السلم المجتمعي وسيلة لمكافحة التطرف الفكري بين الشباب
يُعتبر السلم المجتمعي خط الدفاع الأول ضد التطرف والإرهاب الفكري، حيث يساهم في بناء بيئات تحفز على الحوار وتبادل الأفكار بدلاً بث السموم على السوشيال ميديا وتعميها، ولا بُد من توعية الشباب حول الاستخدام الآمن للشبكات من خلال تعزيز قيم التفاهم للحد من تبني الشباب للأفكار المتطرفة، ونبذ الكراهية والتعصب، كما يمكن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل آمن لنشر رسائل إيجابية، مما يتيح للشباب التعبير عن آرائهم ومشاركة قصص نجاح تعزز من قيم السلم.
قال المحامي المختص في علم الجرائم معتز الدهني إن التطرف ونشر الكراهية والعِداء يشكل ظاهرةً يعاني منها معظم الدول والمجتمعات، حيث تعد العولمة بمرتكزاتها الثلاثة أحد الأسباب التي ساعدت على التطرف الفكري، ولا سيما أن المجتمعات أصبحت في حراك دائم وتواصل واسع بكل يسرٍ وسهولة، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أصبحت الوسيلة الأقوى والأسهل لتبادل الأفكار والاتجاهات وتغيير الفكر والمعتقد.
ووصف الدهني التطرف بأنه كالدائرة، ولكن عندما يتحول لأنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب.
وشرح الدهني آلية ترويج الفكر المتطرف من خلال بث الأفكار السامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام الخطاب الديني أو القومي لاستقطاب الشباب وتجنيدهم بزرع تلك الأفكار في عقولهم ومن ثم السيطرة عليهم وتحريكهم نحو التطرف ونبذ الآخر، بل كراهية الآخرين والتحول للسلوك المعادي للمجتمع وتبني أفكار متطرفة .
ولفت أن العامل الاقتصادي من أهم العوامل بظهور الفكر المتطرف لكونه يعتبر عذراً لبعض الأفراد لتبني أفكار متطرفة وغير سويّة للتخلص من الفقر والبطالة وقد يظهر ذلك مثلاً من خلال الأنانية بدل الإيثار والتوجه القيمي نحو التحصيل المادي فقط بغض النظر عن الوسيلة أو الأسلوب وأيضاً الفردية، وحب المال وتكوين الثروة .
وأوضح أن الفقر والبطالة هما المحركان الأقوى للتطرف للبحث عن الإشباع والاكتفاء وتعويض النقص المادي من خلال تبني أفكار تتحدث عن العدل والمساواة والاشتراكية وتوزيع الدخل القومي والناتج المحلي على الجميع، وهذا يؤدي لإستغلال المتطرفين لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل تغيير أفكار الأفراد وظهور الأهداف الفردية، ومن ثم تجنيدهم من خلال بث تلك الأفكار بكل وسيله إلكترونية للوصول الى فرد يحمل فكر متطرف وكراهية كامنة نحو المجتمع والدولة بسبب ما يعانيه من سوء اقتصادي وبطالة.
بدوره تحدث المتخصص في الإعلام الحديث الدكتور محمد حابس عن دور الخوارزميات في تشكيل المحتوى وقال إن الخوارزميات تلعب دوراً هاماً بتشكيل المحتوى الذي يراه المستخدمين مما يؤثرعلى آرائهم ومعتقداتهم، لمساهمته بتحديد التفضيلات البحثية، والمشاهدة، ناهيك عن أن هذه الاستخدامات تتوافق بالإطار المعرفي والفكري لدى المستخدم وبالتالي تعزز الخوزميات من تلك المعارف بإظهارها على شكل محتوى قادر على التأثير في الفرد بصورة انسيابية من قبل المستخدم.
وأشار أن المجتمعات تواجه تحديات كبيرة بالتعامل مع انتشارالمحتوى المتطرف، أهمها سرعة وحجم الانتشار للمعلومات المضللةوالكاذبة، وعدم وجود داعية مضادة تستطيع أن تتغلب عليها، إضافةً الى الافتقار لمعرفة وسائل الإعلام والتحيز في المعلومات مما يعيق تقييم الأفراد للمحتوى بشكل نقدي وفعال، وأيضاً انعدام الثقة لدى المستخدم يجعل الجهود التصحيحية غير مجدية نوعاً ما.
"تأثير غرف الصدى يعود للبيئة التي يتعرض فيها الأفراد للمحتوى والآراء والأفكار التي تتوافق مع معتقداتهم، مما يخلق حلقة تغذية مرتدة تعزز المعتقدات أو تفتتها من خلال استقطاب معتقدات تروج لها مما يؤدي لتعزيز مفاهيم جديدة لدى الفرد أو تغييرها أو حرفها عن مفهومها التي يجب أن تكون عليه أو في الاستقطاب المجتمعي مع بقاء المستخدم متمسك بالإيديولوجية التي يعتنقها".. وفق حابس
وفي سياق متصل أوضح حابس أن التصدي لتأثير مواقع التواصل الاجتماعي يتطلب من وسائل الاعلام التقليدية مزيجاً من الحلول التكنولوجية التي تقدمها تلك الوسائل وتروج لها، للعمل على تطوير الخوارزميات لتحديد المحتوى المتطرف، وحظره عن طريق تحليل وتفسير البيانات والمدخلات البشرية مما يعمل على معالجتها وإنتاج مخرجات.
ومن الجانب القانوني أفاد الناشط الحقوقي عبادة الوردات بأن السلم المجتمعي والحوارات البناءة هما عنصران أساسيان في نبذ الكراهية والعنف، خاصةً في العصر الرقمي الذي نعيش فيه، ولا سيما أن الوسائل الرقمية توفر منصة قوية لتعزيز التفاهم والتسامح بين الأفراد والمجتمعات.
وتابع، يمكن للوسائل الرقمية أن تكون وسيلة فعالة لنشر الوعي حول أهمية السلم المجتمعي من خلال الحملات التوعوية على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمهور واسع ومتنوع، مما يسهم في نشر رسائل التسامح والتفاهم من خلال استخدام الفيديوهات، المقالات، والرسوم البيانية لتوضيح كيف يمكن للسلم المجتمعي أن يحسن من جودة الحياة والتقليل من النزاعات.
"تتيح الوسائل الرقمية فرصاً للحوارات البناءة بين الأفراد من خلفيات مختلفة، كـ إنشاء منتديات ومجموعات نقاش عبر الإنترنت حيث تمكن الأفراد من تبادل الأفكار والخبرات بشكل منفتح، ويمكن أن تساعد هذه الحوارات بـ كسر الحواجز الثقافية والاجتماعية، وتعزيز من فهم الآخرين"... وفق الوردات
وأضاف أن الوسائل الرقمية يمكن استخدامها كأداة لمراقبة ومنع خطاب الكراهية من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتحليل اللغوي، أيضاً تحديد المحتوى الذي يحرض على الكراهية والعنف وإزالته بسرعة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن تدريب الأفراد على كيفية التعرف على خطاب الكراهية والإبلاغ عنه، مما يسهم في خلق بيئة رقمية أكثر أماناً.
وأختتم الوردات قائلاً:"يمكن للوسائل الرقمية أن تدعم المبادرات المحلية والدولية التي تهدف إلى تعزيز السلم المجتمعي من خلال التعاون مع منظمات المجتمع المدني والحكومات، يمكن تنظيم حملات مشتركة وبرامج تدريبية تهدف إلى تعزيز قيم التسامح والتفاهم".