع، و الأعمال الصغيرة، التي كانت تعتمد على السياح كمصدر دخل رئيسي، تعاني الآن من انخفاض شديد في الطلب، وتضيف هيا القواسمة، وهي من سكان منطقة أم صيحون ل "صوت شبابي" "الوضع أصبح لا يُحتمل، فقد كانت الأسر في أم صيحون تعتمد بشكل كامل على السياحة كمصدر رئيسي للدخل ، اليوم تغير الوضع بشكل جذري، ولم تعد هناك بدائل متاحة ، الشباب الذين كانوا يعملون كمرشدين سياحيين أو في محلات بيع التذكارات أصبحوا الآن بلا عمل، في حين تتراكم الديون على العائلات التي تعاني من ضغوط اقتصادية ونفسية متزايدة ، حتى الحياة الاجتماعية تأثرت، وأصبح كل فرد منهمكًا بمشاكله الخاصة."
أكد الدكتور بسام أبو كركي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الحسين بن طلال، أن التحدي الاقتصادي الذي يواجهه شباب أم صيحون هو نتيجة لعدة عوامل متداخلة أهمها "الاعتماد الكبير على السياحة كمصدر رئيسي للدخل مما جعل الاقتصاد المحلي هشًا أمام أي تقلبات في السوق السياحي، مثل التوترات الأمنية أو الأزمات الاقتصادية والسياسية العالمية ، هذه التحديات أدت إلى ارتفاع معدل البطالة وزادت من الضغط المالي على الأسر."
وأضاف الدكتور أبو كركي ل "صوت شبابي" :الحل الأمثل الآن هو التنويع الاقتصادي ويجب تشجيع الشباب على الاستثمار في مجالات أخرى مثل الزراعة أو الصناعات الغذائية، فالأرض في المنطقة خصبة ويمكن أن تكون مصدر دخل إضافي للعائلات ، كما أن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال قروض ميسرة أو تدريب على كيفية إنشاء مشاريع ريادية يمكن أن يفتح أبوابًا جديدة للشباب، ويعزز الاستقرار الاقتصادي في أم صيحون."
أما محمود الفقير وهو أحد الأدلاء السياحيين في البتراء وأحد سكان "أم صيحون"يؤكد أنه قبل العدوان على غزة كانت البتراء مقصد للسياح من جميع أنحاء العالم وكان العمل كدليل سياحي مهنة محترمة ومربحة ولها مردود مادي لا بأس به في ظل تزايد عدد الزوار الأجانب ، ولكن اليوم وجدنا أنفسنا بدون دخل أو عمل".
وأضاف محمود ل "صوت شبابي" "بالرغم من كل الصعوبات، نحن نؤمن أن السياحة تمرض ولا تموت وستعود إلى سابق عهدها إن لم يكن الأفضل ، ولكن نحن بحاجة إلى دعم حكومي لنتمكن من الصمود ويجب اعتبار القطاع السياحي قطاع منكوب وعلى الدولة أن تولي العاملين فيه أهمية كبيرة وذلك لمساهمة السياحة العالمية في الدخل القومي مع العمل على فتح أسواق سياحية جديدة مع تطوير كافة الحرف والمهن السياحية والعاملين فيها وشمولهم بمظلة الضمان الإجتماعي".
من جانبها أكدت مفوض التنمية المستدامة في سلطة إقليم البترا التنموي السياحي الدكتورة فاطمة الهلالات أن السلطة تسعى إلى تنمية مهارات الشباب وتعزيز قدرتهم على إنشاء مشاريع ذاتية ريادية كما أن السلطة ملتزمة بتوفير الدعم والتدريب اللازمين لتجهيزهم لمواجهة تحديات سوق العمل، وإيجاد فرص اقتصادية جديدة تساهم في تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة" جاء ذلك في كلمتها في الجلسة التعريفية لمشروع التمكين الاقتصادي للشباب في البترا والمُنظم من قبل السلطة بالشراكة مع مركز تطوير الأعمال(BDC) وبدعم من اليونيسف، والذي يهدف إلى تمكين الشباب من الفئة العمرية بين 18 و24 عامًا بتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة ليصبحوا قادة في مجال الريادة والأعمال.
وهو ما يؤشر على أهمية تنويع مصادر الدخل للشباب ليس في "ام صيحون" وحدها وإنما في كل الإقليم.
"البطالة وانخفاض الدخل ليسا مجرد أرقام، بل لهما آثار نفسية واجتماعية كبيرة على الشباب في أم صيحون والتوتر والقلق أصبحا جزءًا من حياتهم اليومية، مما يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية ويزيد من تعقيد حياتهم الاجتماعية."، هذا ما تؤكدة الناشطة الشبابية أمل السماحين، وتضيف ل "صوت شبابي" : رغم صعوبة الوضع، لم يفقد شباب أم صيحون الأمل ويكمن الحل في تطوير مهاراتهم والتكيف مع التحديات الجديدة حيث يمكنهم المشاركة في ورش وتدريبات لتحسين مهاراتهم واكتساب أخرى تتناسب مع متطلبات سوق العمل الحديث، مثل التكنولوجيا الرقمية والحرف اليدوية والإدارة."
وأكدت أمل السماحين على أهمية الدعم المالي والفني لإنشاء مشاريع صغيرة تتناسب مع قدرات الشباب، مشيرة إلى أن مؤسسات مثل مؤسسة التدريب المهني والشركة الوطنية للتشغيل والتدريب يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا في هذا التحول .
وأضافت: "يجب على الشباب التفكير في تنويع الاقتصاد المحلي والتركيز على مجالات مثل الزراعة، الصناعات الغذائية، والخدمات، مع تشجيع الابتكار والتكنولوجيا في المنطقة."
إن شباب أم صيحون اليوم يطالبون بتظافر الجهود المحلية من أجل توفير فرص عمل جديدة وتفعيل الشراكات بين الحكومة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص لدعم المشاريع التنموية التي يمكن أن تساهم في تحسين ظروفهم الاقتصادية فالمستقبل لا يزال أمامهم، وكل ما يحتاجونه هو الدعم والتوجيه لتحويل هذه التحديات إلى فرص.