رهف، شابة أردنية في العشرين من عمرها، نشأت في بيئة محافظة، وبدأت باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع زميلاتها في الجامعة. في أحد الأيام، تلقت طلب صداقة من شخص غريب يدّعي أنه طالب في نفس الجامعة، وبعد فترة من التحدث، بدأ الشخص بإظهار اهتمام زائد، وأرسل لها رسائل ودية. شعرت رهف بالاطمئنان، وبدأت تشاركه بعض تفاصيل حياتها وصورها الشخصية.
وبعد فترة، تحول الشخص إلى الجانب المظلم؛ إذ بدأ بابتزازها، مهدداً بنشر صورها الخاصة إن لم ترسل له المزيد من الصور أو المال. رهف، شعرت بالذعر، ولكنها كانت تخشى التحدث إلى أحد خوفاً من الفضيحة. حاولت في البداية تجاهله، ولكن تهديداته أصبحت أكثر جدية. وصل الأمر إلى أنه أرسل رسالة إلى أحد أقاربها، مما جعل رهف في حالة نفسية سيئة للغاية.
أمل، موظفة في شركة كبيرة، واجهت تحرشًا من مديرها الذي بدأ في التعليق على مظهرها وفتح مواضيع حساسة. على الرغم من خوفها من الإبلاغ عنه، قررت في النهاية التحدث إلى زميلة لها كانت تعاني من تجارب مشابهة.
عائشة، طالبة جامعية في بداية العشرين من عمرها، كانت تعتمد على المواصلات العامة للوصول إلى الجامعة. في إحدى الأيام، بينما كانت في حافلة مكتظة، شعرت بشيء غير مريح يحدث خلفها. شخص خلفها بدأ يمد يده بشكل غير لائق من الكرسي الذي خلفها.
عندما أدركت ما يحدث، شعرت بالخوف والارتباك، لكنها تذكرت ما تعلمته عن كيفية التصدي للتحرش. بدلاً من السكوت، قامت بالصراخ بصوت عالٍ وطلبت من السائق التوقف. لاحظ الركاب الآخرون ما يحدث وبدأوا في تقديم الدعم لها، مما جعل المتحرش يبتعد بسرعة.
تواجه النساء في المجتمعات العربية، بما في ذلك الأردن، تحديات كبيرة عندما يتعلق الأمر بالتحرش في الأماكن العامة والمواصلات. تعكس قصص سارة وعائشة تجارب حقيقية توضح كيف أن الفتيات غالبًا ما يجدن أنفسهن في مواقف صعبة ولا يعرفن كيفية التصرف أو حماية حقوقهن. على الرغم من وجود قوانين تحمي الضحايا، فإن عدم الوعي بتلك القوانين يجعل الكثير من النساء عرضة لمثل هذه السلوكيات.
أما في سياق التحرش الإلكتروني، فإن الوضع لا يختلف كثيرًا. فمع تزايد استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، زادت حوادث التحرش الإلكتروني بشكل ملحوظ. تشير التقارير إلى أن 2.7 مليون امرأة تستخدم الإنترنت في الأردن، مما يجعلهن عرضة للابتزاز والتحرش عبر المنصات الرقمية(
ورغم وجود قوانين تتعلق بالتحرش الإلكتروني، إلا أن عدم الوعي بها يجعل الكثير من النساء يشعرن بالعجز عن مواجهة هذا النوع من الاعتداءات.
تظهر البيانات من دراسة أطلقتها اللجنة الوطنية لشؤون المرأة في الأردن في عام 2022، أن العنف السيبراني أو الإلكتروني يعد "الأكثر شيوعًا" بين أشكال العنف ضد المرأة. حسب المسح، تعرضت 63.1% من النساء المستجيبات لعنصر العنف السيبراني والتنمر الإلكتروني، مما يجعله ثالث أكثر أشكال العنف شيوعًا بعد العنف النفسي والمعنوي (90.4%) والإيذاء اللفظي (69.2%).
تعرف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة على الإنترنت بأنه "أي عمل من أعمال العنف ضد المرأة يُستخدم فيه أو يُساعد عليه أو يُعزز من حدته تكنولوجيا المعلومات والاتصالات". وهذا يشمل مجموعة واسعة من الأشكال، مثل نشر معلومات شخصية حساسة، والابتزاز الجنسي، والتنمر، والمضايقة، والمطاردة، والتحرش، والانتقام بنشر صور حميمة.
التحرش الإلكتروني انتهاكا لحقوق النساء
يعتبر المحامي بهاء الدين الهيلات أن التحرش الإلكتروني يمثل انتهاكاً لحقوق الأفراد، خاصة النساء، ويتطلب تدخلاً قانونياً فعّالاً. يُشير إلى أن القوانين الحالية في الأردن تفتقر إلى نصوص واضحة تجرم السلوكيات الإلكترونية المرتبطة بالتحرش، مما يعيق تطبيق العدالة.
كما يؤكد الهيلات على أهمية زيادة الوعي لدى النساء حول حقوقهن القانونية، مشيراً إلى أن العديد منهن لا يعرفن كيفية التعامل مع حالات التحرش الإلكتروني. ويشدد على ضرورة تحديث القوانين لتشمل العنف الإلكتروني، مما يساعد على حماية الضحايا.
يدعو الهيلات المجتمع المدني والجهات الحكومية إلى العمل معاً لضمان بيئة آمنة للنساء في الفضاء الرقمي.
التحرش في الأماكن العامة هو عنف جنسي
يعتبر المحامي الهيلات أن التحرش في الأماكن العامة هو نوع من العنف الجنسي الذي يُشكل تهديدًا لحرية المرأة وأمانها. يوضح الهيلات أن "التحرش في الشوارع أو المواصلات العامة يعيق قدرة النساء على التمتع بحياتهن بشكل طبيعي، مما يؤثر سلبًا على مشاركتهن في الحياة العامة".
ويدعو الهيلات إلى ضرورة تطبيق قوانين أكثر صرامة تجرم هذه الأفعال بشكل واضح، مشيرًا إلى أن القوانين الحالية تحتاج إلى تحديث لتكون أكثر فاعلية في مواجهة التحرش.
ضرورة الإبلاغ عن حوادث التحرش
كما يشدد على أهمية نشر الوعي وتعليم المجتمع كيفية التعامل مع هذه الظاهرة، بما في ذلك تشجيع الضحايا على الإبلاغ عن الحوادث. ويعتبر أن التوعية المجتمعية يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تقليل هذه الظاهرة.
التحرش في العمل انتهاكا خطيرا الحقوق العمال
يعتبر المحامي الهيلات أن التحرش في بيئة العمل يشكل انتهاكًا خطيرًا لحقوق العمال، ويؤثر سلبًا على الإنتاجية والمناخ العام في المؤسسات. ويشير إلى أن "هذا النوع من التحرش يُعد عائقًا أمام تمتع النساء بحقوقهن الوظيفية، وقد يؤدي إلى فقدان الثقة والراحة في مكان العمل".
يؤكد الهيلات على أهمية وجود سياسات صارمة داخل المؤسسات لمعالجة هذه الظاهرة. ويقول: "يجب أن تكون هناك إجراءات واضحة لتقديم الشكاوى وحماية الضحايا، إضافةً إلى ضرورة توعية العاملين حول حقوقهم وكيفية الإبلاغ عن حالات التحرش".
كما يشير إلى أن العديد من الضحايا يشعرون بالخوف من الإبلاغ عن التحرش بسبب الخوف من الانتقام أو فقدان وظائفهم. ولذلك، يشدد على ضرورة توفير بيئة عمل آمنة تدعم الضحايا وتعزز ثقافة الاحترام.
الجميع يجب أن يتعاون، بما في ذلك إدارات الشركات والجهات القانونية، لضمان حماية حقوق العمال وتقديم الدعم للضحايا.
وذكر المحامي الهيلات أن الإجراءات الخاصة بضبط الجرائم وبرتوكلات الضباط العدلية تحتاج لتعديل.
وبحسب التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن مديرية الأمن العام، أنه بلغت عدد الجرائم هتك العرض في المملكة 931 جريمة.