ليندا هتشيون: فلسفة العلاقة بين النسوية وما بعد الحداثة

ليندا هتشيون: فلسفة العلاقة بين النسوية وما بعد الحداثة
الرابط المختصر

  أماني أبو رحمة *

تعد ليندا هتشيون (1947-)، واحدة من أهم وأشهر المنظرات في حقول ما بعد الحداثة والنسوية والعلاقات المتشابكة بين المجالين. قدمت هتشيون نظريات رائقة وبليغة حول موضوعات غامضة مثل الباروديا (السخرية أو التهكم الساخر) والمفارقة والجماليات. ولم تتوقف إسهاماتها عند التحليل والتنظير، ولكنها أضافت إلى كل عمل من أعمالها مداخلاتها الخاصة النابعة من خلفيتها في الأدب واهتمامها بالفن والعمارة وفهمها للفلسفة المعاصرة. ومع هذه الخلفية المتنوعة، نجد من الصعوبة بمكان تحديد عملها أو تصنيفه تحت عنوان واحد، فهي بالنسبة للبعض منظرة ثقافية ولآخرين ناقدة أدبية، وقد يعدها طرف ثالث نسوية، أو حتى ناقدة فنية، في حين أنها على الصعيد الأكاديمي تعد مختصة بالأدب الكندي، ولكن هتشون "بالنسبة للكثيرين أيضًا" فيلسوفة من طرازٍ خاص وهذا لا يمنع بالتأكيد أن تكون كل ذلك في وقت واحد، والأهم أنه لا خلاف على أن كتاباتها فاتنة وديناميكية وفوق ذلك كله مثمرة وغزيرة الإنتاج والتأثير.

قدمت هتشيون كتابًا مشتركًا مع زوجها الطبيب يتناول التمثيل الجمالي والإيروتيكي للمرض عند بطلات الأعمال الأُوبرالية المختلفة. ويعد الكتاب الصادر عام 1996 بعنوان (في الأُوبرا: الرغبة، والمرض، والموت) فريدًا من نوعه، حين كشف الزوجان هتشيون في دراستهما عن بناء - أو أسطرة "mythifying" – الجنسوية والرغبة والمرض.

لاحظ الكاتبان في البداية العلاقة بين الفهم العلمي للمرض في القرن التاسع عشر ثم تمثيله الجنسوي في الأُوبرا، تقول هتشيون "لا بد أن اعترف أنه كلما فكرت في المرض في سياق الأُوبرا، تتبادر إلى ذهني ميمي بوتشيني في لا بوهيم أو فيوليتا فيردي في لا ترافياتا، وبسبب قوة الصورة النمطية، تخيلت أن هناك بطلات أخريات في أعمال أوبرالية أخرى تحمل سمات مرضية جسدية. لكنني ومع البحث، لم أجد ذلك. كان العدد قليلًا جدًا ولكن قوة هذه الصورة النمطية هي التي حفزتنا لدراسة المعاني الثقافية التي تمنح للأمراض ولأولئك الذين يحملونها". تشرح هتشيون باختيارها لمرض معاصر هو الايدز كيف يتم البناء الثقافي للمعنى. فتمثيل متلازمة نقص المناعة المكتسبة في الإعلام والفن كشفت أيضًا عن البناء الثقافي لمعاني أمراض أخرى في العصور الماضية، من الطاعون إلى الزهري.

وتلاحظ هتشيون في كتابها أن وسائل الإعلام كافة كانت تميز بين الأبرياء والضحايا، وتبعًا لذلك فإنها كانت تمرر حكمًا أخلاقيًا، فيما يظهر أنها تتعامل مع قضية طبية بحتة. ليس الأمر جديدًا أو خاصًا بسياسات التمثيل ما بعد الحداثية، إذ لم يختلف الأمر كثيرا مع تمثيل الجذام في الفن الذي كان أيضًا تاريخًا من القيم الأخلاقية والاجتماعية بقدر ما انه معلومات طبية وصحية. في (في الأُوبرا: الرغبة،والمرض،والموت) درس الزوجان هتشيون لحظات بعينها في التاريخ الطبي غيّرت فهمنا للأمراض، ثم أثرت على تمثيل المرض وصورته النمطية في الفن والأدب - على سبيل المثال، عندما اكتشف روبرت كوخ العصيات السلية عام 1882، وعلمنا أن مرض السل ليس مرضًا وراثيًا ولكنه قد ينتقل من شخص إلى آخر. يبحث الكتاب كيف أخذت هذه المعلومات الطبية طريقها إلى أشكال فنية مزامنة: لا بوهيم (1896) وتركيزها على الفقر وخوف البطل من العدوى (يغادر ميمي بعد ليلة من السعال المرعب). وحتى بعد ذلك مازالت الصورة النمطية للمرأة الأُوبرالية هي الشاحبة ذات الجمال والرغبة المحمومة والتي تعدها هتشيون استمرارًا للبناء الاجتماعي المبكر للعلاقة بين المرأة والمرض (55).

 باحثة ومترجمة فلسطينية حاصلة على ماجستير تكنولوجيا حيوية، ماجستير تربية وعلم نفس، بكلوريوس صيدلة، صدرلها مجموعة أبحاث أبرزها:* 

1. أفق يتباعد: من الحداثة الى بعد ما بعد الحداثة، دار نينوى للنشر والتوزيع . دمشق 2014

2. الانسان في ما بعد الحداثة دار يوتوبيا ، بغداد ، 2014 

3. نهايات ما بعد الحداثة : ارهاصات عهد جديد .. أماني ابو رحمة .مكتبة ودار عدنان للنشر وعلى نفقة وزارة الثقافة العراقية بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية ..2013 

4. فصل في موسوعة : الفلسفة الغربية المعاصرة : صناعة العقل الغربي من مركزية الحداثة الى التشفير المزدوج. الجزء الثاني.

أضف تعليقك