مثقفو الزرقاء ينعون الراحل زياد عودة "شيخ" أدباء المحافظة

مثقفو الزرقاء ينعون الراحل زياد عودة "شيخ" أدباء المحافظة
الرابط المختصر

 

نعى مثقفو الزرقاء الراحل زياد عودة "شيخ أدباء" المحافظة الذي فارق الحياة يوم السادس من أيّار الجاري، عن عمر ناهز 73 عاما، وذلك بعد صراع طويل مع المرض.

 

ويعتبر عودة ابن قرية ذنابة في قضاء طولكرم بالضفة الغربية، أحد مؤسسي جناحي الحركة الثقافية في الزرقاء، وهما "نادي أسرة القلم الثقافي" الذي تولى رئاسته لدورتين متتاليتين، وفرع "رابطة الكتاب الأردنيين"، والذي رئسه لأكثر من عشرين عاما.

 

كما اقترن اسم الراحل الذي لجأ إلى الأردن إبان نكبة عام 1948، بـ"المكتبة الثقافية" التي افتتحها قرب قصر شبيب الاثري قبل 44 عاما، وشكلت محجا لأجيال متعاقبة من مثقفي وأدباء المدينة.

 

وعلى امتداد سني حياته كتب عودة حصيلة من المؤلفات التي جمعت بين الموروثين الأردني والفلسطيني، لكن غزارة إنتاجه الأدبي أخذت بالتراجع مع اشتداد مرض السكري به، والذي أوهنه وأفقده البصر في أواخر عمره.

 

رئيس فرع رابطة الكتاب في الزرقاء محمود أبو عواد، وصف رحيل عودة بأنه "خسارة للساحة الأدبية" الأردنية.

 

وقال أبو عواد إن الراحل الذي التقاه أول مرة قبل 35 عاما "كان نموذجا للرجل المثقف الواعي والأديب، وكتاباته كانت واضحة المعالم، وله بصمات في التاريخ الأدبي في الأردن وفلسطين، وفقدانه يعد خسارة للساحة الأدبية".

 

وأضاف "التقيته للمرة الأخيرة في فرع الرابطة.. وكان متعبا.. رحم الله كاتبنا وناقدنا وأديبنا، والذي كان كل من يجالسه يشعر بالألفة معه ومع التاريخ الثقافي والأدبي".

 

من جانبه، قال محمد المشايخ أمين سر الرابطة الأم إن الفقيد "أثرى المكتبة العربية بعدد كبير من المؤلفات القيمة، وبوفاته خسرت الساحة الثقافية والعربية مبدعا من المع نجومها".

 

وأضاف المشايخ أن عودة "يعتبر من أهم قياديي الحراك الثقافي والاجتماعي والنقابي في محافظة الزرقاء، وكانت تربطه صداقة حميمة بمعظم مبدعي المملكة".

 

وتابع أنه "بقدر ما كان يعاني من الأمراض المزمنة، بقدر ما كان يعاني من رحيل عدد من أقرب المبدعين إليه، لا سيما الشاعرين شهلا الكيالي وعبدالله رضوان، والقاص إلياس جريس الذي قام زياد عودة بتأليف كتاب عن إبداعه بعد وفاته".

 

وأكد المشايخ أن "المرأة كانت تحظى عند عودة بأهمية خاصة، حيث كان وراء شهرة عدد من الكاتبات"، مبينا أن "مما ميزه كذلك أنه كان غزيرا في الكتابة، حتى أن الصحف اليومية عجزت عن أن تنشر كل ما يكتب، فلجأ إلى النشر في صحف أسبوعية منها صحيفتا -الوحدة- و-المجد-".

 

وأشار إلى أن عودة "كانت تربطه علاقة وطيدة بمبدعي فلسطين، وقد نشر حوارا ملء صفحة كاملة في صحيفة الرأي أجراه مع الشاعرة فدوى طوقان قبل رحيلها، كما أنه ألف كتابا عن الشاعر عبد الناصر صالح" الذي أصبح لاحقا أمينا عاما لوزارة الثقافة الفلسطينية.

 

وأضاف أنه كانت تربطه "علاقة طيبة مع المؤسسات الأكاديمية والتربوية وكان يزودها بمؤلفاته وكثير من كتب مكتبته، والتي لم تخل يوما من مرتادين ينهلون من ثقافة عودة والكتب التي تملأ رفوف المكتبة"، مبينا كذلك أنه "كان من عادته أن يحمل معه كتبا من تأليفه ليوزعها على العاملين والمراجعين لعيادة وكالة الغوث حيث كان يتعالج من مرض السكري".

 

ويروي المشايخ بعضا من ذكرياته مع الراحل عودة، قائلا إنه "كان يواظب على زيارة المرضى، خصوصا من أصدقائه المبدعين، ومنهم الأديب عاهد شاكر الذي أصيب بالسرطان قبل رحيله، وكان يسكن منطقة تكثر فيها الضباع في أقصى أطراف الهاشمية، ومع ذلك كان عودة يصطحبني لزيارته في الليل".

 

ووصف عماد أبو سلمى رئيس "نادي أسرة القلم" الأديب الراحل بأنه "من أهم شخصيات المشهد الثقافي في الزرقاء"، مؤكدا أن "فقدانه ليس بالأمر الهين".

 

وقال إن عودة "كان دائما متعاونا مع الزملاء في الرابطة، وودودا بالرغم من مرضه الذي اشتد عليه، وكنا ندعوه إلى نشاطاتنا، وبالرغم من محدودية حركته إلا أنه كان يحضر ويصعد الدرج الطويل المؤدي إلى قاعة النادي".

 

وأضاف أبو سلمى أنه تعرف إلى الفقيد في منتصف الثمانينيات، عندما كان طالبا في مدرسة الزرقاء الثانوية، مستذكرا كيف كان العديد من الطلبة يقصدون مكتبته بعد انتهاء الدوام لكي ينهلوا مما في كتبها ومن علمه الذي "لم يكن يبخل به عليهم".

 

وأضاء الكاتب سعادة أبو عراق على جانب ربما لم يكن معروفا على نطاق واسع عن الراحل، وهو أنه إلى جانب اشتغاله بالأدب كان أيضا شخصية عامة يحمل لقب المخترة الذي ورثه عن والده.

 

وقال أبو عراق إن عودة كان "دمثا ويحب الناس وخصوصا المثقفين منهم"، مضيفا أنه "أدى رسالته الأدبية على أكمل وجه" واستطاع من خلال إدارته لفرع الرابطة ونادي أسرة القلم "أن يجتذب المثقفين ويشكل منهم جمهورا" لهما.

 

ونوه إلى أن "مما ميز مسيرته الأدبية أنه كتب عن رجالات النضال الفلسطيني (إبان ثورة 1936 وحرب 1948) والذين كانت المرويات حولهم شفهية قبل ذلك، ولكنه وثقها في كتب قام بطباعتها"، لافتا إلى أن "إصدار عودة الأدبي تميز في النهايات بكتابة الخواطر .. وهذا الفن قلما يلجأ إليه الكتاب في الأردن وهو نمط أدبي قديم".

 

بدوره، يقر القاص عيسى حداد بالفضل للراحل في ترشيحه لمسابقة الكتاب التي نظمت ضمن فعاليات "الزرقاء مدينة الثقافة الأردنية" عام 2010، وأسفرت عن طباعة ونشر أولى مجموعاته القصصية "مارثون العميان".

 

وقال حداد أنه عرف عودة عن قرب بحكم أنه صديق العائلة، ووصفه بأنه "من الأصدقاء الأوفياء الذين يحبون ويحترمون الجميع، وتميز في حياته بكونه أديبا مبدعا ومثقفا ملتزما، وإن غاب عنا بالجسد فهو باق بسيرته العطرة وإبداعاته المتألقة".

 

الكاتبة سناء وادي الرمحي اعتبرت فقدان عودة الذي تعرفت إليه عن قرب خلال السنوات الأخيرة "بمثابة جرح كبير جرح في جسد الثقافة ولمحبيه وجرح كبير لي" .

 

وقالت "بصفة شخصية فقد فقدت أخي وأستاذي، ونافذتي على الثقافة في الأردن وفلسطين وبلدان عربية أخرى"، مضيفة أنه كان "غزير العلم واسع الثقافة، وكنت أتمنى لو كان محاضرا في إحدى الجامعات ليتتلمذ على يديه الطلبة والمثقفون، ولا أبالغ إن قلت أن التتلمذ على يد زياد عودة مدة سنة واحدة هو في الحقيقة يوازي حصيلة دراسة جامعية".

 

وأكدت الرمحي أن "الكم الثقافي والمعرفي الذي حصلته شخصيا من زياد عودة في هذه السنوات القليلة خلال جلساتنا معا في المكتبة الثقافية كان كبيرا، وله تاثير عميق في نفسي وثقافتي الشخصية"، لافتة إلى أنه "كان يتمنى أن يهدي مكتبته لجامعة النجاح في فلسطين، ولأن هذا الأمر صعب التحقيق فقد كان يشعر بالحزن إزاء ذلك".

 

على صعيده، اعتبر اسكندر عودة نجل الراحل من المبكر الحديث عما ستؤول إليه الأمور في ما يتعلق بالمكتبة، مع تأكيده أن والده "أوصى أن يذهب جزء منها إلى أحد المراكز الثقافية في فلسطين".

 

وكشف عن أن هناك كتابين للفقيد "قيد الإصدار حاليا حيث تم الانتهاء من تدقيقهما بعد وفاته مباشرة ونحن بصدد إصدارهما خلال شهر من الآن، وهما بعنواني -تشكيلات-  و-ذاكرة مكان-".

 

وحول الفترة الأخيرة من حياة والده، قال اسكندر أن "وطأة المرض اشتدت عليه منذ نهاية العام الماضي، حيث توقف عن الذهاب إلى المكتبة التي لم يفارقها يوما قبل ذلك، وأصبح يرقد في المستشفى أسابيع ويعود إلى بيته ليلزم الفراش لأسابيع أخرى".

 

وبين الراحل جرى مواراة جثمانه في مقبرة الهاشمية في الزرقاء كما كان أوصى قبيل الوفاة.

 

 

الأعمال الأدبية للراحل

صدرت لزياد عودة العديد من المؤلفات، كما أن لديه عشر مخطوطات لم تجد بعد طريقها إلى النشر لمصاعب مالية، وتاليا مؤلفاته المنشورة:

 

"عبد الرحيم الحاج محمد: بطل وثورة"، تراجم، الوكالة العربية للنشر والتوزيع، الزرقاء، 1984.

 

"شهداء وشعراء"، تراجم، دار الدليل الوطني، عمّان، 1991.

 

"فلسطين في الوجدان"، تراجم، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1992.

 

"الكتابة على جدران الزمن"، نصوص وخواطر أدبية، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1997.

 

"إشارات على درب طويل"، مقالات أدبية، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1999.

 

"نجوم في سماء فلسطين.. ثائران من جبل النار: عبد الرحيم الحاج محمّد وعبد الرحيم محمود"، أدب السيرة، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 2010.

 

"إلياس جريس: شاعر الألم والأمل"، أدب السيرة، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 2010. "حروف على دروب العشق"، نصوص أدبية، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 2010. "الكتابة فوق أمواج البحر"، نصوص أدبية، وزارة الثقافة، عمّان، 2010.

 

في موضوعات أخرى: "من رواد النضال في فلسطين" (الكتاب الأول)، دار الجليل، عمّان، 1978. "من رواد النضال في فلسطين" (الكتاب الثاني)، دار الجليل، عمّان، 1988.

 

"من رواد النضال في فلسطين (1929-1948)" (الكتاب الثالث)، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1991. "القرية الفلسطينية ذنابة"، سيرة مكان، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 1994.

 

"الصهيونية تاريخ طويل في العدوان"، المكتبة الثقافية، الزرقاء، 2009. المراجع: "أنطولوجيا الزرقاء الإبداعية"، محمّد المشايخ، وزارة الثقافة، عمّان، 2010.

 

وقد حصل الكاتب عودة على عدة دروع تكريمية، من درع نادي أسرة القلم عام 2002، ودرع مدرسة حليمة الخليفي في طولكرم ( فلسطين)، ودرع مديرية ثقافة الزرقاء، ودرع مدينة الثقافة (الزرقاء مدينة الثقافة الاردنية 2010).

 

كما كرمته جمعية اللغة العربية قبل وفاته بشهرين على إنجازاته الثقافية التي جمعت بين الموروث الأردني والفلسطيني.

أضف تعليقك