تُعد العقوبات التعليمية والتأديبية إجراءاً متبعاً في أكثر جامعات العالم، وتأتي في سياق تعديل سلوك الطلبة داخل الحرم الجامعي، ومنع أي تجاوزات يمكن أن تحدث ومن أجل الحفاظ على سيرورة العملية التعليمية واستقرارها.
ولا بد من القول أن وجود نظام لضبط مخالفات الطلبة في الجامعات الأردنية أمر ضروري وحتمي، وذلك لأن افتراض التزام جميع الطلبة بواجباتهم الجامعية دون وجود نظام لضبط تصرفاتهم افتراض غير واقعي أو يشوبه القصور-بحسب الدكتور فؤاد عبد المطلب – الذي أضاف أن النظام يعد ركناً أساسياً من أركان العلاقة التي تنتظم بين الطلبة وإدارة الجامعة ولا يتصور وجود هذه العلاقة دون أن يكون النظام التأديبي موضعاً لنصوص قانونية عديدة تجسد مبدأ الشرعية وتحقق العدالة المنشودة في الحياة الجامعية.
ويبين الدكتور عبد المطلب الذي يعمل مدرساً للغة الإنجليزية في جامعة جرش أن الجامعات تستخدم فرض العقوبات لتحقيق عدة أهداف، أغلبها تعليمية وتنموية ومساعدة الطلاب على البقاء بمسار تصاعدي من خلال اكتساب مهارات جديدة وتطوير شعور أكثر اكتمالاً بذواتهم الأخلاقية.
وفي سجل الجامعات الأردنية الكثير من قصص الفصل والعقوبات لأسباب شتى ففي ديسمبر 2022 تم إحالة عدد من طلاب جامعة مؤتة إلى لجان التحقيق وإصدار عقوبات بحقهم بسبب ما وصفته بالمخالفات الطلابية لأنظمة الجامعة وتعليماتها، وقيامهم بالإجابةِ على استفسارات الطلبة المستجدينَ في الجامعة-فيما يتعلقُ بأمورِ التسجيلِ والدفع الإلكتروني من خلال مجموعة على منصة – فيس بوك – بما لا يخالف التشريعات الناظمة للعمل الطلابي في الجامعات الأردنية بما فيها جامعة مؤتة" وفق بيان لهم تداولته وسائل إعلام محلية حينها .
ويبدو أن نظام العقوبات في الجامعات غير فاعل وغير رادع، ما يجعل الطالب المعتدي غير مكترث. لذلك يطالب الكثيرون بتشديد العقوبات لتكون أكثر ردعا وعبرة لمن تسول له نفسه أن يقدم على ارتكاب تجاوزات أو مخالفات تخل بالأنظمة التعليمية كما يقول أستاذ جامعي في جامعة مؤتة فضل عدم ذكر اسمه لـ"صوت شبابي"
عقوبات تأديبية
ووفقاً لقواعد السلوك الجامعية المتبعة يعاقب الطالب الذي يثبت انتهاكه، بإحدى العقوبات التأديبية التالية: التوبيخ الرسمي، وهو إشعار مكتوب موجه إلى الطلاب بأن سلوكهم غير مقبول. والتوبيخ الرسمي لا يُعطى إلا في حالة المخالفات البسيطة التي تحدث لأول مرة. ولا يتم تسجيل التوبيخ الرسمي في السجل الأكاديمي للطالب. ولكنه يصبح جزءًا من سجله التأديبي.
ومن الإجراءات التأديبية في الجامعات الأردنية "الإيقاف" وهو فصل الطالب من الجامعة لمدة فصل دراسي واحد أو أكثر، وبمجرد إيقافه، يُمنع الطالب من دخول الحرم الجامعي ولا يجوز له حضور الفعاليات أو الأنشطة الجامعية التي ترعاها الجامعة. وتتم إعادة الطالب الذي يكمل جميع العقوبات المطلوبة إلى الجامعة في نهاية فترة الإيقاف.
ومع ذلك، في بعض الأحيان تأتي عودة الطالب مصحوبة بشروط (عدم السماح له بالعيش في الحرم الجامعي، والمشاركة في أنشطة معينة، ومنعه من دخول مناطق أو مباني معينة في الحرم الجامعي.
التحريض والتغيب الدراسي
ومن المخالفات التي تستدعي إجراءات تأديبية متعلقة بالتعليم التغيب المتعمد عن الحصص الدراسية أو أي أنشطة أخرى تتطلب الحضور، وتحريض الآخرين على ذلك، والغش أو محاولة الغش في الاختبارات أو الامتحانات أو الإخلال بنظامها.
وكذلك كل فعل من الأفعال التي من شأنها أن تمس الشرف أو الكرامة أو الآداب العامة أو حسن السلوك أو من شأنها أن تسيء إلى سمعة الجامعة أو تسيء إلى سمعة موظفيها.
والاعتداء اللفظي أو الجسدي أو التحرش من قبل شخص أو مجموعة من الأفراد على أشخاص آخرين داخل الجامعة ، على أساس العرق أو العمر أو الجنس أو اللون أو الدين أو الحالة الاجتماعية أو النسب أو الإعاقة، بما في ذلك التنمر والتنمر والإيذاء البدني أو النفسي أو الأخلاقي لأي طالب جامعي.
ووفق المادة (9): مدونة قواعد سلوك طلبة الجامعة الأردنية للمادة (17/ب/12) من قانون الجامعات الأردنية على الطالب أن يدرك بأن جهله بالقواعد الناظمة لمسيرة الجامعة ومدونة السلوك هذه لا يعفيه من المسؤولية، وان تجاهله لها ومخالفتها سيعرضه لتطبيق العقوبات المنصوص عليها في نظام تأديب الطلبة في الجامعة والمسائلة القانونية أمام القضاء.
منشور على فيس بوك
ولا تقتصر العقوبة التي تناول الطلاب على الفصل من الدراسة بل قد تصل إلى الشكوى لدى وحدة الجرائم الإلكترونية في حال كان الفصل بسبب منشور على مواقع التواصل الاجتماعي كما حصل مع الطالبة "يارا الدميسي" من كلية الرياضة في الجامعة الأردنية التي تعرضت في تموز 2021 للفصل لمدة فصل دراسي واحد ومنعها من التسجيل في الفصل الصيفي، وإلغاء تسجيلها للمواد التي سجلتها في الفصل التالي، بحسب قرار عمادة شؤون الطلبة في الجامعة الأردنية الذي نُشر على حساب الجامعة،
وأكد عميد شؤون الطلبة في الجامعة الاردنية الدكتور محمد القطاطشة في تصريحات صحفية حينها أن القضية لم تحركها الجامعة من تلقاء نفسها بحق الطالبة يارا الدميسي، إنما قامت عضو هيئة التدريس في الجامعة ومدرسة المساق برفع الشكوى على الطالبة في الجامعة، بسبب المنشور الذي نشرته الطالبة على الفيسبوك، وتم الاساءة فيه من خلال التعليقات للدكتورة مدرسة المساق.
وجاءت هذه العقوبة التأديبية على خلفية منشور للطالبة الدميسي على الفيسبوك توضح فيه إصابتها بكسور في قدمها خلال محاضرة السباحة وعدم تمكنها من التقدم للامتحانات.
واعتبرت الجامعة المنشور إساءة لسمعتها، وتم تحويل الطالبة للجنة تحقيق وبناء عليه اتخذ لقرار الفصل المؤقت من الجامعة في الفصل الأول القادم وعدم السماح بالتسجيل للفصل الصيفي، وإلغاء المواد المسجلة في الفصل الثاني الماضي. بالإضافة لتسجيل شكوى ضدها لدى الجرائم الإلكترونية.
ذبحتونا
وحول عيوب تطبيق العقوبات في الأنظمة الجامعية يرى الدكتور " فاخر الدعاس" مدير ومنسق الحملة الوطنية لحقوق الطلبة "ذبحتونا" لـ"صوت شبابي" أن الإشكالية في العقوبات الجامعية هي أنظمة التأديب التي لم تتغير للأسف ولم تعكس ما تم الحديث عنه حول إرادة رسمية بتفعيل الحضور السياسي في الجامعات وتفعيل العمل الحزبي –كما يقول-
وأضاف دعاس أن أنظمة التأديب لا تزال تلاحق الطلبة الناشطين وتعاقبهم وتحاسب الطالب على ما يكتبه على صفحات التواصل الإجتماعي، واستدرك أن المشكلة الأساسية في النظام نفسه وليس في التطبيق
وأكد محدثنا أن حملة "ذبحونا" تتابع هذه القصص وتثيرها من إدارات الجامعات ونسعى لتبصير الطلاب بحقوقهم وواجباتهم، كما تنظم الإحتجاجات الطلابية الرافضة للإجراءات في حال كانت قاسية ومجحفة بحق مجموعة ما من الطلاب.
وحول تصوراته بما هو مطلوب من الإدارات والهيئات الجامعية لكي تكون العقوبات التي تفرضها على الطلاب منصفة وواقعية، وخاصة ما يتعلق منها بسلوك الطالب داخل الحرم الجامعي يرى د. دعاس أن المطلوب من إدارات الجامعات إعادة النظر بأنظمة التأديب ، والتعاطي مع الطالب على أنه جزء من العملية التعليمية بعيداً عن عقلية الوصاية وأن تكون هناك لجان أكاديمية تربوية أكثر منها وصائية أو أبوية .
آلية إيقاع العقوبات
وبدوره يرى المحامي والمستشار القانوني "طارق بني ارشيد" لـ "صوت شبابي" أن نظام التأديب الخاص بطلبة الجامعة يحتوي في طياته نصوصاً قانونية تتعلق بأنواع السلوكيات والمخالفات التي ترتكب داخل الجامعة وأنواع العقوبات وأشكالها التي تنطبق عليها، بالإضافة إلى آلية إيقاع هذه العقوبات واللجان القانونية الخاصة بالتحقيق بهذه المخالفات وتطبيق العقوبات واختصاصات مجلس التأديب في الجامعة غيرها من النصوص القانونية المتعلقة بإجراءات تأديب الطلبة.
وأوضح بني ارشيد الذي يعمل ناشطاً شبابياً وحقوقياً في نشر التوعية القانونية في الجامعات الأردنية والمجتمع المحلي أن هناك ضعفاً لدى الطلبة بالوعي والثقافة القانونية المتعلقة بالأنظمة التأديبية والعقوبات المترتبة عليها في الجامعات الأردنية، حيث أن هناك الكثير من الطلبة قد يرتكبون مخالفات مسلكية داخل الجامعة دون علمهم أن هذه المخالفات أو السلوكيات معاقب عليها وفق أنظمة الجامعة وتعليماتها، مما يترتب عليها إيقاع عقوبات تأديبية بحقهم، مع الإشارة إلى أن المشرع الأردني لا يعذر أحداً بجهله بالقانون، ولا يجوز لأي فرد أن يرتكب أي مخالفة قانونية ثم بعد ذلك يدعي انه كان يجهل أن هذا السلوك أو هذه المخالفة معاقب عليها.
تبصير الطلاب
وكان بني ارشيد أطلق منذ سنتين مبادرة "في الميزان حق وواجب" بهدف نشر الوعي القانوني داخل الجامعات الأردنية والمجتمع المحلي ، وتبصير الطلاب بحقوقهم وواجباتهم من منظور القانون، وتخلل هذه المبادرة العديد من اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية والمشاركات والمحاضرات التوعوية.
وألمح مطلق المبادرة أنها تضمنت توجيه رسالة إلى وزارة التعليم العالي ورؤساء الجامعات وأصحاب القرار من أجل طرح مطلب دراسي إجباري لطلبة الجامعات ولكافة الاختصاصات يتضمن الثقافة القانونية ، لأن معرفة القوانين والأنظمة يؤدي إلى التقليل من المخالفات التي تقع نتيجة الجهل بالقوانين، وتحمي الأفراد ومصالحهم وتمكينهم من ممارسة أعمالهم بكل أمان.
العقاب مفيد
وحول التأثيرات النفسية للعقوبات الجامعية على الطلاب وذويهم رأى الباحث النفسي ومؤسس شركة "أثر الفراشة" لخدمات الإرشاد النفسي "محمد عبد العال" أن العقاب -كما يسمى في علم النفس- مفيد علمياً، لأنه يؤطر السلوك ويغربل الناس، ولو لم تكن هناك عقوبات في الحياة لاستفحل القتل والسرقات والغش والخداع والشهادات المزورة وهذا يفقد الجامعة القيمة العلمية التي تحرص عليها .
وروى عبد العال أن هناك العديد من التجارب والقصص التي مر بها أصدقاء له بعد فصلهم لأسباب تبدو بسيطة كالتأخر عن دفع الأقساط أو بسبب ظلم معين أو واسطة، ولكن من ناحية قانونية يجب فرض عقوبات تأديبية على المخالفين للأنظمة الجامعية، وهي عقوبات لم توضع عن عبث بل في سياق نظام إداري وهيكلة مدروسة بالتساوق مع القوانين الدولية والقانون الأردني العام .
شهادة حسن سلوك
ويُعد عدم إصدار شهادة حسن سلوك مشكلة تواجه الطلاب الذين يتعرضون للعقوبات في تجاوزات لا تمس النزاهة والقيم كالمشاجرات والمشادات، مما يصعب الموقف على الطالب بعد التخرج، ولذلك من حق الطالب بحسب الأنظمة الجامعية المرعية التظلم عن شهادته السيئة إذا لم تثبت إدانته بفعل يخل بالنزاهة والقيم.
وتنقضي العقوبة التأديبية عن الطالب إما بتنفيذها أو بمحوها من ملف الطالب وذلك بعد مرور مدة على تاريخ فرض العقوبة، وبهذا الخصوص يحق للطالب الذي نفذت العقوبة بحقه أن يتقدم بطلب إلى عميد شؤون الطلبة لإلغاء أو تخفيف هذه العقوبة وذلك بعد مضي ستة أشهر على الأقل من تاريخ إيقاعها عليه وإذا أثبت أنه حسن السيرة والسلوك، ويعرض رئيس الجامعة ما يقدم إليه من تظلمات على مجلس الجامعة للنظر فيها، وهو إجراء متبع في كل الجامعات الأردنية دون استثناء .