التدخين رفيق الفقر
"الصراحة ما بدي أترك الدخان .. لأنه ونس الي"بهذه الكلمات يلخص الشاب عمر وهو يبلغ من العمر (29) عامًا، تجربته مع التدخين ويضيف أنه حينما كان يمر بفترات تعطل عن العمل يلجأ إلى الاستدانة من الآخرين لتلبية احتياجه من السجائر.
في المقابل يقول الشاب خالد (22) عامًا لصوت شبابي، إنه مر بأيام صعبة ماديًا من التزامات بيت أسرته ودفعات أقساطه الجامعية وغيرها، ولم يفكر باللجوء إلى التدخين، مضيفًا "إذا كان الدخان وسيلة للهروب من مشاكلي فالأولى إني أواجهها".
يرتبط التدخين بالفقر، وحسب منظمة الصحة العالمية أن التبغ له علاقة بالفقر، كما كشف تقرير صادر عن البنك الدولي "أطلس أهداف التنمية المستدامة للعام 2023" عن نسبة المصنفين تحت خط الفقر من إجمالي سكان الأردن، إذ بلغ نحو 35%، وقدّر عدد الفقراء في الأردن حوالي 3.980 مليون شخص من أصل 11.3 مليون نسمة وكان تقدير الدولي خط الفقر للفرد الواحد في الأردن ب 7.9 دولار يوميًا (5.60 دينار) تقريبًا و 237 دولار شهريًا (168 دينار) تقريبًا.
على الرغم من أن المدخن يتحمل أعباءً ماليةً جراء شراء علبة السجائر، إلا أن مسح نفقات ودخل الأسرة في الأردن لسنة 2017/2018 يبين أن هناك ارتفاع في نسبة الإنفاق على التدخين بين الأسر ذات الدخل المحدود، حيث بلغت 6.0% للذين يقل دخلهم عن 2500 دينار سنويًا، في حين كانت أقل نسبة في فئة الدخل للأسرة التي يزيد دخلها عن 25000 دينار بنسبة 2.5%.
التدخين والفقر: علاقة معقدة
أمين سر جمعية "لا للتدخين" لاريسا الور، تقول لصوت شبابي إن نسب التدخين المرتفعة تكون في المناطق الأكثر فقرًا؛ وذلك يعود للتسويق السلبي لمنتجات التبغ وتصويره على أنه ملجأ للهروب من الضغوطات والمشاكل الحياتية، مضيفةً أن المراهقين يندفعون لتجربته لإحساسهم بالبلوغ بحكم أن منتجات تقدم للبالغين، بالإضافة إلى عامل الملل وحب الاستكشاف والتجربة.
في ذات السياق تشير رئيسة قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور ميساء الرواشدة، إلى أن علاقة التدخين بالفقر والبطالة معقدة، ولها أبعاد متعددة كالبعد الاجتماعي الذي يُشعر الفقراء والعاطلين عن العمل بالتهميش المجتمعي، والبعد الاقتصادي الذي يثقل كاهلهم بالضغوطات والالتزامات اليومية وافتقارهم إلى تأمين وسائل الترفيه لحيواتهم، الأمر الذي يؤدي إلى لجوئهم لتعاطي التبغ كوسيلة للتخفيف من الأعباء المختلفة والتكيف معها، وتضيف أن الشباب واليافعين بشكل عام يلجأون إلى التدخين بهدف التجربة، بينما الأكبر سنًا وأكثرهم ضغوطًا ومشاكل بهدف الهروب من الواقع.
وبينت الرواشدة كيفية دخول الفقراء والمتعطلين عن العمل إلى دائرة التدخين المغلقة وتبعاتها، وتتمثل بدايةً بتعرض الفقير والعاطل عن العمل إلى الضغوطات الاقتصادية والنفسية، ثم يقبل على التدخين بحثًا عن المتعة والسلوى وتخفيف التوتر، ثم يُثقَل كاهلُه صحيًا واقتصاديًا ويزداد توتره، وأخيرًا يقع في فخ تفاقم الفقر
التدخين وتحدياته في الأردن
يمثل التدخين تحديًا كبيرًا من الناحية الاقتصادية في الأردن، فقد أشارت نتائج مسح نفقات ودخل الاسرة في 2017/2018 إلى أن متوسط إنفاق الأسر على السلع الغذائية وغير الغذائية والخدمات، قد بلغ حوالي 12236.4دينار أردني، وقد بلغ إنفاق الأسر على التبغ والسجائر حوالي 717.1 مليون دينار أردني وبنسبة 4.4% من مجموع الإنفاق على السلع والخدمات، بينما تنفق الأسر ما نسبته (4.1%, 2.6%) على الخدمات الصحية والثقافة والترفيه على التوالي.
ويتباين توزيع نسبة الإنفاق على التدخين حسب المحافظات، حيث بلغت أعلى قيمة لها في محافظة الطفيلة بنسبه 6.4% تلتها محافظة الكرك والعقبة ومحافظة جرش (6.1% , 6.0%, 5.6%) على التوالي، وسجلت محافظة العاصمة أقل نسبة إنفاق على التدخين حيث بلغت 3.8%، وكلما زاد حجم الأسرة ارتفعت نسبه إنفاق الفرد على التدخين، فالأسر التي يتراوح حجمها بين 1-2 فرد كانت نسبه إنفاق الأفراد بينهم على التدخين 2.8%، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 4.1% في الأسر التي يتراوح حجمها بين 3 - 4 أفراد، وسجلت أعلى قيمة لها بين الأسر التي يتراوح حجمها بين 13 - 14 فرد لتبلغ 7.2%.
استراتيجية مكافحة التدخين تواجه الفقر
يقول المجلس الأعلى للسكان، إن الاتجاهات الحالية لتعاطي التبغ في الأردن، تُعيق أهداف التنمية المستدامة وبلوغ مقاصدها خاصة الحدّ من الفقر وعدم المساواة، وخفض الوفيات المبكرة، وتنمية الاقتصاد، وحماية البيئة، موضحًا أن أكثر المدخنين الأردنيين فقراً ينفقون على السجائر ما مقداره 25 مرة أكثر مما ينفقون على الصحة، و 10 مرات أكثر مما ينفقون على التعليم و 1.5 مرة أكثر مما ينفقون على الطعام، وفقا لأرقام وطنية.
بينت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التبغ والتدخين للأعوام (2024-2030) أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض يرتبط ارتباطًا كبيرًا بارتفاع معدل انتشار تدخين السجائر في المملكة، وتبيّن الدراسات الشاملة لعدة قطاعات لمدخني التبغ المستخلصة من دراسات استقصائية لدخل الأسر المعيشية، أن خمسي السكان الأردنيين الأدنى دخلا هم تقريباً الأكثر عرضة لتدخين السجائر مقارنة بالخُمس الأعلى دخلاً.
وثمّنت الور قرار لحكومة من رفع الضرائب عليها لإبعادها عن متناول الشباب والمراهقين، مشددةً على على ضرورة تقليل الفجوة السعرية بين منتجات السجائر العادية ونظيرتها الإلكترونية، وذلك حتى لا يتسنى للشباب التفكير بها كبديل اقتصدي أوفر، بالإضافة إلى استراتيجية والتغليف الموحّد لعلب السجائر، التي بدورها تبعد البهرجة عن أغلفتها.
الحكومة الأردنية السابقة برئاسة الدكتور بشر الخصاونة، اختُتِمت بخطوة قرار رفع ضريبة الدخان والمركبات، فمن ناحية الدخان تم رفع 100 فلس لكل علبة سجائر، وفرضُ ضريبة بنسبة 100% على "المعسِّل" لكل 100 غرام، ويأتي هذا في إشارة الحكومة السابقة إلى التوجّه لمكافحة التدخين وللحد من انتشاره المتسارع وخصوصًا بين فئة الأطفال، ولتأمين المواطنين بعلاجهم من الأضرار الناجمة عنه.
وتشير دراسات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التدخين إلى أن من المحتمل أن تكون زيادة ضرائب التبغ المفروضة على أسعار منتجات التبغ أقوى استراتيجية للحد السريع من تعاطي التبغ، لا سيما بين الفقراء والشباب، موضحة أن متوسط الإنفاق الشهري على السجائر المصنعة يبلغ 60.3 دينار أردني وهو أكثر من 23 بالمئة من الحد الأدنى للأجر الشهري الإلزامي قانوناً في الأردن.