مختبر السرديات و«شومان» ينظمان ندوة «إلياس فركوح ساردا»

مختبر السرديات و«شومان» ينظمان ندوة «إلياس فركوح ساردا»

أقام مختبر السرديات الأردني، ضمن برنامجه (سيرة سارد)، بالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان، ندوة بعنوان (إلياس فركوح ساردا)، مساء أمس الأول، أدارها القاص والروائي مفلح العدوان رئيس المختبر، وقرأ في بدايتها الأديب هزاع البراري (عضو الهيئة الإدارية للمختبر) شهادة د. فيصل درّاج التي جاء فيها: صدر تميّز فركوح، مقارنة بغالب هلسا ومؤنس الرزاز، من موقع ثالث اختاره واطمأن إليه عنوانه: إنتاج اللغة الأدبية، التي تحتفي بالأدب وتعيّن ماهيته، فالأدب هو اللغة، واللغة تمارس الأدب كما يجب أن يكون وتنفتح، تاليا على:علم جمال اللغة.اعترف الياس بالأدب كممارسة اجتماعية متميزة لها لغتها، تختلف عن ممارسات «مجاورة» لا «لغات» تميزها من لغة الأدب، فالسياسة «الجماهيرية»على سبيل المثال، تأخذ بعمومية لغوية مرجعها الانفعال وإفساد الذوق الأدبي.

 

 

أما د. أماني سليمان فقالت: لفركوح اربع روايات، لم تـُكتب وفق منظور الرواية التقليدية وبنيتها، بل اختار لها صاحبها خطا تجريبيا يمثل عبره خصوصية صوته، ويمنحه رؤيته وأسلوبه المتفردين، وأضافت:إن فركوح يلامس الفرد والمجموع، وهو يقارب القضايا العامة/العربية بمستوياتها المختلفة، وفي رواياته محاولة لتأويل الواقع وتأويل التاريخ وطرح التساؤلات، ومشاركة القارئ في الحيرة والتعمية، ولا يعطي صورا مثالية أو أفلاطونية لشخوصه وأبطاله، بل يجعلهم أرضيين بامتياز ويمنحهم الانسانية بكامل طاقتها وما فيها من ثنائيات، أما لغة فركوح فهي الأكثر إشراقا ووضوحا بتماسكها واعتنائها بالبلاغة وجماليات التركيب، كما تخلو رواياته من السرد المنظم أو المتسلسل وهو صاحب رؤية فنية ناضجة، ويعرف شروط الكتابة المغايرة للمألوف والعادي والمتداول والمستهلك.

 

 

القاص نبيل عبد الكريم قال: إن تجربة فركوح الكتابية تمتد لأكثر من أربعين سنة، وتشمل إلى جانب القصة الرواية والترجمة والمقالة والكتابة النقدية والفكرية، وقال: بدأ إلياس فركوح الكتابة قاصاً، ونشر خلال ربع قرن سبع مجموعات قصصية، وبعد أن قرأ ملامح التطور في الرؤية الفنية: اللغة والبناء وجدلية الشكل والمضمون في تلك المجموعات لخـّص رحلة فركوح في فن القصة القصيرة،  بقوله: إنه بدأ كتابة القصة محترفاً وأنهاها هاوياً، فبعد أن احترف الرواية، لم تعد القصة غواية أو مغامرة مُلحّة، كما لم تعد بنية مكتملة العناصر. وصارت نوعاً الحنين إلى الماضي، أو لحظة تأملية، أو استعادة لذكرى، أو رسائل قصيرة متباعدة من حيث الزمن يبعث بها إلى نفسه وأصدقائه وقرائه ليقول لهم: كنا هناك، وما زلنا هنا.

 

 

أما الكاتب والاعلامي محمود منير فقال: لقد آمن صاحب «الصفعة» بأنه صاحب دور رسالي تشغله القراءة بوصفها فعلاً إبداعياً وخلاقاً يتخذ مسارات عديدة، أبرزها الكتابة التي تمثّل في جوهرها صوغ وصهر وتذويب القراءات المتراكمة في نصٍ يُكتب من أجل اجتراح قراءة جديدة للذات، وتجاربها، وآلامها، وأحزانها، وتوقها للحرية.من هنا، تنشأ القراءة كفعل اشتباك مع الواقع يعبّر عنها في أجناس كتابية مختلفة، تستوعب عمليات التفكيك والهدم والجمع والبناء/ التي تتدارسها الندوة اليوم، في الرواية والقصة والنص، ولا يغيب عن البال – بالطبع- المقال الذي يحتمل معاينات ومشاهدات إضافية يقدّمها منذ أكثر من أربعين عاماً، ويعكس اختمار وعيه بحاضره ورؤياه للمستقبل.

 

وتحت عنوان (نُصوصٌ تسأل، والجوابُ بَياض!) قالت د. هيفاء أبو النادي: تُعَدُّ النُّصوصُ التي يكتبُها إلياس فركوح كتابةً تتحدَّى التجنيسَ المُعلَن. إنها كتابةٌ تُواكبُ الأزمنةَ كلَّها على اختلافها؛ متميزةٌ نضرة، تبانُ طزاجتُها أنَّى قُرِئَتْ. فما الذي يجعلُ منها نصوصًا طازجةً يا ترى؟ يكمن الجوابُ، بحسَبِ اجتهادي، في أنَّ إلياس فركوح ناصٌّ مُتَمكِّنُ الأدواتِ والتقنيات. ينسجُ كتابةً محبوكةً وملأى بالصُّوَر. لا تتوارى لغتُهُ أو مَضامينُ نُصوصِهِ خلفَ ماضٍ تليدٍ أو عتيد. بل إنَّها لغةٌ حيَّة، لا يخبو وميضُها، يثيرُ عبرها أسئلةً وجوديَّةً حيَّةً نسألها جميعًا؛ فهي تُواكبُ كلَّ زمانٍ ومكان..وأضافت: يرى إلياس أنَّ الكتابةَعمليةُ تحقيقٍ للتوازنِ المفقودِ خارجَها، وليسَتْ مهمَّتُها تغييرَ الواقعِ أو العالَم، بل هي الحبلُ الواصلُ بين الحُلمِ والواقع، وَفقًا لِما جاءَ في كتابِهِ «لعبةُ السَّردِ الخادعة.» لا يَهُمُّهُ الجنسُ الأدبيُّ بقدرِ ما يَهُمُّهُ أنْ يقفَ على تُخومِهِ ويُجدِّد.
وفي شهادة المحتفى به، الياس فركوح، قال: ما زلتُ أكتبُ تلك الخيبة وذاك الحزن. أكتبُ «نسخةَ» المهزومِ من الرواية القابلة لألفِ تأليفٍ، وألفِ توليفٍ، وألف تأويلٍ، وألفِ قراءة. أكتبها دون أن أنتهي منها، لأنها ما بَرِحَت تُكْتَبُ في العالم البرَّاني، متلاحقةً في فصولٍ وأقسام، ولا يخلو أيُّ فصلٍ أو قسمٍ من نبرةٍ غاضبةٍ تارةً، وناقدةٍ تارةً، وجالدةٍ للذاتِ تارةً، وشاتمةٍ للكِبارِ والصِّغارِ في آن تارةً، وراثيةٍ للعُمْر «الضائع» والأحلام «المُجْهَضَة» غالباً..وأضاف: أكتبُ الموتَ في مشاهدَ تؤكده وتنفيه في الوقت نفسه. أُفْصِحُ عن إقراري بحقيقته من جهة، لكنني، من جهة مقابلة مضادة، أخلعُ رهبته عنه بتحويله من»حَدَثٍ قاتل» إلى «حالةٍ تَشِفُّ وتَسْمو»، إلى قصيدةٍ، أو أغنيةٍ، أو مَغْناة، أو نَشيد يرتفعُ بـ»الموتى» إلى ما فوقَ الموت نفسه، حين يكونون «ضحايا» بأثمانٍ نفيسة ذات معنى! كأني أستعيرُ، بوعيٍ أو بالقليلِ منه، التوصيفَ العائدَ للسيّد المسيح في قيامته: «وداسَ الموتَ بالموتِ»!

 

واختتمت الندوة بإجابة فركوح على استفسارات الحضور وتساؤلاتهم.

أضف تعليقك