في عام 1960، وبينما كان القادة السياسيون يحتفلون باستقلال نيجيريا عُرضت مسرحية "رقصة في الغابة"، التي أطلق كاتبها وول سوينكا من خلالها تحذيره لهم بأن لا يكرّرون ذات الأخطاء في تقديس زعاماتهم وعدم الخروج من الماضي لبناء استقلالهم الحقيقي عن الاستعمار، وإلا فإن ذلك سيوقعهم في دوامة العنف والفساد.
لم يكن الكاتب المسرحي والروائي النيجيري (1934) الذي تحلّ اليوم الإثنين ذكرى ميلاده، مهتمّاً بدقة قراءته لمستقبل بلاده التي كانت على موعد مع حرب أهلية بعد مرور أقلّ من سبعة أعوام، إذ انشغل منذ عودته من الدراسة في لندن بمهمّتين أساسيتين؛ تطوير مسرح أفريقي يستلهم جذوره القديمة مثلما فعل بإحيائه ثقافة اليوربا (إحدى قبائل غرب أفريقيا) في أعماله، ونقد الواقع في النص، وفي خارجه أيضاً.
لم تحتمل السلطات نقده اللاذع للتقاتل الذي نشب بين الحكومة وانفصاليي بيافرا ودعوته للحوار والتصالح، فأودعته الزنزانة الانفرادية لعامين التي كانت مساحة جديدة للتأمل والكتابة حيث وضع بعد خروجه عدةّ أعمال من أبرزها مجموعته الشعرية "تنقّل في القبو"، وروايته "موسم أنومي" اللتين عكستا تجربة السجن.
اختار شخصيات مسرحه من المجتمع وقارب أدقّ أزماته بدءاً من استغلال الطبقات الفقيرة وتهميشها
اختار سوينكا شخصيات مسرحه من المجتمع وقارب أدقّ أزماته بدءاً من استغلال الطبقات الفقيرة وتهميشها، ومساءلة الهوية الأفريقية التي كان مؤمناً بتعدّد جذورها وقدرتها على التعبير عن جميعها وفق حداثة لا تطمس تقاليد المستعمَر ولا تقصي قيم المستعمِر الذي عليه أن يدفع ثمن جرائمه بالاعتراف بها وتعويض ضحاياه.
في مسرحيته الشهيرة "الموت وفارس الملك"، يتناول حقبة الاستعمار البريطاني في نيجيريا مستعرضاً التصادم بين الذهنية الكولونيالية الغربية وذهنية شعب اليوروبا بالعودة إلى واقعة حدثت مع أحد ملوكه الذين رحلوا قبل سنوات من الحرب العالمية الثانية، فأحرق كلبه وحصانه ليرافقاه إلى العالم الآخر، بحسب المعتقدات الشعبية، وانتحار فارسه الخاص الذي يطلب كأمنية أخيرة أن يتزوج صبية دون إرادتها، في نقد جذري لقسوة التقاليد ووحشية التعامل معه من قِبل المحتل.
لم يسلم المثقف النيجيري، والأفريقي عموماً، من انتقادات سوينكا الذي رأى أن السياسة أفسدتهم وانقادوا وراء مصالحها وامتيازاتها، ولم يسعوا إلى اكشتاف ذاتهم ودورهم في فهم واقعهم وتغييرة، وبدوا عاجزين رغم ما امتلكوه من معرفة وتأثير في مواجهة الظواهر والأزمات االتي تعصف بمجتمعهم.
كرّس صاحب "الطريق" نموذجاً أخلاقياً للمثقف الذي يمتلك الجرأة والإرادة لقول الحقيقة في كلّ مكان وأي زمان، غير متحيّز لأيديولوجيا أو هوى قد يضلّله، وقد قاد رفضه لمفهوم "الزنوجة" الذي طرحته شخصيات أفريقية، معتبراً أن الانغلاق على الذات يزيد من تعنّت المركزية الأوروبية وتجبّرها وهيمنتها على الشعوب.
انعكست مقارباته لقضايا إشكالية في أدبه، ففي روايته "المترجمون الشفويون" يجمع ستّة مفكرين نيجيريين للتساجل حول أفريقيتهم، بينما يكتب في روايته "المفسرون" عن الشعب الذي يعاني الاضطهاد والتجهيل في مجتمع ما بعد الاستقلال حيث يتزاحم الفاسدون والانتهازيون والحالمون بوطن أفضل، وتتساقط النخب عن مبادئها أمام إغراء السلطة.
في السادسة والثمانين، لا يزال يسيطر على كلماته ويعرف جيداً لمن يهبها، كان آخرها منذ أيام حين رفض الرقابة التي سوف تمارسها هيئة الإذاعة الوطنية في نيجيريا من خلال تشريعات جديدة رأى أنها ستخنق الفنون، متسائلاً لماذا تريدون قتل الإبداع وتخريب الاقتصاد!