مخيم البقعة: 118 ألف لاجئ يعيشون على صفيح متهالك
اعتادت الثلاثينية "وفاء" على مراجعة الطبيب العام كل أسبوعين لعلاج أطفالها من الإلتهابات والإسهال والتحسس، متذمرة من وضع اقتصادي يجبرها وزوجها في السكن في منزل بمخيم البقعة يفتقر لمقومات الحياة.
"أم عبدالله" كما تحب وفاء أن تنُادى، تقطن في منطقة الكرامة في "البقعة" تصف وضعهم بالسيء وازداد سواءً برداءة البنية التحتية من صرف صحي يفيض دوما في طرقات إسمنتية متهالكة تملؤها الحفر، ما يجعل أطفالها عرضة للأوبئة والأمراض.
أربعة أبناء لـ"وفاء" أكبرهم لا يتجاوز سبع سنوات، يلعبون أمام منزلهم قبالة منهل يفيض دوما بالمياه الآسنة، ما يقلب حياة العائلة رأسا على عقب.
تضاعف سكان المخيم
تضاعف عدد سكان مخيم البقعة- أكبر المخيمات الفلسطينية العشرة الرسمية- خلال السنوات الأخيرة، ليصل إلى 118 الف لاجئ في مساحة لا تتجاوز 1.5 كيلومتر مربع، وفق إحصائية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين المعروفة اختصارا "أونروا"، نفذتها العام 2015.
تشير أرقام دائرة الشؤون الفلسطينية إلى 90 ألف لاجئ، مسجلين داخل مساحة حدود المخيم، "تجاوز اللاجئين حدود المخيم ليصل عددهم بذلك إلى نحو 134 الف لاجئ. يضم المخيم 26.464 ألف أسرة لاجئة، بمعدل يصل إلى 5.4 فرد لكل عائلة.
"فايز جمال" (45 عاما) أحد سكان المخيم، يقول إن الكثافة السكانية "كارثة" على البنية التحتية المتهالكة بالتالي حرمان السكان من الحق في الحياة الطبيعية.
"ما هو مؤكد لي أن الضغط السكاني لا يرافقه تطوير وتحسين في الخدمات، يعني مأساة"، يقول جمال.
كان مجلس الوزراء أقر تعليمات التوسع العمودي في مخيمات اللجوء الفلسطيني، ما يعني بناء طوابق ثاني وثالث بتاريخ 24-7-2012 كحل للتوسع جراء الاكتظاظ السكاني.
تغيير فردي
إن كان التغيير صعباً في تحسين بنية تحتية متهالكة على كامل أراض المخيم، فإن السيدة "إم أحمد" (66 عاما) رصدت مبلغاً من خلال أبنائها لأجل تغيير تمديدات المجاري الداخلية لمنزلها. "مياه المجاري دائما تفيض على المنزل، يكفينا معاناة، أريد أن أخفف المشكلة على الأقل في منزلي".
ينظر رئيس لجنة خدمات المخيم، سالم الشطرات، إلى ما تقوم به السيدة "إم أحمد" كحل فردي، ويقر بأن البنية التحتية لم تعد تتناسب والزيادة السكانية خاصة مع زيادة البناء العمودي.
"نعم هناك ضغط على شبكات الصرف الصحي يقابله اهتراء شبكات المياه وتسربها على مناهل التصريف ومساهمتها بتسريع خراب الشوارع العامة"، يقول شطرات.
وفق دائرة الشؤون الفلسطينية، فإن نسبة ربط المنازل بشبكات الصرف الصحي في المخيم تصل إلى 98%، ونسبة اشتراك المنازل بشبكات مياه الشرب 100%.
في عام 1987 قامت الحكومة الأردنية بمد شبكات الصرف الصحي داخل المخيم بدعم من الإتحاد الأوروبي، "وبقيت على حالها منذ ذلك الوقت"وفق رئيس لجنة خدمات المخيم السابق، عيسى عايش، والذي غادر عمله منذ شباط الماضي.
كان رئيس الوزراء عبدالله النسور أوعز بدراسة شبكات وتصريف المياه في المخيم، خلال لقاءه نهاية شباط الماضي مع المؤسسات العاملة في المخيم بدار رئاسة الوزراء.
باشرت سلطة المياه العمل لأجل ما أسمته "حل جذري لمشكلة التصريف وإهتراء شبكات المياه، وفق عايش.
حزمة الأمان
قامت الحكومة، بداية عقد التسعينات، بشمول مخيمات اللجوء الفلسطيني بـبرنامج "حزمة الأمان الإجتماعي" لتطوير البنية التحتية، وأعمال شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، في بلد يستضيف أكثر من 42%من اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عمليات الوكالة الأونروا الخمس.
تتولى دائرة الشؤون الفلسطينية- التي تتبع لوزارة الخارجية إداريا- تنفيذ الخدمات الأساسية والبنية التحتية اللازمة للمخيم، تشرف عليها من قبل لجنة خدمات المخيم والتي تضم خمسة عشر عضواً من وجهاء عشائر المخيم وممثلين عن الفعاليات والقطاعات الخدمية والشعبية فيه.
يقول مدير دائرة الشؤون الفلسطينية، محمود العقرباوي، إن "معظم خطوط شبكات الصرف الصحي تعمل بفاعلية في معظم مناطق المخيم، فيما بعضها يتعرض للإنغلاق جراء الإستخدام الخاطئ من المواطنين أو لقيام تجار سوق المخيم بإلقاء النفايات الصلبة عبر هذه الشبكة".
معاناة من خدمات أخرى
من أمام منزل "أم عبدالله" قاطعتنا الأربعينية "مريم" وهي تجر عربة صغيرة متوجهة إلى سوق المخيم، متعثرة بالحفر في زقاق الحي، تقول لنا "منذ سنوات لم تزفت هذه الطرقات، أنظري إلى هذا السوء لا مثيل له".
الممرات الفرعية الداخلية في المخيم، مصبوبة خرسانيا ومساحتها تصل إلى 170 الف متر مربع فيما الطرق المعبدة تزيد مساحتها عن 230 الف متر مربع.
وفق دائرة الشؤون الفلسطينية فإن وزارة الأشغال العامة نفذت العام 2015 صيانة لنحو 30 ألف متر مربع من الشوارع، فيما سيتم خلال العام الجاري صيانة مساحة لن تقل عن عشرين ألف متر مربع، أما إعادة تعبيد الطرق الرئيسية وفق العقرباوي، "ستنفذه لجنة خدمات المخيم بعد أن يتم توزيع المخصصات المالية لها خلال الأسبوع الحالي".
يلفت رئيس لجنة خدمات المخيم، الشطرات إلى أنه تم تعبيد شوارع المخيم، عام 2015 بمكرمة ملكية، إلا أن تسرب المياه إلى هذه الشوارع أعاد تحطيمها، بالإضافة إلى سوء الإستخدام من قبل اللاجئين كإلقاء الطمم والأنقاض في الشوارع.
مخيم غارق في السواد
ما أن يحل الليل حتى يغرق مخيم البقعة بالسواد نظرا لتعطل الكثير من أعمدة الإنارة، فضلا عن انقطاعات محدودة في الكهرباء، إلا أن لدائرة الشؤون الفلسطينية وجهة نظر أخرى، حيث أن تعطل أعمدة لا يعني جميعها، راصدة ألفي عامود يغطون كافة أحياء المخيم.
تشكو لجنة خدمات المخيم من تأخر وصول فرق صيانة وحدات الإنارة والأعمدة في المخيم حيث تنفذها حصراً شركة الكهرباء، فيما توفر اللجنة المواد اللازمة للصيانة، وهو ما نفاه مدير خدمات الطوارئ في شركة الكهرباء الأردنية، زياد الحمصي، حيث يكون الدور بانتظام على مخيم البقعة.
فيما يؤكد مدير دائرة الشؤون الفلسطينية، العقرباوي على شرائهم 500 لمبة خلال نيسان الحالي لتغيير 500 وحدة إنارة في المخيم، "تغيير هذا العدد من الأعمدة يحتاج الى وقت".
مخيم يضيق بأطفاله ومجابهة بالتطوع
الطفلان أحمد وخالد (12 عاما) يلعبان يومياً بطائرتهما الورقية خارج المخيم، لا يجدان في المخيم مكاناً لهما للعب، كحال باقي أطفال المخيم "نلعب عادة في ساحات مدارس الوكالة، وإذا أغلقت نذهب للعلب خارج المخيم".
تتجاوز نسبة من هم أقل من 16 سنة، بحسب الأرقام المسجلة لدى الأونروا إلى 20% من مجموع سكانه، ونتيجة لذلك تشهد المدارس سواء الست عشرة مدرسة التابعة للأونروا أو المدارس الأربعة الأخرى التابعة لوزارة التربية إكتظاظا شديداً.
حال المخيم الصعب دفع ـشبابه اليافعين إلى التطوع وتقديم العون من خلال تشكيل فرق تطوعية، كفريق إبداع التطوعي، وفريق أمل التطوعي وغيرها.
هدف فرق الشتاء، كما يشرح لنا "حسن سعادة" هو معاونة أصحاب المنازل التي تداهمها مياه الأمطار من خلال حلول عملية لمنع تسرب مياه الأمطار لمنازلهم، "وعمل ورشات تنظيف في المخيم ومبادرات للأيتام والمسنين".
أما فريق أمل التطوعي ذي الأهداف الخيرية، يوضح أهدافه "محمود العبسي"(17 عاما) وهو نائب رئيس الفريق "عملنا في البداية بتنفيذ حملات تنظيف لمساجد المخيم، وزرع أشجار في مناطق خالية مجاورة ".
يؤكد العقرباوي على وجود مشروع ضخم لإنشاء حديقة نموذجية لسكان المخيم بإيعاز من الملك عبدالله الثاني وسط المخيم، وعلى قطعة أرض مساحتها أربعة دونمات، سيجري تنفيذها وتجهيزها خلال ستة أشهر، وسيتم إحالة العطاء خلال الأيام القليلة المقبلة.
موازنة المخيم بالأرقام
تخُصص الحكومة لعشرة مخيمات معترف بها ولثلاثة أخرى غير معترف بها، ما مقداره 950 ألف دينار سنويا من موازنة الدولة، حصة مخيم البقعة منها 150 ألف دينار سنوياً، كما يحصل على دخل آخر من مشاريع ذاتية للجنة الخدمات فيه كالحسبة وإيجارات بعض المحال التجارية، إضافة إلى إيجار كراج المخيم، إضافة إلى تخصيص 100 ألف دينار سنوياً كمكرمة ملكية كدعم للأندية الرياضية فيه.
"مخيم البقعة حاز على حصة الأسد من مشاريع المبادرات الملكية منذ عام 2007 وحتى العام الماضي، بمبالغ لا تقل عن ثلاثة عشر مليون دينار، منها تم إنجاز ترميم 882 مساكن لأسر فقيرة، "يقول العقرباوي.
موازنة الأونروا
بلغت حصة الأردن من موازنة الأونروا، لهذا العام 140 مليون دولار أمريكي للإنفاق على اللاجئين الفلسطينيين داخل وخارج مخيمات اللجوء من أصل موازنتها البالغة لهذا العام 668 مليون دولار أمريكي.
تقول الناطق الإعلامي بإسم الأونروا، أنوار أبو سكينة، إنه لا يتم تخصيص موازنة بعينها لأي مخيم، بحيث ترصد للأقاليم والأردن إحداها، فيما هنالك تعاوناً مشتركاً بين الجهتين لتأمين التمويل اللازم لبعض المشاريع.
يؤكد العقرباوي أن الحكومة تدفع لللاجئين الفلسطينيين ضعف ما تدفعه الأونروا للاجئين في مناطق عملياتها الخمس وبقيمة تصل إلى 1.200 مليار دينار سنويا.
تعتبر لجنة المخيم الموازنة المخصصة لها من قبل الحكومة "غير كافية" لإصلاح البنية التحتية في المخيم، فيما يقول وجهاء أن على الدولة معاملتهم كبلدية بحيث تتناسب الموازنة مع العدد السكاني المهول في المخيم.
تلقت اللجنة العام 2015، وفق أرقامها، 140 ألف دينار من الحكومة؛ انُفق 130 ألفا منها رواتب لإثنين وثلاثين موظفا لديها؛ فيما تصل فاتورتها لإنارة شوارع المخيم ما بين 3000 إلى 4 الآف دينار شهريا، وفق رئيس اللجنة آنذاك، عيسى عايش.
متى تنتهك حقوق اللاجئ
الحق في السكن اللائق، واحد من الحقوق الأساسية التي كفلها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، يضمن توفر الخدمات والمرافق الأساسية بما يتناسب مع كرامة الإنسان والحق في حياة سليمة.
تنص المادة الأولى منه، "لكل فرد الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات".
كما فصلت الفقرة الأولى من المادة الحادية عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تعتبر أحد أهم النصوص القانونية لهذا الحق، على أن"تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتخذ الدول التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الإرتضاء الحر".
بحسب الناشطة الحقوقية،"هالة عاهد" فإن هذا الحق يطال المقيمين واللاجئين والتي تعتبر من الفئات الأكثر هشاشة مع عدم جواز التمييز بينهما، وأن المساس بهذا الحق من قبل الدولة يعني أنها أخلت في حق من الحقوق الأساسية، ووفق ما أشارت إليه المادة الثالثة من الإتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين لعام 1951.
تشير عاهد إلى أن القانون الدولي "يتساهل بشكل بسيط" أي بما يتناسب مع إمكانيات الدولة وبشكل تدريجي لتوفير هذا الحق بحيث لا يجوز التذرع بأوضاع اللجوء لمنع تطبيقه.
يتمتع كافة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن بالمواطنة الأردنية الكاملة باستثناء حوالي 140 ألف لاجئ أصلهم من قطاع غزة الذي كان حتى العام 1967 يتبع للإدارة المصرية.
كما أن الأردن التزم بقرارات جامعة الدول العربية بوجوب معاملة الفلسطيني في الدول المستضيفة معاملة المواطنين فيها. تحذر الحقوقية عاهد من أن عدم توفير بنية أساسية سليمة من تصريف ومياه وغيرها، قد يشكل بيئة ضاغطة على اللاجئين بحيث يصبح هناك بؤر عنيفة ومتطرفة.
أزمة الأونروا وتأثيرها على المخيم
تتولى "الأونروا" قطاعات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية في المخيم من خلال ست عشرة مدرسة، ومركز توزيع أغذية واحد، ومركزيين صحيين، ومركز إعادة تأهيل مجتمعي واحد، ومركز واحد لبرامج المرأة، ومكتب لمدير المخيم يتلقى فيه معاملات اللاجئين.
تخدم 16 مدرسة حوالي 15900 طالب وطالبة، فيما يخدم المخيم 94 عامل نظافة، وتقدم الأونروا كذلك مظلة الأمان الاجتماعي لـ 5.600 فرد مسجلين لديها كحالات عسر شديد.
خلال السنوات الخمس الأخيرة شهدت الوكالة نقصاً حاداً في تمويلها من الدول المانحة، إنعكس سلباً على الخدمات التي تقدمها للاجئين، كانت على إثرها ستقوم بتأجيل العام الدراسي العام الماضي قبل إعلانها عن توفر مخصصات الفصل الدراسي لاحقا.
عجز الأونروا وأزمة النفايات
هذا العام، وفق أنوار أبو سكينية، يبلغ عجز موازنة الأونروا 80 مليون دولار أمريكي، وتؤكد أن الأزمة لم تؤثر على مخيم البقعة بحد ذاته وإنما أثرت على جميع الخدمات المقدمة من الأونروا في جميع مخيمات اللجوء الفلسطيني.
أثر أزمة الأونروا له إنعكاس على "البقعة" كـتراكم النفايات أمام المنازل وفي الزقاق خاصة مساءً، وفق ما تقوله"نور" التي تسكن في المخيم، "لا يأتي عامل النظافة إلا في الصباح وأحياناً كثيرة لا يأتي، ما يراكم النفايات خاصة أن الحاويات بعيدة عن منازلنا".
توفر "الأونروا" عامل نظافة واحد لكل ألف لاجئ فلسطيني، وهو ما تعتبره لجنة تحسين خدمات المخيم "غير كاف" مقارنة بحجم السكان، فيما عزت أبو سكينة المشكلة إلى قيام تجار سوق المخيم بالقاء نفاياتهم بعد انتهاء الدوام الرسمي لعمال النظافة، مشيرة إلى أنها تدرس مع دائرة الشؤون الفلسطينية خطة عمل لإيجاد حل لذلك.
ثمة مشاريع سوف تنفذ في المخيم، خلال هذا العام، تشمل "إعادة بناء وتوسعة مركز صحي البقعة الرئيسي" بتمويل أمريكي، كما سيتم إدخال تحسينات على مركز صحي البقعة الجنوبي من خلال منحة سعودية، على ما تقوله أبو سكينة.
مخيم البقعة، بحسب الأونروا، سيكون على رأس أولوياتها، ضمن برنامج خطة تطوير البنية التحتية في المخيمات، الذي نفذ في مخيمات جرش والطالبية والحصن، لكن في حال توفر التمويل المالي اللازم.
لا يرى لاجئون في "البقعة" أن تحسين الخدمات وشروط عيشهم تفريطا بحق العودة إنما تأكيدا على حقوق أساسية من الواجب ضمانها كسبيل لبقائهم حتى العودة إلى ديارهم.
*التقرير بدعم من منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" الكندية JHR