"الشيب" زائر ثقيل يغزو رؤوس الشباب والشابات ويقلق راحتهم
وقفت الشابة "شيرين" أمام مرآتها الصغيرة فأذهلها تسلل عدد من الشعرات البيضاء إلى مفرق رأسها -دون سابق إنذار- أو ميعاد، مما جعلها تشعر بنوع من الصدمة وبإحساس خفي بكبر السن، رغم أنها لم تدخل العقد الثاني من عمرها بعد.
ورغم أنه من الطبيعي تماماً أن تشهد بشرتنا وشعرنا العديد من التغيرات الفيزيولوجية والجسدية مع تقدمنا في السن، فإننا قد نتفاجأ عندما نرى أن هناك أشخاصاً يكلل البياض شعرهم وهم ما زالوا على مقاعد الدراسة الثانوية.
وبحسب الخبراء فإن ظهور الشيب مبكراً وانتشاره قد يرتبط بسلوكيات غذائية وأخرى نفسية يمارسها الفرد ويغفل عن إتباعها، مشددين على ضرورة مراجعة طبيب مختص في حال ظهر الشيب لمن هم دون الـ 20 عاماً كحالة "شيرين"، أما العوامل النفسية فهي أشدّ العوامل أثراً وتأثيراً في ظهور الشعر الأبيض عند الشباب والشابات قبل الأوان.
ومن الناحية العلمية يتحول الشعر إلى اللون الأبيض مع تقدم العمر: من سن 40 عاما، ينخفض عدد الخلايا الصبغية بنسبة 10 إلى 20٪ كل 10 سنوات، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاج الميلانين ويتحول الشعر تدريجيًا إلى اللون الأبيض. وهذه العملية حتمية ولا رجعة فيها.
إحساس بالفزع
ويؤدي ظهور الشعر الأبيض لدى البعض وبخاصة الشابات المهتمات أكثر بجمالهن، إلى إحساسهن بالفزع ، وهن مازلن في ميعة الصبا، ومع ظهور أول شعرة بيضاء لهن، يكون الحل الفوري اللجوء إلى استخدام صبغات للشعر أو تبديل للونه، وهو ما لم تفعله الصحفية "زينة شهلا" التي غزا الشعر الأبيض رأسها مبكراً، ولكنها لم تستسلم لليأس والإحباط كما كان متوقعاً، بل قادت حملة بعنوان "الشيب مو عيب" دعت فيها قريناتها الشابات إلى عدم صبغ الشعر الأبيض في حال ظهوره لديهن، في محاولة لتحدي النمطية الاجتماعية المرتبطة بظهور الشعر الأبيض وتقبل المظهر مهما كان.
وتقول زينة لـ "صوت شبابي" أنها لم تعد تتذكر كم كان سنها عندما رأت أول شعرة بيضاء في رأسها، مخمنة أن ذلك كان في مطلع العقد الثاني من عمرها، وتضيف الشابة الثلاثينية: "لم أخفْ كثيراً، فهو أمر وراثي كسبته من أمي التي شاهدت أيضاً أولى شعراتها البيضاء في سن مبكرة، مما اقتضى بأن تستمر وبشكل دوري في صبغ شعرها الذي أصبح اليوم أبيض اللون بشكل كلي".
دعوة للتصالح مع أجسادنا
ولفتت زينة إلى أنها لم تكتف بالمصالحة مع واقعها وشعرها الأبيض بل أرادت أن تغير من قناعات المجتمع فأطلقت حملة الكترونية بعنوان "الشيب مو عيب"، وكان هدفها-كما تقول- الدعوة للتصالح مع أجسادنا كما هي، وليس الدعوة إلى عدم صبغ الشعر، تقول:" فكرتي أن نتصالح مع مظاهر تقدم العمر على أجسادنا وأن نتقبلها وحتى أن نحبها، وأن نكون كما نحب دون أن نفكر بآراء المجتمع، وفي نفس الوقت هي دعوة للمجتمع إلى التوقف عن إطلاق الأحكام بناء على المظاهر، فمن تريد التوقف عن صبغ شعرها يمكنها ذلك دون أن يقول لها أحد "ليه هيك عاملة بحالك؟" أو يحدثها عن كيف أنها تبدو أكبر من عمرها وبأنها بهذه الطريقة ستبدو غير جميلة أو غير جذابة، ومن تريد صبغ شعرها فالأمر أيضاً حرية شخصية تامة. وأجسادنا وكيف نبدو هو موضوع يخصنا نحن فقط.
رائحة الصبغ
وتقول "سمر الحسين": "تحول لون شعري إلى اللون الرمادي قبل الأوان في أوائل العشرينات من عمري، وصبغت شعري بكل لون على طول الطريق حتى لم أستطع تحمل الأصباغ ، وقررت أن أتركه على حاله بسبب الملل ورائحة المواد الكيميائية المبالغ فيها علاوة على أن صباغة الشعر طوال الوقت أمر مرهق ومكلف مادياً وجسدياً.
وبدوره روى "أحمد علي" لـ"صوت شبابي" أنه اكتشف عدة شعيرات رمادية في شعره قبل أن يبلغ الخامسة والعشرين من عمره مما جعله يشعر بالحيرة وماذا يمكن أن يفعل ليتجنب ذلك، فلجأ إلى الصبغ وبعد محاولات لإخفائه أصبح شعره كله رمادياً وفي تلك اللحظة قرر أن يترك الأمر على عواهنه، وخاصة بعد أن سمع من بعض الأطباء أنه لا يمكن فعل أي شيء لتأخير ظهور الشعر الرمادي.
الشعر الأبيض والقمر
"فلانٌ أَقْمَرَ ليله" هكذا قالت العرب قديماً عمن بدأ الشيب ينتشر في رأسه وهو تعبيرٌ يحمل صورةً بديعةً دراميةً حيةً ، وانحيازاً للجمال، فإذا كان الليل كناية عن الشعر الأسود والقمر في منازله الثلاث كناية عن الشيب -كما يقول الشاعر"سليمان نحيلي"- الذي غزا الشعر الأبيض شعره ولحيته، مضيفاً أن انتشار الشيب في رأس الإنسان أشبه بظهور القمر في ميعة هلاله متقدماً صوب الاكتمال عندما يسيطر الشيب على كامل الشعر تقريباً.
ولفت نحيلي إلى أن ظهور الشيب في رأس الشخص هو دلالة على عبوره مرحلة الشباب وبدء تقدمه في العمر، وبالتالي بداية خفوت جذوة الشباب والقوة في الجسم وتسلل الضعف إليه.
وأبان نحيلي بأن الشيب ليس مقتصراً على الذين تقدموا في العمر، فأحياناً كثيرة نرى اندلاع الشيب فيمن هم في سن الشباب، فكم بتنا نرى شباناً في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم ينتشر الشيب في شعورهم، ولعلها ظاهرة بدأت بالانتشار في شباب العصر الراهن، وهي ظاهرة لافتة للاهتمام والدراسة لمعرفة الأسباب وإيجاد الحلول.
وربط الشاعر القادم من ريف حمص بين الشيب المبكر للشبان السوريين ووطأة الهموم التي يعيشونها على كافة الصعد الشخصية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، علاوة على ذاكرتهم الموشومة بالتعب، فمن وطن محتل إلى وطن طحنته حرب لم تبق ولم تذر، إلى وطن تهرسه حرب إقليمية إلى وطن هُجّر أهله فصاروا لاجئين في شتى أصقاع الدنيا .
وختم المصدر: " كل تلك العوامل أدت إلى انسداد الأفق في وجه الشباب السوري وضيق مساحة الأمل ولاشك أن لها ارتدادات جسمانية ونفسية بالغة منها ظهور الشيب".