مرضى الأسنان بالزرقاء: "نار العيادات الخاصة ولا جنة مستشفيات الحكومة"
تجبر مواعيد علاج مرضى الأسنان في المراكز والمستشفيات الحكومية بالزرقاء، والتي قد تمتد لأشهر، كثيرا من هؤلاء المرضى إلى مراجعة العيادات الخاصة، حيث الأجور التي لا أقل من أن توصف في بعضها بأنها "فلكية".
ولا يقف الأمر عند مشكلة المواعيد البعيدة، بل يتعداه إلى الشكوى من تدني مستوى الخدمة العلاجية في تلك المستشفيات، وهو ما يؤكد مرضى أنه يشكل عاملا حاسما في اتخاذهم قرار وضع أنفسهم تحت رحمة عيادات القطاع الخاص.
وتقول المواطنة سلسبيل عليمات في هذا الصدد إن الأطباء في مسشفيات الحكومة "للأسف بخربوا السن"، موضحة أن "الطبيب لا يحرص على علاج السن أو ترميمه، بل يقوم بخلعه فورا أو يعمد إلى حفره، وسرعان ما يتكسر ويتآكل نتيجة لذلك، ما يضطر المريض إلى المراجعة مرة أخرى من أجل خلعه".
كما شكت سلسبيل من رداءة المواد والأجهزة الطبية "في كل مرة نراجع المستشفى نجد أن الأجهزة -خربانة- ولا يكون من بديل أمامنا سوى اللجوء إلى عيادات الأسنان الخاصة، والتي تولي عناية فائقة للمراجع، طبعا لأنه يدفع النقود، كما أنه يجد فيها معاملة لائقة".
لكنها اقرت في نفس الوقت بأنه "حتى الطبيب الخاص لا نجد عمله مميزا، ونعاني من أخطائه الطبية أثناء علاج الأسنان".
"بعد شهرين"
وتسرد ابتسام السيد تجربتها مع المستشفيات الحكومية، موضحة أنها راجعت لعلاج أسنانها لتفاجأ بإعطائها موعدا "بعد شهرين".
وقالت ابتسام "استصعبت الأمر خاصة أنني مصابة بمرض السكري ولا أستطيع الانتظار كل هذه المدة للعلاج، وحتى لو حصلت على موعد مستعجل، أعتقد أنه من الصعب عليهم أن يعالجوني، ومع ذلك انتظرت إلى أن بدأت أسناني الأمامية بالسقوط، وحينها اضطررت إلى اللجوء لعيادة خاصة تقاضت مني مبلغا يصل إلى ألف دينار".
وتروي إنعام العطيات حكاية مماثلة قائلة إن طبيب الأسنان في المستشفى الحكومي أعطاها موعدا يمتد بعد شهرين بعدما راجعت للعلاج من التهاب في الضرس أصيبت به أثناء كانت حاملا، وذلك دون مراعاة لحقيقة أنها قصدته ومعها توصية من طبيب نسائية بضرورة "العلاج العاجل" بسبب وضعها الصحي.
وناشدت العطيات "وزارة الصحة إيلاء اهتمام لعيادات الأسنان حتى لا يكون التأمين الذي بحوزتنا بلا فائدة ومجرد ورقة نحتفظ بها في حقائبنا".
وقالت "نحن عندما نقصد القطاع الخاص ندفع 15 دينارا كشفية، بينما تصل أجرة حشو السن إلى نحو 60 دينارا، وطبعا هذه أسعار لا يقدر عليها الكثيرون ".
ومن جهتها، اتهمت منى سليم بعض الأطباء الحكوميين بأنهم "لا يعملون بضمير"، مبينة أنها راجعت لعلاج أحد ضروسها الذي كان به التهاب، فقام الطبيب بخلعه لها مباشرة، الأمر الذي سبب مضاعفات جعلتها تعاني الألم شهرا بأكمله.
وأكدت منى أنها منذ ذلك الحين لا تراجع سوى عيادات الأسنان الخاصة، بالرغم من أنها تضطر أحيانا إلى "الاشتراك في جمعيات شهرية أو الحصول على قرض بنكي" من أجل توفير أجور العلاج.
"تهاون في الواجب"
انتصار أبو حويلة، موظفة حكومية، انتقدت ما اعتبرته تهاونا من بعض الأطباء الحكوميين في أداء واجبهم قائلة "عندما أراجع أحدهم ليعاين ضرسا بحاجة إلى حفر أو حشو وعمل كثير، أجده يشير علي بالتوجه إلى العيادات الخاصة، لأن هذا الأفضل برأيه".
وأضافت أن الطبيب "يتذرع أحيانا بأن الجهاز -خربان- أو المادة الطبية اللازمة للعلاج غير متوفرة، وحتى لو قام بوضع حشوة سنية نجد أن تركيبها غير سليم أو تسقط من مكانها، وقد تصل الأمور إلى خسارة السن".
وتابعت أبو حويلة "نحن الموظفون الحكوميون مؤمنون صحيا ويقتطع مبلغ شهري من رواتبنا لأجل التأمين الصحي، وبالتالي من حقنا التمتع بخدمة علاجية ملائمة"، لافتة إلى أن "فقدان الثقة بالمعالجة السنية في القطاع العام يجعلني اضطر للعلاج لدى القطاع الخاص".
وعلى النقيض، يصف على الصرايرة، وهو متقاعد عسكري، الخدمة السنية التي يقدمها القطاع الطبي العسكري بأنها جيدة، لكنه يبدي ملاحظة حيال بعض المواعيد التي تكون بعيدة نسبيا وتجعله يلجأ أحيانا إلى العيادات الخاصة.
في حين قال إياد عباس إنه لم يسبق له أن راجع مستشفيات الحكومة لغايات العلاج السني برغم أنه موظف حكومي، مبينا أن ما يسمعه من شكاوى زملائه من الخدمات المقدمة لهم في هذه المستشفيات شجعته على الاستمرار في اعتماد عيادات القطاع الخاص سواء بالنسبة له أو لأفراد أسرته.
ولا ينكر عباس أن الأسعار لدى القطاع الخاص "مرتفعة"، ولكنه يقول إن "ما يهون علي هو أنها تتقاضى أجرة العلاج مقسطة حسب الجلسات وليس دفعة واحدة".
"ضغط ونقص أطباء"
وعلى الطرف المقابل، دافعت طبيبة أسنان تعمل في إحدى المستشفيات الحكومية عن خدمات هذا القطاع، والذي وصفته بأنه يعاني من نقص في أعداد الأطباء ويرزح تحت ضغط الأعداد الهائلة للمراجعين الذين يقصدونه يوميا.
وقالت الطبيبة التي فضلت عدم ذكر اسمها إن هذه العوامل، والتي تواجهها المراكز الصحية خصوصا "تضطر أطباء الأسنان إلى إعطاء المرضى مواعيد قد تزيد على شهرين أو ثلاثة أحيانا"، لكنها شددت على أن "الحالات الطارئة تعالج فورا".
ودللت على حجم ضغط أعداد المراجعين في هذه المراكز مبينة أنه "لا يكون فيها سوى طبيب واحد في معظم الأحيان، وهو يكشف في اليوم الواحد على ما يزيد عن 45 مريضا، ويحتاج كل مريض إلى نحو ربع ساعة في المتوسط، وبعض المرضى يكونون بحاجة إلى ساعة كاملة".
وأشارت في السياق إلى أن "هناك خطة حكومية لسد النقص في أعداد أطباء الأسنان تقضى بالسماح لأطباء الامتياز، بعد الانتهاء من سنة الامتياز، بالتدريب مدة عام كامل في العيادات السنية الحكومية مقابل راتب".
كما تصدت إلى الانتقادات بخصوص المستلزمات والمواد المستخدمة في العلاج، مؤكدة أنها "مناسبة وإن كانت لا ترقى إلى نظيرتها في القطاع الخاص"، مضيفة أنه "يحصل أحيانا أن تتعطل بعض الأجهزة، لكن في مثل هذه الحالات نقوم بتحويل المرضى إلى مركز طبي آخر ولا يتركون بلا علاج."
ورأت هذه الطبيبة أن السبب الرئيس لانعدام الثقة بين المواطن وأطباء الأسنان الحكوميين، هو أن هناك صنفا من الأطباء ممن "يعزف عن العمل في العيادة المعين فيها، وغالبا ما تكون لديه عيادة خاصة".
"هوة ثقة"
بدوره، دافع الدكتور معاذ الربابعة رئيس اللجنة الفرعية لنقابة أطباء الأسنان الأردنيين فرع الزرقاء، عن زملائه في مواجهة الاتهامات لهم بارتكاب أخطاء في العلاج تؤدي إلى إصابة المرضى بمضاعفات أو تفاقم حالاتهم الصحية.
وقال الربابعة إنه ليس صحيحا ما يتداوله البعض من أن الطبيب العام يعمد إلى خلع الضرس مباشرة دون محاولة ترميمه، مؤكدا أن الناس "يتحدثون بأشياء كثيرة، والطبيب عادة له نظرته الخاصة وتقييمه للأمور، ويستحيل أن يخلع سنا قابلة للترميم، فدوره يهدف إلى بقاء السن الطبيعي"
وأضاف أن القطاع العام "تتوافر لديه أجود المواد وأفضل الأجهزة كما في القطاع الخاص تماما"، مبينا أن عدم نجاح بعض التداخلات العلاجية قد يعود إلى أن المريض لم يتبع تعليمات الطبيب "كأن يكون قد تناول طعاما بعد حشو السن مباشرة، وهناك أسباب أخرى تتعلق بالطبيب، حيث أن كثرة عدد المراجعين تجعله يقوم بإجراءات إسعافية وليس علاجية".
ورفض الربابعة ما ذهب إليه البعض من وصف أجور القطاع الخاص بأنها "فلكية"، مبينا أن "نقابة الأطباء لديها لائحة أجور أقرت في عام 1999 وتم العمل بها بدءا من العام 2003، ورغم تآكل الدينار والغلاء الذي طال كل شيء لا زلنا نراعي وضع المواطن ونعمل بهذه التعرفة".
وأكد أن "أجور العلاج في الاردن هي الأقل عالميا"، واصفا القول بأن أجرة حشو السن تصل إلى 60 دينارا بأه "كلام عار عن الصحة".
ودعا إلى "ردم (هوة الثقة) الكبيرة الحاصلة فعليا بين طب الأسنان العام والمواطن"، وأيضا إلى "تكاتف جهود نقابة الأسنان ووزارة الصحة وكافة المعنيين من أجل فتح المزيد من العيادات السنية لتخفيف الضغط على طب الأسنان العام ولتمكينه من ممارسة عمله".
وبين الربابعة أن "عدد أطباء الأسنان في الزرقاء يبلغ 300 طبيب موزعين بين القطاع الخاص ووكالة الغوث ووزارة الصحة والخدمات الطبية والجمعيات الخيرية، وغالبيتهم في القطاع الخاص".
إستمع الآن