" الورثة لا تذهب للغريب"...هكذا حرمت بعض نساء المفرق من الميراث

يبدو الحديث عن حق المرأة في الميراث غير معقد ولا صعب التحقيق والمنال لأنه بطبيعة الحال "حق"، إلا ان الغبن على المرأة وحرمانها من هذا الحق تتحكم به العادات الاجتماعية والعشائرية بشكل واضح، فهو "عيب اجتماعي"  ولا تزال النساء في المفرق يحرمن من الميراث بالرغم من انه ضمنته كفلته الشرائع والقوانين.

 

تروي المواطنة الاردنية  ام محمد قصتها وشقيقاتها الخمس أن لهن شقيق مغترب خارج الأردن مدة خمسة عشر عاما الا ان عودته الى الأردن لم تكن بهدف الزيارة وصلة الرحم كما تروي ام محمد حيث تقول "انه وبعد دعوة  على وليمة الغداء ومحاولات عديدة للتقرب والتودد لها وشقيقاتها الخمس وبعد الفرح الذي كان واضحا بلمة الاشقاء من جديد بدأت تتكشف النوايا بالطمع بالميراث، فبدأ شقيقهن الحديث عن ورثة الشقيقات عددها وكم تبلغ من المال وعن عدم مقدرتهن على الحفاظ على الورثة او عدم علمهن الكامل بالتصرف الصحيح وخوفا على ضياع المال وان المال لا يريده ان يذهب للغريب"، ويقصد الزوج وابناءها.

 

وحسب أم محمد ساق الأخ العديد من الحجج والأسباب لأقناعها وشقيقاتها بالتنازل عن الاراضي والبيوت والتي هي حق شرعي لهن، مقابل مبلغ مالي بسيط يقدر بخمس الاف لكل واحدة منهن كتعويض، لتحرم هي وشقيقاتها من الميراث.

سجى مشرقي وهي محامية في جمعية النساء العربيات قالت" يعتبر حق المرأة في الميراث من اهم الحقوق الاقتصادية المقررة للمرأة شرعا وقانونا"  حيث تدعم جمعية النساء العربيات هذا الحق من خلال المحاضرات التوعوية القانونية حول الحقوق الاقتصادية للمرأة وحول حق المرأة في الميراث.

 

لامست المشرقي  من خلال عملها في مجال التوعية القانونية حالات عديدة معظمها سلبت المرأة حقوقها ومنها حقها في الميراث وذلك بسبب الممارسات المجتمعية الخاطئة وبعض المعتقدات الخاطئة تحت مسمى (العيب) .

 

وأضافت مشرقي ان دورهم هو تغيير نظرة المجتمع تجاه ميراث المرأة وترسيخ معلومة انه حق لها شرعا وقانونا  وان يعترف ويقر المجتمع بحق المرأة في الميراث مثلها مثل الرجل وفق الانصبة الشرعية المقررة قانونا وشرعا,.. وذلك من خلال المحاضرات التوعوية التي تعقدها الجمعية وقسم الاستشارات القانونية فيها.

 

وتحدثت مشرقي عن الحالات السائدة التي كانت تتردد في الجمعية تحت بند الاستشارات القانونية  فاغلبها متعلقة بمواضيع تخص الميراث والحقوق الاقتصادية للمرأة.....حيث لوحظ وجود بعض الانتهاكات تجاه ميراث المرأة مثل إجبارها على التنازل عن الميراث امام المحكمة , فكانت الحاجة جدا ملحة لعمل العديد من المحاضرات التوعوية وتوضيح الصور والمفاهيم حول  ميراث المرأة وتكوين وعي مجتمعي تجاهه.

 

 

أما فيما يخص المظلة التشريعية الناظمة لحق المرأة في الميراث ف ذكرت مشرقي ان قانون الاحوال الشخصية الأردني ففي هذا القانون نستقرئ وجود حالات لميراث المرأة , منها أن المرأة ترث نصف نصيب الرجل كالتي ترث مع أخيها الذكر . 

وبعض الحالات المرأة  تأخذ أكثر مما يأخذه الرجل في نصيبه من الميراث  كما في حالة وجود الزوج مع ابنتيه. اما في بعض الحالات فإن المرأة ترث مقدارا أقل من مقدار الرجل. وفي ذلك حكمة شرعية وتشريعية منها ان المرأة نفقتها ومسكنها ورعايتها تكون على الرجل من باب أولى أن يرث الرجل في مثل هذه الحالة أكثر مما ترثه المرأة – بحسب مشرقي-.

وأضافت مشرقي ان القانون جاء منصفا وعادلا وواضحا  للمرأة وهو مستند الى الشريعة الاسلامية التي تقر هذه الانصبة الشرعية للمرأة , إلا أن الممارسات العملية والتطبيقية والثقافة المجتمعية لا تعكس صورة مثالية للواقع لأنه هناك كثير من الانتهاكات للمرأة في الميراث   ف بعض العائلات تجبر المرأة على التنازل عن حقها في الميراث أمام القاضي الشرعي .

 

ويعتبر حرمان النساء من الحصص الأرثية أحد أبرز أوجه التمييز ضد المرأة والعنف الاقتصادي ضدهن، على الرغم من وضع قيود على معاملات التخارج ( التنازل الطوعي عن الأموال بمقابل أو بدون مقابل وقد يكون شاملاً جميع الحصص الإرثية أو خاصاً ببعض الأموال ) فما جاء في المادة 1 من تعليمات تنظيم وتسجيل حجج التخارج لسنة 2011 يعتبر إجراء في غاية الأهمية ونعتقد انه جاء نتيجة العديد من الجهود والعمل الدؤوب لمنظمات المجتمع المدني والنشطاء والمنظمات النسوية التي عايشت العديد من القضايا بهذا الخصوص.

وتنص المادة (1) من تعليمات تنظيم وتسجيل معاملات التخارج لعام 2011، بأنه يمنع تسجيل أي تخارج عام أو خاص إلا بعد مرور ثلاثة أشهر على وفاة المورث. ولكن التعليمات نصت أيضاً على أنه "وعلى الرغم مما ورد في الفقرة (ا) من هذه المادة يجوز وبموافقة قاضي القضاة تسجيل التخارج العام آو الخاص قبل مضي المدة المشار إليها في الفقرة السابقة حال وجود مسوغ شرعي آو قانوني."

لا تسعف هذه النصوص كثيراً في تحقيق النتيجة المرجوة وهي منع إكراه النساء على التنازل عن حصصهن الإرثية لا بل يتم حرمان الإناث من حصصهن بالامتناع عن تقسيم الإرث واستغلاله من قبل الورثة الذكور، ولا بد من إجراء تعديلات على هذه التعليمات تتضمن رفع المدة إلى ستة أشهر، وتقييد إمكانية تسجيل التخارج إستثناءاً قبل إنتهاء المدة بحيث يمنع إتمام معاملة التخارج قطعياً وتحت طائلة البطلان إذا تم قبل ثلاثة أشهر، والنص على إلزامية إحضار حصر للتركة وإرفاقه بمعاملة التخارج ، والتأكد من أن مواصفات المال المتخارج عنه وقيمته الفعلية معروفة لجميع المتخارجين مع أخذ إقرار منهم بذلك، ومنع أشكال التصرف الأخرى بالمال الموروث قبل مرور هذه المدة كالوكالات غير القابلة للعزل، والتشدد في الملاحقة الجزائية للإقرارات المزيفة بقبض الثمن أو قبض قيمة الحصص، وتجريم أساليب الضغط والإكراه في سبيل الحصول على التنازل وإبطال التنازل الذي يتم بالإكراه خلال مدة لا تقل عن سنة  من وقوعه والحكم بالتعويض عنه خلال مدد التقادم العادي.  

وهنالك روابط وثيقة ما بين تدني مستوى ملكية النساء الأردنيات لأصول الأسرة من أراضي وشقق وماشية وأدوات وآلات، وبين حرمانهن من الميراث، وهو ما يؤدي الى نتائج سلبية كبيرة وهامة على الأمن الغذائي وعلى إمكانية خروجهن من دائرة الفقر والجوع. وإن التعامل مع النساء على أنهن شريكات في عملية التنمية المستدامة لا ضحايا لها سيعود بالفائدة على الجميع وسيؤدي الى إنتعاش سريع لإنتاج الأغذية والقضاء على الفقر والجوع.

إن حرمان النساء من الميراث سواء بإجراء عمليات التنازل من قبل الآباء لأبنائهم الذكور و / أو بإجراء التخارج بالتودد والتخجيل و / أو بممارسة الضغوطات العائلية والتهديد والإكراه للتنازل عن حقوقهن الإرثية، إضافة الى جهل النساء بحقوقهن و / أو خوفهن من المطالبة بها، جميعها تعمل على توسيع دائرة النساء اللاتي لا يملكن المنازل والأراضي، وترسخ لما يعرف بـ "تأنيث الفقر" الذي يزيد من أعداد النساء الفقيرات والمهمشات وغير القادرات على إعالة أنفسهن وأسرهن ، ويفقدهن القدرة على مواجهة أعباء الحياة المادية ويوقع العديد منهن في مشاكل قانونية ويتم استغلالهن بمختلف الطرق والوسائل.

 

أضف تعليقك