الحد الأدنى للأجور في الإعلام الخاص: قانون موجود وانتهاكات مستمرة

الرابط المختصر

في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها العديد من الشباب الأردني، تبرز قضية الصحفية سلمى الجبور كنموذج صارخ للمعاناة المهنية في بيئة العمل الصحفي، تعمل سلمى في إحدى المواقع الإخبارية المحلية لمدة تسع ساعات يومياً، بما في ذلك يوم الجمعة الذي يُعتبر إجازة رسمية في معظم القطاعات. على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها في وظيفتها، فإنها تتقاضى راتباً يقل عن 100 دينار شهرياً.

تشير سلمى إلى أنها أُجبرت على توقيع اتفاقية "شراء خدمات" بدلاً من عقد عمل رسمي، وهي خطوة تتيح لصاحب العمل التهرب من الالتزامات القانونية، مثل دفع الحد الأدنى للأجور الذي يبلغ 290 ديناراً وفقاً للقوانين الأردنية، هذه الاتفاقية تُعفي الموقع الإخباري من تقديم أي مزايا أخرى، مثل التأمينات الاجتماعية أو الصحية، مما يضع مها في موقف وظيفي هش وغير مستقر.

تقول سلمى  لـ"عمان نت ": "أعمل بجد طوال الأسبوع، حتى أيام العطل، لكن المقابل المالي لا يكفي حتى لتغطية مصاريفي الأساسية، أشعر بأن جهودي تُستغل دون تقدير أو إنصاف".

تُعتبر ممارسات مثل توقيع اتفاقيات شراء الخدمات وسيلة شائعة للتحايل على القوانين العمالية في الأردن، وهو ما يؤثر سلباً على أوضاع الصحفيين بشكل خاص، وقد حذرت نقابة الصحفيين الأردنيين مراراً من استغلال هذه الثغرات القانونية لتقليص حقوق العاملين في هذا القطاع الحيوي.

 

من الناحية الاجتماعية، يترك هذا الوضع آثاراً نفسية سلبية على الشباب الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الحاجة للعمل وسندان الاستغلال، كما أن هذه الظروف تُضعف جودة العمل نتيجة الضغوط المستمرة وعدم الاستقرار المهني.

 

بدوره، أكد عضو مجلس نقابة الصحفيين، خالد القضاة، أن توقيع اتفاقيات شراء الخدمات بدلاً من العقود الرسمية يعد مخالفة صريحة لقانون العمل الأردني، مشيراً إلى أن هذه الممارسات تستغل العاملين بفرض ساعات عمل محددة وأجور متدنية، تقل عن الحد الأدنى للأجور.

وأوضح القضاة أن هذه الممارسات تستغل ثغرات قانونية، منها فترة الثلاثة أشهر التي يمنحها القانون قبل شمول العامل بالضمان الاجتماعي، مما يتيح لصاحب العمل تجربة العامل تحت غطاء "فترة تجريبية"، رغم أن القانون لا يسمح بتكرار شراء الخدمات بشكل دائم.

وأضاف القضاة: "الانتشار الواسع للبطالة أدى إلى ارتفاع كبير في عروض العمل بأجور زهيدة، حيث تستغل بعض الجهات حاجة الصحفيين الجدد لاكتساب الخبرة. وعلى الرغم من أن الصحفي يدرس أربع سنوات في كلية الإعلام ويتحمل أعباء مالية كبيرة، فإنه قد يجد نفسه يعمل بأجر لا يتجاوز 100 دينار شهرياً، وهو ما لا يقبله القانون".

وأشار القضاة إلى ضرورة معالجة هذه القضية بشكل جذري، مؤكداً أن نقابة الصحفيين بذلت جهوداً لمعالجة هذه المشكلة، لكنها قوبلت بمقاومة من بعض العاملين أنفسهم، الذين فضلوا الحفاظ على وظائفهم الحالية على أمل تحسين أوضاعهم لاحقاً.

وحث القضاة الصحفيين العاملين بنظام الساعات المحددة لتقديم شكاوى إلى وزارة العمل، قائلاً: "هناك استغلال لظروف الصحفيين الخريجين الذين يبحثون عن فرص عمل أو اكتساب خبرة، ما يؤدي إلى عملهم تحت ظروف غير إنسانية وبرواتب زهيدة".

وفيما يتعلق بشراء الخدمات، أكد القضاة أن الأصل في هذه الاتفاقيات أن تكون مؤقتة ومرتبطة بأعمال محددة مثل الصيانة أو الديكور، ولا يجوز استخدامها بشكل دائم أو شهري لتوظيف العاملين بأجور زهيدة.

وفي حديثه عن دور النقابة، شدد القضاة على أن النقابة تسعى لتنظيم قطاع الإعلام من خلال اعتماد عقود عمل موحدة للصحفيين، تكون مصدقة من النقابة ولا تقبل إلا بعد موافقة هيئة الإعلام.

وأضاف أن هذه العقود ستتضمن بنوداً تضمن الحد الأدنى للأجور والحقوق الأساسية مثل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. لكنه أشار إلى وجود مقاومة داخل النقابة لهذه الإصلاحات بسبب تضارب المصالح بين بعض الأعضاء.

وختم القضاة حديثه بالتأكيد على أهمية تنظيم العمل الإعلامي لحماية الصحفيين من الاستغلال وضمان حقوقهم، معرباً عن أمله في أن تتحقق هذه الإصلاحات قريباً.

ومن جهة اخرى، لم تكن "رُبى الفاعوري "، الصحفية الشابة، تتوقع أن شغفها بالعمل الصحفي سيضعها في مواجهة مع واحدة من أكبر المشكلات التي يعاني منها العاملون في القطاع الإعلامي: الأجور المتدنية وساعات العمل الطويلة. منذ أن التحقت بإحدى المواقع الاخبارية المحلية قبل أشهر، كانت تأمل في أن يكون هذا المكان بوابتها إلى عالم الصحافة الاحترافية، لكنها وجدت نفسها تعمل لساعات تفوق الحد القانوني، وتتقاضى راتبًا أقل من الحد الأدنى للأجور.

تبدأ "رُبى" يومها في موقع إخباري في العمل "اونلاين" منذ الساعة التاسعة صباحًا، لكنها نادرًا ما تغادرصفحة الموقع  قبل حلول المساء، بين تحرير الأخبار، والمواد الخاصة للموقع، والرد على تكليفات رؤسائها، لا تجد وقتًا حتى لتناول وجبة الغداء، ورغم الجهد الكبير الذي تبذله، فإن راتبها الشهري لا يتجاوز 150دينار، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور الذي حددته الحكومة.

قال ربى لـ "عمان نت "،"عندما طلبت تحسين وضعي المالي، قيل لي إن هذا هو حال الصحفيين المبتدئين، وإن عليّ أن أصبر".

 

مطالبات بتحسين الوضع:

يطالب العاملون في القطاع الإعلامي الخاص ، ومن بينهم سلمى ، بوضع ضوابط صارمة تحد من استغلال العاملين وتحمي حقوقهم. ويتضمن ذلك "إلغاء اتفاقيات شراء الخدمات: واستبدالها بعقود عمل رسمية تضمن الحقوق الأساسية ، فرض رقابة صارمة على المؤسسات الإعلامية لضمان الالتزام بتطبيق قوانين العمل ،زيادة الوعي بين الصحفيين حول حقوقهم وآليات المطالبة بها" .

 أكد الناطق باسم وزارة العمل، محمد الزيود، أن أي شخص يعمل في سوق العمل لا يجوز أن يتقاضى أقل من الحد الأدنى للأجور، مشددًا على أن الوزارة تتحمل مسؤولية الرقابة لضمان التزام المنشآت بدفع الأجور وفق القانون.

وأوضح الزيود، في تصريح لموقع "عمان نت"، أن الوزارة تعتمد على مسارين في الرقابة على تطبيق الحد الأدنى للأجور؛ الأول يتمثل في استقبال الشكاوى العمالية عبر المنصة الإلكترونية "حماية"، التي تتيح للعامل تقديم شكوى ضد المنشآت التي لا تلتزم بدفع الحد الأدنى للأجور. وأضاف أن الوزارة تكتفي بشكوى واحدة من عامل للتحرك وتتحقق من التزام المنشأة، حيث يمكن تقديم الشكوى بسرية تامة.

وأشار إلى أن الوزارة تطالب المنشأة بكشوفات الأجور لجميع العاملين فيها، وليس لعامل معين فقط، للتأكد من مدى التزامها بالحد الأدنى للأجور. وفي حال ثبوت عدم الالتزام، يتم إنذار المنشأة لمدة سبعة أيام لتصحيح وضعها، ودفع الفروقات المستحقة. وإذا لم تستجب، تُفرض عليها غرامة تتراوح بين 500 و1000 دينار عن كل عامل لم يتقاضَ الحد الأدنى للأجور.

وفيما يتعلق بنظام شراء الخدمات، أوضح الزيود أنه في حال توافرت عناصر العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل، والتي تشمل الإشراف، والتبعية، والأجر، فإن العامل يُعتبر موظفًا لدى المنشأة وليس متعاقدًا بنظام شراء الخدمات، مما يلزِم المنشأة بدفع الحد الأدنى للأجور. وأكد أنه في حال امتناع صاحب العمل عن الالتزام، يحق للعامل تقديم شكوى رسمية، وإذا لم يتم تصويب الوضع، تُحال القضية إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.