فيلم "الرجل الطائر" في مواجهة "الرجل الوطواط"...خطوة إلى الأمام

فيلم "الرجل الطائر" في مواجهة "الرجل الوطواط"...خطوة إلى الأمام
الرابط المختصر

يستحق فيلم الكوميديا السوداء "الرجل الطائر" أو "الفضيلة غير المتوقعة للجهل" أكثر من أربعة جوائز أوسكار التي منحت له الإثنين في الدورة الـ87، وكانت أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو أصلي وأفضل تصوير.

 

ولا شك أن "الرجل الطائر" "Birdman" للمخرج أليخاندرو جونزاليز، صاحب أفلام 21 غرام وبابل وبيوتيفل، يشكل خطوة إلى الأمام في عالم السينما وخصوصاً  بالتقنية المستخدمة في التصوير والتي أظهرت الفيلم بأكمله تقريباً يبدو كلقطة طويلة واحدة (One Long Shot). ورغم أن هذه التقنية استخدمت في فيلم "الحبل" لأفريد هيتشكوك عام 1948 و "التابوت الروسي" عام 2002 إلا أنها لم تنفذ بهذه الحرفية ولم تخدم العملين كما خدمت "الرجل الطائر".

 

رغم استخدام "التقطيع" بطبيعة الحال في الفيلم فإن المشاهد العادي، على الأقل في القسم الأول من الفلم، لن يلحظ وجود تقطيع وسيبدو الفيلم كما لو أنه صور كلقطة واحدة؛ فاستطاع الفلم الاستمرار بهذه التقنية مع الحركة المستمرة للكاميرا دون تشتيت المشاهد بل وإشراكه في تفاعلات الفيلم من خلال هذه التقنية بجدارة.

 

تدور حبكة الفيلم حول شخصية ريغان تومسون (مايكل كيتون) الذي كان نجماً هوليوودياً قبل عقود بتجسيده شخصية رجل خارق وهو الرجل الطائر ويسعى الآن لاستعادة مجده من خلال مسرحية هو مخرجها وبطلها ليصنع شيئا له "معنى"، كما يقول.

 

عملياً، قام الممثل مايكل كيتون بأداء دور الشخصية الشهيرة "الرجل الوطواط (باتمان)" في عامي 1989 و 1992، ولم تكن له أدوار أخرى تذكر وقد يكون ذلك جزءً لاختياره لأداء هذا الدور في "الرجل الطائر"، وعلى خلاف "الرجل الوطواط" أدى كيتون دور العمر في "الرجل الطائر"وترشح لنيل جائزة الأوسكار ولكنها ذهبت إلى إيدي ريدماين عن فيلم "نظرية كل شيء" والتي جسد فيها شخصية ستيف هوكينج العالم الفيزيائي الشهير.

 

فعلاً أدى ريدماين دوراً جميلاً، ولكنه يبقى محاكاة لشخصية موجودة وليس دوراً أصيلا مثل مايكل كيتون الذي أدى مستويات مختلفة من الانفعالات والتغيرات والاضطرابات بشكلٍ لافت.

 

بالعودة إلى حبكة الفيلم، كثيراً ما يرى ريغان نفسه يحلق بالهواء ويحرك الأشياء بعقله من خلال اعتقاده بأن لديه قدرات خارقة، ويسمع ريغان صوت الرجل الطائر الذي يظهر أمامه باستمرار في تجسيد للصراع الداخلي للبطل. ودائما ما يقوم الرجل الطائر بانتقاد ريغان ويحاول دفعه للتخلي عن المسرحية التي يقوم بها والعودة لتمثيل سلسلة جديدة من الرجل الطائر والقيام بما يريده الجمهور والعودة بالتالي إلى الشهرة.

 

تدخل المسرحية، التي يُكيفها تومسون من رواية قصيرة للكاتب رايموند كارفر بعنوان "ماذا نقصد عندما نتكلم عن الحب؟"، في الاطار العام للفيلم؛ فهي عمل فني داخل عمل فني (Meta-art)..مسرحية تحاول لفت الانتباه إلى الفيلم نفسه وإلى التطورات السيكولوجية للشخصيات.

 

كل واحد منا لديه "الرجل الطائر" في داخله، يقول مخرج العمل في إحدى اللقاءات الصحفية أن لديه رجله الطائر "الديكتاتوري الطاغية الذي يضللك ولا يكون راضياً عن شيء".

 

يتطرق الفيلم في مجمله إلى ثنائيات الفن مقابل "اللافن" أو "Triviality"، الفن مقابل الشهرة، أو حتى "الرجل الطائر" مقابل "الرجل الوطواط".

 

يمضي الفيلم قدماً في هذه الثنائيات، وصولاً إلى إحدى مشاهد ريغان مع ابنته التي تسلط الضوء على "أنانيته وفشله"، في ذات الوقت تحضر ثنائيات "المعنى" و "اللامعنى" بقوة، ويطرح التساؤل في حوار ابنته معه حول ماهية تحقيق الذات وكيف يكون "تكره المدونين وتسخر من التويتر وحتى لا تملك صفحة على الفيس بوك، أنه أنت غير الموجود .."

 

يعلق رداء ريغان في البوابة الخلفية للمسرح بعد أن أغلق الباب عليه وهو في الخارج قبيل دخوله لتأدية المشهد الأخير من المسرحية، فيضطر للتخلي عن ردائه والسير شبه عارٍ في الشارع باتجاه المدخل الرئيسي وما تلبث الحشود بالتجمهر حوله وتصويره ومنادته باسم "الرجل الطائر"، فالمعظم لا يعرف اسمه الحقيقي وتخبره ابنته لاحقاً بأن صوره بالملابس الداخلية حصلت على أكثر من 350 ألف مشاهدة في أقل من ساعة على شبكات التواصل الاجتماعي.

 

كل ذلك يعمق من الصراع الداخلي لريغان ليقود في نهاية الفيلم إلى إحدى هذه المشاهد التي ينتصر فيها "الرجل الطائر" ليقوم ريغان بصناعة مشهد حركة مثير في مخيلته يستحضر فيه مخلوقات فضائية وجنود وطائرات، فيعود الرجل الطائر كأنما يوجه كلامه لنا عند متابعتنا لمشهد "الأكشن" قائلاً "إنظر إلى هؤلاء الناس، إنظر إلى أعينهم؛ أنها تتقد..إنهم يحبون الدم، يحبون العنف، وليس تلك المسرحية المحبطة...الفلسفية...عندما تعود إلى حياة الرجل الطائر "البطل الخارق" ستشع عبر آلاف الشاشات حول العالم".

 

نهاية الفيلم تدخل في ذات السياق، بعدما يقوم ريغان باستخدام مسدس حقيقي ويطلق النار على نفسه خلال المسرحية ليمنح الجمهور دماً حقيقياً، لكنه يصيب أنفه ويدخل المستشفى ويصبح نجماً من جديد... ليس بسبب عمله الفني (المسرحية) وإنما لمحاولته الانتحار!.

 

في المشهد الأخير من الفيلم، يكتشف ريغان أن الرجل الطائر لم يغادره، فيقول له "اللعنة عليك ووداعاً"، ويقفز من النافذة في نهاية مفتوحة.