مواطنة الشركات: دور "خاص" بجانب الحكومة لمجتمع تغيب عنه العدالة
"مواطنة الشركات" سياسة باتت تأخذ رواجا بين العديد من شركات القطاع الخاص في الأردن، وهي تعرف بـ"المسؤولية الاجتماعية"، لتشا رك الحكومة في مجالات النهوض باحتياجات المجتمعات المحلية.
تنفق الشركات المساهمة العامة والشركات الكبرى في المملكة حوالي 90 مليون دينار على المسؤولية الاجتماعية، إلا أن الفكرة المتجذرة لا تزال تنظر إلى المسؤولية الاجتماعية وكأنها شكل من اشكال العمل الخيري، وتركز على الترويج للشركات التي تقدم الدعم.
عدالة اجتماعية بشراكة كافة الأطراف
خبراء متخصصون في القطاع الخاص، يؤكدون أن تحقيق الاستدامة الحقيقية من خلال تطبيق مبادرات "المسؤولية الاجتماعية" للشركات، يتطلب من الحكومة إيجاد إطار تنظيمي ملازم لمفهوم "المسؤولية الإجتماعية" للشركات للإنتقال من الأنشطة الخيرية التقليدية إلى برامج مستدامة تتصدي من خلالها للتحديات التنموية؛ الأمر الذي يؤكده الناطق الإعلامي بإسم وزارة التنمية الاجتماعية فواز الرطروط.
يشير الرطروط إلى أن الحكومة شكلت لجنة ترأسها وزارة التنمية لوضع إطار ينظم عمل المسؤولية المجتمعية والحوافز التي تقدمها الدولة للشركات التي تساهم في هذه المسؤولية.
الأمر قد لا يتوقف عند الحكومة فحسب؛ فسلوك الشركات في الإنفاق على المسؤولية الإجتماعية، يلعب دورا هاما في هذا الإطار، حيث أنه وبالاطلاع على المشاريع التي يتم الإنفاق عليها تجدها هي ذاتها منذ أن تأسست الشركة.
انموذج مدني بديل
تشير جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات أن الشركات المدرجة في سوق عمان المالي تنفق سنويا ما يقارب 27 مليون دينار على مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات ممثلة ما نسبته 3% من صافي أرباح تلك الشركات، فيما قدرت دراسة لها أن مجمل الانفاق على مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات بـ 60 إلى 90 مليون دينار سنويا.
النائب مصطفى حمارنة، منسق المبادرة النيابية، وفي لقاء عقده بين نواب وجمعية إنتاج في العام الماضي 2014، لفت إلى أن مساهمة الشركات في "المسؤولية الاجتماعية" يحتاج إلى "تنسيقي فاعل بينها وبين جهات أخرى، مما قد يسهم في توحد الجهود والانفاق نحو أهداف تنموية".
استهداف الفقراء
تظهر دراسة أصدرها معهد بصر لدراسات المجتمع المدني بعنوان "الخصائص القطاعية لممارسة الشركات في مجال المسؤولية الاجتماعية" في تشرين ثاني 2014، أن الشركات بمختلف قطاعاتها، تفضل استهداف الفقراء والمناطق الفقيرة في برامجها بالمسؤولية الاجتماعية، ما يوحي بتأثير عناصر "ثقافة العطاء" عابرة القطاعات.
وأشارت الدراسة، إلى أن من أبرز هذه العناصر "وجود خلط عام بين المسؤولية الاجتماعية وأعمال الخير والتبرعات التي تقدمها هذه الشركات"، فضلاً عن الاعتقاد بأن الالتزام بالقوانين السارية والنافذة هو نوع من المسؤولية الاجتماعية.
وذكرت الدراسة التي استطلعت 270 شركة موزعة على 11 قطاعاً اقتصادياً مختلفاً، أن الشركات بقطاعاتها كافة أجمعت على أن "الموظفين العاملين لديها هم ضمن الفئات المستهدفة ببرامجها بالمسؤولية الاجتماعية، معتبرة أن "تقيدها بمواد قانون العمل ومنحهم رواتب عادلة هو ممارسة للمسؤولية الاجتماعية تجاه الموظفين".
وأكدت هذه القطاعات أنها "تركز برامجها الاجتماعية على العاصمة، التي توليها الاهتمام الأول وأحياناً الوحيد، فيما تحظى المحافظات الأخرى الأقل حظاً والأكثر فقراً والأدنى تنمية، بنصيب ضئيل جداً من مشاريع المسؤولية الاجتماعية".
المسؤولية الاجتماعية: إنتماء للمجتمع
تعرف المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات بـ"محاولة دمج الاهتمامات والقضايا الاجتماعية والبيئية والاقتصادية في صنع القرار واستراتيجيات وسياسات وقيم وثقافة الشركة والعمليات والأنشطة داخل الشركة وبشفافية ومحاسبة ليتم تطبيق أحسن الممارسات"، كما تعرفها د. منى يعقوب هندية مدير وحدة السياسات والتخطيط المجلس الوطني لشؤون الاسرة في مقالة لها نشرتها عام 2007 بجريدة الرأي.
مسؤولية ورؤيا واضحة
مديرة البرامج في جمعية "نسيج" حنايا النحاس، تؤكد على ضرورة أن إنفاق كل مؤسسة على "المسؤولية المجتمعية" ضمن رؤيا واضحة، وأهداف معلنة من الإنفاق، وأن لا يكون الإنفاق عشوائيا بحيث تكون رؤية الشركة أو المؤسسة تصب في مجالات التنمية وليس التبرعات الخيرية.
وترى نحاس بأن إنفاق الشركات في الغالب يذهب في اتجاه التبرعات الخيرية ولا يرتقي إلى فكرة "المسؤولية المجتمعية"، مشيرة إلى ضرورة أن يكون هناك تنسيق معلن بين الشركات الكبرى و أهداف مشتركة بحيث كل فترة يتم التركيز فيها على فئة أو مشروع معين، بحيث تظمن هذه الشركات عدم تشتت جهودها وخلق أثر واضح لإنفاقها.
مسؤولية بعض الشركات: تسويقي
ربيع زريقات مؤسس مبادرة ذكرى الهادفة إلى تنمية المجتمعات المحلية في مناطق الأغوار والشونة، يلحظ نُضجا في مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات في الأردن إلا ان اهداف الشركات و طرق انفاقها يشتت جهودها في البناء والتنمية.
ويشير زريقات إلى أن الشركات بدأت بتأسيس جميعيات خاصة لها لتدُير عملية انفاق المسؤولية المجتمعية، وهي من التجارب الناجحة في الاردن، مستذكرا تجارب شركة ارامكس ونُقل والبنك العربي.
إلا ان زريقات يؤكد أن الشركات لا تزال تنظر إلى ملف المسؤولية المجتمعية كملف تسويقي يساهم في ترويج اسم الشركة وتلميع صورتها، لافتا إلى أن هذا يخلق فجوة بين الشركة والمجتمع بحيث يصبح أبناء المجتمع المحلي يشعرون بأن الشركات تقوم باستغلالهم لتلميع صورتها.
يعتقد زريقات أن كثير من الشركات تنُفق على مشاريع يشرف عليها أمراء ووزراء، مؤكدا أن معظم إنفاقها يصب في هذه جمعيات من باب بناء علاقات جيدة مع الدولة وأيضا من باب الترويج والدعاية والإعلان لها، في حين تبقى الجمعيات الصغيرة تنتظر "الفتات" من الشركات منها.
وضوح الرسالة
رائد الأعمال الإجتماعية، ومطلق العديد من المبادرات المدنية، ماهر قدورة، يقول أن الوضع العام في لمن يعمل في المسؤولية الاجتماعية يأتي تحت بند التبرعات المبنية على ردة فعل أو مزاجية من قبل الشركات، لافتا إلى أنه يجب أن يكون لكل شركة رسالة واضحة لجميع التزامات الشركة في بند المسؤولية الاجتماعية وترجمتها إلى برامج وشراكات تصب في مضمون رسالة الشركة ذاتها.
يضيف قدورة أن "المسؤولية الاجتماعية للشركات يجب أن تساهم في عملية البناء والتنمية في البلاد، من خلال العمل الجاد والنوعي في تبني أهداف واضحة ومتناغمة مع احتباجات المجتمع والتشارك مع المجتمع المدني والرسمي في إحداث التغيير".
ويلفت قدورة إلى ضرورة أن يكون هناك شراكة حقيقية وعملية بين الحكومة والقطاع الخاص في إطار"المسؤولية الإجتماعية"، إضافة إلى ضرورة أن إيجاد إطار يتم الاتفاق عليه بين الجهات الحكومية ومنضمات المجتمع المدني، وشركات القطاع الخاص، بهدف تنظيم وتأطير هذه العملية، وإضافة محفزات للشركات من خلال بالمزيد من الإعفاءات الضريبية كبدلات لانفاق الشركات على المسؤولية الإجتماعية.
حوافز ضيقة
أما في القوانين الاردنية؛ فالحكومة قدمت حوافز "ضيقة" لتشجيع الشركات على الإنفاق في ملف المسوؤلية المجتمعية، بحيث تقوم دائرة ضريبة الدخل بخصم المبالغ التي تقوم الشركات بالتبرع بها من المبلغ الخاضع للضريبة، بحيث يتم تخفيض قيمة المبلغ المقتطع من الشركة كنسبة من المبلغ التي دفعته الشركة.
وتحتاج الشركة التي تريد الإنفاق على المسوؤلية الاجتماعية إلى موافقات من وزارة التنمية الاجتماعية أو من وزارة التربية أو الصحة في حل كانت المشاريع تتعلق بأي وزارة من هذه الوزارات.
يحلل تقرير لمجموعة المرشدين العرب المسؤولية المجتمعية للشركات المدرجة، أنفقت هذه الشركات نسبة 2.2% من أرباحها على مشاريع الخدمة المجتمعية في 2014، في حين بلغ إنفاقها 2.9% من أرباحها على هذه المشاريع في 2013.
وتتعدد الشركات مثل: جت، بيبسي، الفوسفات، البوتاس والاسمنت، أمنية وزين ومجموعة المناصير، كذلك بنك القاهرة عمان والبنك الأهلي، وكذلك البنك العربي الذي بدأ منذ سنوات حين أقام مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافية ومكتبتها وجوائز البحث العلمي فيها وقد خصص البنك آنذاك 1% من أرباحه لهذا الغرض الذي تطور كثيرا فيما بعد، وفق ما يذكر الصحفي سلطان الحطاب في مقالة له .
البوتاس تجربة
شركة البوتاس العربية وصل معدل إنفاقها خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى حوالي 10 مليون دينار سنويا، هذه المبالغ يتم إنفاقها على التعليم والصحة والبيئة والمياه ومكافحة الفقر، ضمن استراتيجية واضحة من قبل الشركة لتمكين المجتمعات المحلية.
وجائت شركة البوتاس في المركز الثاني ضمن الشركات المدرجة في بورصة عمّان في قيمة الإنفاق على السمؤولية المجتمعية، في حين جاء البنك العربي في المرتبة الأولى وفق دراسة أعدتها مجموعة المرشدين العرب.
العربي إنفاق
ويبلغ معدل الإنفاق السنوي للبنك العربي، حوالي 12 مليون دينار، ضمن مشاريعها مؤسسة عبد الحميد شومان و "معا" اللتان أسستهما إدارة البنك لإدارة إنفاقها على المسؤولية الاجتماعية.
ويشكل إنفاق شركتي البوتاس و البنك العربي في بند المسؤولية الإجتماعية حوالي 70 بالمئة من مجموع ما أنفقته الشركات المدرجة في بورصة عمان.
وتساهم شركة الفوسفات التي جائت في المتربة الثالثة في المسؤولية الاجتماعية، بدعم البلديات والمحافظات والجامعات والجمعيات الخيرية، ودعم أنشطة رياضية وبناء المساجد والمدارس، بالإضافة إلى حملة طرود رمضان الخيرية، ودعم لاتحاد الجمعيات الخيرية لتمويل المشاريع الصغيرة.
ويبلغ معدل إنفاق الشركة خلال السنوات الـ 6 سنوات الأخيرة نحو 19.5 مليون دينار أما معدله 3.5 مليون دينارسنويا.
تشير دراسة صدرت عن جامعة هارفرد حول المسؤولية الاجتماعية المشتركة عام 2012 أن الشركات التي تطبق مبادئ المسؤولية الاجتماعية نمت بمعدل أربعة أضعاف عن تلك التي لم تتبن هذا المجال؛ إضافة إلى أن تثقيف الموظف بهذا المفهوم سيسهم في تخفيف الأعباء على الشركات وزيادة الإنتاجية وخفض التكاليف التي يتسبب بها الغياب والفواتير الصحية بنسبة 30%.
ووفقا لدراستين تبحثان سياسات وميزانيات المسؤولية الاجتماعية في الأردن ونقاط اهتمام تلك المبادرات صدرتا عن جمعية إنتاج، فإن الشركات المدرجة في سوق عمان المالي تنفق سنويا ما يقارب 27 مليون دينار على مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات ممثلة ما نسبته 3% من صافي أرباح تلك الشركات.
فيما قدرت ذات الدراسة مجمل الإنفاق على مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات في الأردن ( المدرجة وغير المدرجة في السوق المالي) بحوالي 60 إلى 90 مليون دينار سنويا.
كذلك بينت الدراسة تركيز الشركات على تنفيذ مبادراتها في القطاع التعليمي والقطاع الصحي وقطاع التنمية المجتمعية وقطاعي الشباب والرياضة والبيئة.
*التقرير بدعم من مؤسسة "نسيج" لمواد للتنمية الشبابية المجتمعية في العالم العربي