تميم البرغوثي: أكتب الشعر مع الناس
وجّه الشاعر الفلسطني تميم البرغوثي امتناناً لجمهور الأمسية التي جمعته مساء أمس السبت مع والده مريد البرغوثي ضمن فعاليات مهرجان نون للكتاب.
البرغوثي بدأ الحديث في اللقاء الذي أدارته الزميلة روان الجيوسيّ اليوم الأحد عبر إثير راديو البلد عن علاقته بجمهوره بالقول: "أنا أعبّر عن الناس، لكن ليس بشكل مباشر، لست ناطقاً باسمهم، وأكره الرسميّة، إنمّا الذي يشغلني من الهموم جزءٌ منه يشغل الناس" مضيفاً، أنه يكتب القصيدة مع الناس ومن ثم يلقيها عليهم، ويقرأها على وجوههم، وبناء عليه يُعدّل عليها، إذ يعتبر نفسه شريكاً للمتلقي في كتابة القصيدة.
"أقرأ أكثر ممّا أكتب"، يقول البرغوثي، ويشير إلى أن مفهوم القراءة عنده لا ينحصر داخل الكتب، إنمّا أيضاً يمتد للذي يحدث أيضاً من مشاهد الجماهير في الميدان، والمظاهرات، فهذا أيضاً شعر.
ولا يحمل البرغوثي موقفاً ضد "العامية"، بل على العكس من ذلك؛ إذ يعتبرها امتداداً للغة العربية،" ووجودها وتعددها يّغني العربية، شرط ألّا يكون استخدمها للتفرقة" ويورد مثالاً: "أنا أطرب للملحون المغربي، واللهجة اليمنيّة والعراقيّة والشامية"، لكن كما يقول: "هناك بعض الاتجاهات السياسية لا تريد لهذه الثقافة الجماعية أن تسود، إذ أنها تستخدم العاميّة للتفريق.
العائلة
وعن علاقته بعائلته (الشاعر مريد البرغوثي والوالدة الراحلة الروائية المصرية رضوى عاشور) أوضح تميم أن ذلك شكّل له امتحان منذ البداية؛ لتبرير الوجود من جهةٍ، ولعدم التقليد واعتبارات أخرى من جهة أخرى، بالإضافة إلى امتحان من قبل والدته رضوى تحديداً وصفه بالأخلاقيّ، إذ أنها كانت "إمرأةً شجاعة، واجهت الحكّام، مشكلةً بذلك نموذجا" لست أعرف فيما إذا كنت قادراً للوصول له: يقول.
وعن رضوى يكمل تميم: واجهت ضغط مجتمعي في خيارها الزواج من فلسطينيّ في وقت كان المجتمع يرى أن ارتباطها به يُنظر له على أنه غياب للأمن والاستقرار، حيث رحّل والده عقب توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل، رغم كل هذا- يقول - واجهت ذلك كله وقاومت الفساد، وأسست لجنة الدفاع عن الثقافة القومية ضد التطبيع مع إسرائيل، بالإضافة إلى حب طلابها رغم حصار الحكومة وإدارات الجامعات، أتمنّى أن أرقى لهذه النموذج.
لمن تقرأ؟
يقرأ تميم كتب التراث كثيراً، لدرجةٍ جعلت والده مريد يوجه له الانتقاد، أمّا المعاصرون، فيضيف أنه يقرأ "لكل الشعراء الكبار في فلسطين وخارجها" وعن الرواية والروائيّين الأقرب له: "ايميل حبيبي أكثر ما أحب، وخاصة روايته المتشائل"، وأحب الروايات لقلبه من خارج فلسطين "الطنطورية، وغرناطة، وقطعة من أوروبا" لأمّه رضوى.
ويجيب على سؤال فيما إذا كانت السياسة مقتل الأدب: "نعم، إن كانت بالمعنى الضيق، وفي سياق التحرر لا، إذ أنها تمس شيء من كرامة الإنسان وحريته، لا يمكن لها أن تكون نقيض الشعر"، ويختم إجابة السؤال:"حسن الكتابة يحدد ما هو الشعر" .
أما عن الشاعر الفلسطينيّ، فيؤكد تميم "أن دوره في أن يعبّر عن نفسه مثل أي شاعر آخر، كون أن الفلسطيني يتعرض للضغوط بسبب الاحتلال لا يُغيّر طبيعة الشاعر، عليه أن يعبر بلا خوف وأن يقول ما يعتقد أنه حق، دون مواربة".
وعن درويش:"كتبتُ عنه قصيدة- يقول- فقدانه خسارة للغة والجمال والشعر، التقيته وكان من أجمل الناس، معشراً وبديهةً، وأفصحهم لساناً، ونشتاق له، رغم اللقاءات القليلة معه".
وتسأل الجيوسيّ تميم عن الشعر وديمومته:"لا أعرف ما القصيدة التي تدوم، ليس لدي إجابة، في اعتقادي أن الشعر أكفأ الكلام ويعيش ما عاش الكلام والمتكلمون به، بعض القصائد تعيش حتى بعد موت اللغة التي كتبت به".
مدن، موسيقى وتشرد
"أحبُّ المدن إليّ القدس، بالإضافة إلى مدنٍ أخرى، لكنَّ غياب القدس جعلها الأحب" يرد البرغوثي على سؤال الجيوسيّ حول قائمة المفضلات لديه، وعن الموسيقى الأقرب: "أحب نوعين؛ الموشحات الأندلسية، وموسيقى آل الرحباني؛ كبيرهم وصغيرهم". بالإضافة إلى ذلك تلفت الموسيقى الشعبيّة في محيط البحر الأبيض المتوسط خاصةً في جنوب إسبانيا، وتركيّا والبلقان مزاج الشاعر.
هل يتواصل تميم مع الشعراء والأدباء في فلسطين، تسأل الجيوسي، فيجيب: حين يتاح ذلك أتواصل، "أنا متشرد من بلد لأخرى، وفي الفترة الأخيرة كنت في مصر لأسباب العمل" ومع الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين أتواصل لكن بشكل غير رسميّ".
الفكرة و التغيير
يشرح تميم خلال اللقاء آليّة التواصل في هذا العصر وأثرها على التاريخ، والفكرة، موضحاً: "نحن في زمن يوجد فيه أعداد من البشر غير مسبوقة، وقدرتهم على الاتصال غير مسبوق أيضاً، وهذا قد يغيّر شكل التاريخ، الإعلام وسيلة اتصال، ونحن في زمن الفكرة التي تقود بدل الحزب، الفكرة تنتقل بسهولة وسرعة، والناس التي تتلقى الفكرة أكثر من أي وقت مضى، وهذا يفتح المجال للناس للتغيير، فكلما كثر الخارجون على السلطة، قلَّ العنف من قبلها".
الموقف الأخلاقيّ
يحلّل تميم ما جرى ويجري في الوطن العربيّ من زاوية المراقب والمشارك، والمنتقد أيضاً، إذ يستعرض: "السلاح جعل من لا يمتلكه يطيع مالكه، أما النظام السياسيّ فهو قائم على القناعة، بينما نظام السلاح قائم على الطاعة، وينتقد من يستعين بالاستعمار في مواجه النظم الاستبدادية العربيّة:"إذا كانت النظم العربيّة ثار عليها الناس بسبب الظلم وتعاونها مع الاستعمار، فإن أي أحد يجلب سلاح من الاستعمار، لن يختلف عنها" .
ويزيد "نتعرض لأزمة كبيرة، الأرواح التي حضنت الفكرة الرئيسية انقسمنا بعدها، ولم يعد هناك ما يجمع، لأن الكيانات الحزبية والجماعات السياسية والتي تقودها الأجيال السابقة كانت ترفض التغيير في كل حزب رغم أن الشباب كانوا أكثر تفكيراً وتعاوناً مع بعضهم، من أتوا بعد الثورة لم يكونوا جذرييّن؛ إذ أنهم لم يغيّروا على معاهدة السلام ومعادة بيع النفط والغاز لإسرائيل، لم يواجهوا العدو الرئيسي، وواجهو بعضهم البعض".
عربيّاً إذ يبدو الموقف أكثر لُبساً يعترف تميم "الموقف الوحيد الآن عربياً هو أخلاقي، لا يمكن أن نؤيد من يقتل الأطفال، ولا من يتعامل مع الاحتلال الأمريكي، لا حجة في قتل الأطفال والمدنييّن ولا في التعامل مع الاستعمار والإحتلال"، ويوضح على اتجاه بوصلته :"عدوّ الأمة واحد بكل تكويناتها، وهو نظام الفصل العنصري المُسمى بدولة إسرائيل، ويجب أن تنتهي، هو التنقاض الأكبر والعدوّ الواحد، وكل من يؤجل هذا الخصم أو العدو، سيهزم نفسه".
"يا مصر هانت وبانت"
يتذكّر تميم أغنية "يا مصر هانت وبانت" التي لحنها وغنّاها المصري مصطفى سعيد قبيل سقوط حسني مبارك بالقول: كتبت كلماتها ليل 25/26 يناير ويوم 27 كانت جمعة الغضب، سمعها مصطفى سعيد وكان مع المتظاهرين، فقرّر تلحينها وغنائها، وبدأ البحث عنّي ليطلب الإذن، إلى أن حدث التواصل وغنّاها في ميدان التحرير، وكان هذا أول تعامل معه، ويضيف تميم، "مصطفى يشتغل على التراث العربي القديم، الأوركسترا لها تخطيط مركزي، بينما التخت الشرقي يرتجل بشكل مختلف لكن متناسق، ومصطفى قائم عمله على هذا التراث، حيث التقى مشروعة الشعري والسياسي، مع مشروع سعيد، "وأنا معجب به" يعترف.
إستمع الآن