معاناة صامتة لملائكة الرحمة في الزرقاء

معاناة صامتة لملائكة الرحمة في الزرقاء

 

بصمت، يحتملن مشاق ورديات العمل المسائية التي تسرقهن من حياتهن الأسرية والاجتماعية، ويرتضين وضع أنفسهن على خط الإصابة بعدوى شتى صنوف المرض، ويصبرن على نزق، وأحيانا إهانات بعض مرافقي مرضاهن وأهليهم. تلك بعض أحوال ممرضات المستشفيات في الزرقاء، الحكومية منها والخاصة، واللواتي اعتدن إلقاء السمع للشكوى والأنين الذي يكاد لا ينقطع في أروقة الأقسام، ونادراً ما شكون هن أنفسهن مما يكابدن، ولو فعلن، لا تجد شكواهن أذاناً صاغية.

 

بعض ملامح هذه المعاناة التي يمكن وصفها بأنها صامتة، ترويها رانيا مأمون، التي عملت ممرضة على مدار ست سنوات في مستشفى الجامعة الأردنية والزرقاء الحكومي قبل أن تستقيل من وظيفتها مؤخراً بسبب الزواج.

 

تقول رانيا "أصعب ما في عملنا هو نظام الورديات، فمثلا، الوردية -بي- تبدأ من الساعة الثالثة بعد العصر وتستمر حتى الحادية عشرة قبل منتصف الليل، ومعها تكون الممرضة قد خسرت معظم النهار ومعظم الليل، وبالتالي حياتها الاجتماعية، -ما بتشوف حدا ولا حدا بشوفها-". وتضيف "أما دوام الوردية -سي- فهو مرهق، وكما هو معروف أن تقلبات الورديات تنهك الجسم، لاأها تضطر الممرضة إلى أن تنام في النهار بعض الأيام، وفي الليل أياما أخرى".

 

وتتابع قائلة إن "الضغط النفسي الذي تتعرض له الممرضة يزداد وطأة خلال عطل الأعياد، فهي لا تستطيع التمتع بها كما الموظفين الآخرين، وتتقاسم الدوام خلالها مع زميلاتها، وكثيراً ما تجد أن نصيبها من عطلة العيد لا تتعدى يوما واحداً".

 

 

وأشارت رانيا إلى مشكلة أخرى تتعلق بضغط العمل في ضوء قلة الكوادر "أحيانا يكون في القسم 30 مريضا، وتوكل مهمة رعايتهم إلى ممرضتين أو ثلاث فقط، أما أقسام الطوارئ فالضغط فيها يكون بصورة دائمة".

 

وتطرقت أيضا إلى احتمالات الإصابة بعدوى الأمراض الخطيرة مثل إنفلونزا الخنازير، وهو الأمر الذي تواجهه الممرضة باستمرار بحكم تماسها المباشر مع المصابين.

 

وقالت "الممرضات يعتريهن الرعب وهن يتعاملن مع أصحاب الحالات المصابة بمثل تلك الأمراض، لكنهن لا يستطعن رفض رعايتهم، فهذا واجبهن. ولا مفر".

 

وللممرضة نصيب من الاعتداءات التي تطال الكوادر الطبية في المستشفيات، كما تؤكد رانيا، موضحة أن "الممرضات في أقسام الطوارئ والعناية المركزة تحديدا، يتعرضن لاعتداءات لفظية وأحيانا جسدية من قبل أهالي المرضى، وخصوصا عند حصول حالات وفاة".

 

وشهدت مستشفيات في الزرقاء عدة حالات اعتداء على ممرضين خلال العام الماضي، وإحداها وقع في مستشفى الأمير فيصل عندما أقدم مرافقون لسيدة وصلت في حالة وفاة على ضرب ممرض وممرضة وتحطيم قسم الإسعاف بعد تبلغهم بوفاة مريضتهم.

 

من جانبها شكت الممرضة نسرين بيبو من عدم وجود حضانة يمكنها أن تودع أطفالها فيها ضمن مستشفى الزرقاء الحكومي حيث تعمل، مشيرة إلى أنها وزميلاتها الممرضات ممن لديهن أطفال، قمن بتوجيه العديد من المطالبات الرسمية إلى الإدارة بهذا الخصوص، ولكن دون نتيجة.

 

ولفتت بيبو إلى معاناة الممرضات مع الباصات المكلفة بإيصالهن إلى بيوتهن عند انتهاء ورديات العمل المسائية، مبينة أنها لا تلتزم بأوقات محددة وتستغرق جولاتها زمنا طويلاً، كما أن عدد الممرضات الكبير في كل جولة يؤدي إلى أن تصل بعضهن إلى منازلهن بعد ساعة من انتهاء الدوام. وبأسى، قالت الممرضة ماجدة إبراهيم، وهي أم لطفلين ومضى على عملها في هذه المهنة نحو سبع سنوات "الناس مع الأسف، لم يعودوا يحترمون الممرضات أو يقدرون عملهن، وربما أن نظرتهم إلى مهنة التمريض قد تغيرت تماما".

 

وأضافت "أنا أحب مهنتي، وأعمل من كل قلبي، فعندما أقدّم الدواء للمريض أدعو له بصدق أن يخفف الله ألمه، وحين أعطي حقنة لطفل، فإنني أتمنى أن أنجح من أول مرة، ولكن البعض لا يقدرون شيئا من ذلك، ولا يحترمون مهنتي".

 

وروت ماجدة واقعة حصلت مع إحدى زميلاتها، ودللت من خلالها على مدى استخفاف البعض بالممرضة وتحقيرهم لمهنتها.

 

وقالت أن امراة كانت ترافق طفلاً مريضاً حاولت مغادرة المستشفى ليلا لابتياع أغراض من الخارج، فأخبرتها الممرضة أن ذلك غير مسموح دون إذن الطبيب المناوب، فما كان من المرأة التي لم يعجبها هذا الرد إلى أن استدعت زوجها في اليوم التالي، ولما حضر أشارت إلى الممرضة قائلة "هذه هي القردة التي حدثتك عنها". ومن فوره انهال عليها بالإهانات ووصفها بأنها "قلية أدب".

 

وأكدت ماجدة أن "الممرضات يتعرضن للشتائم من بعض أهالي المرضى، ولكنهن يصبرن ويحاولن امتصاص غضبهم وإهاناتهم التي يوجهونها إليها دون اكتراث لكونها ممرضة، ولا حتى أنثى".

أضف تعليقك