قصور قانوني... في معالجة ظاهرة التحرش

قصور قانوني... في معالجة ظاهرة التحرش
الرابط المختصر

في اللحظة التي قررت فيها "روان" الدفاع عن نفسها حين تم التحرش بها في حرم جامعتها "جامعة اليرموك" من قبل أحد الأشخاص تعرضت للضرب المبرح من قبل المُتحرش الذي لم تحاسبه قوانين الجامعة.

 

حادثة روان ليست الوحيدة من نوعها, فتقابلها واقعة التحرش الجماعي التي حلت بفتاتين في شارع الجامعة نفسها العام الماضي والتي سلطت الضوء على هذه الظاهرة.

 

تُظهر دراسة أكاديمية حديثة تعرض 53 بالمائة من الأردنيات٬ للتحرش الجنسي بأنواعه المختلفة٬ مبينة أن أكثر أنواع التحرش الجنسي شيوعا هو"التحرش اللفظي"٬ يليه "التحرش بالنظر والإيماءات"٬ ثم"التحرش باللمس"٬ ثم باستخدام وسائل الاتصال المختلفة.

 

الدراسة التي أعدها الباحث في دراسات السلام والنزاعات٬ محمود جميل الجندي وحملت عنوان: "التحرش الجنسي جريمة بلا دليل"٬ عزت أسباب التحرش الجنسي إلى عدة عوامل٬ منها: الوضع الاقتصادي الصعب والفقر والبطالة٬ وقلة الوعي الديني والثقافي للمتحرشين٬ ولباس المتحرش بها٬ والانتشار الواسع لوسائل الإعلام والاتصال.

 

المتحرش بها

الطالبة الجامعية سلوى تتعرض للتحرش بشكل كبير أثناء وجودها في الجامعة،  وحسب الطالبة "تتنوع أشكال التحرش من تعليقات ليس فيها إيذاء نفسي وتقتصر على وصف الجمال فقط،  وصولا إلى  التحرش المقترن باللمس أو وصف الجسد".

 

وأضافت "لباسي ليس على درجة عالية من الإحتشام؛ فأنا أحب الموضة والأزياء، واعتبره فن، لكن بنفس الوقت لا أرى في لباسي ما يخدش الحياء العام، فأنا ألبس من باب الأناقة وليس الإغراء".

 

سلوى تعتقد أن "العوامل والأسباب المؤدية إلى التحرش كثيرة ومتعددة، ولا تعفي لباسها من الأمر فهي تقول أن "قلة الاحتشام هي عامل، أضافة إلى الخلل النفسي عند الشخص المتحرش ونسبة الجهل والتخلف والقصور العقلي التي تلعب دورا كبيرا في تفاقم هذه الظاهرة، وخصوصا عدم تقبل الاختلاف وكل ما هو جديد، ولكن السبب الرئيسي يعود إلى غياب القانون وعدم وجود عقوبات صارمة رادعة بحق هؤلاء".

 

ولم تلجأ سلوى إلى القانون؛ "لتخوفها من الفضيحة و من لوم المجتمع لها في ظل غياب محاسبة المُتحرش ضمن القانون".

 

وبيّنت الدراسة أن الأسباب التي يعتقد أفراد العينة بأنها تؤدي إلى السكوت عن التحرش٬ تمثلت بالخوف من الفضيحة بنسبة ٬% 33 ثم اختصار المشكلة ومنع تفاقمها بنسبة 28 % ثم ضعف إثبات الواقعة % 14 ثم الخوف، يليها انتقام المسؤول أو المدير بنسبة % 12 ثم قبول المتحرش بها بأشكال التحرش المختلفة بنسبة 6%.

 

قصور في التشريعات

و لا ينصّ قانون العقوبات الأردني على مواد ونصوص صريحة تعاقب المتحرش، وتُكيّف حالات التحرش بناء على مواد تتعلق بالأخلاق العامة والآداب مثل هتك العرض.

 

المحامية هالة عاهد ترى أن "القانون الأردني غطى جوانب من ظاهرة التحرش و أغفل أخرى"، مطالبة "بإجراء تعديلات على التشريعات بخصوص ظاهرة التحرش، لقصورها وعدم مواكبة هذه الظاهرة وأشكالها، رغم انتشار التحرش، حيث لم يستخدم القانون الأردني مصطلح التحرش ولم  يتناول أشكاله المتعددة".

 

و دعت المحامية إلى "تدارك هذه المسألة وحصر أبرز أشكال التحرش ومظاهره ووضع عقوبات رادعة عليه، في الوقت الذي يخضع فيه قانون العقوبات للتعديل في ديوان الرأي والتشريع".

 

و على صعيد المجتمع المدني تقول المحامية عاهد أن مؤسسات مجتمع مدني تسعى "لإنشاء مراكز تأهيلية تمثل المرأة و تعمل على صقل شخصيتها والقضاء على خوفها من لوم المجتمع لها وإعطائها الحق بالدفاع عن نفسها وتقديم شكوى ومتابعة لاحقة للمتحرشين كإعادة التأهيل و تقديمهم لخدمة مدنية وإعادة تقييم نظرته للمرأة".

 

وبيّنت عاهد، ستعمل هذه المراكز على  متابعة النساء الناجيات من التحرش نفسيا و صحيا حسب نوع التحرش، بحيث يتم إعادة تأهيلها وكيف تتعامل مع هذه الحالة ".

 

تجارب تحرش

علي شاب سبق له التحرش، يلقي اللوم على "لباس الفتاة"، و يعطي نفسه الحق بأن يتحرش بالفتيات اللواتي يرتدين "بنطالا ضيقا و ومتبرجات".

 

و يعتقد علي أن "التحرش بالفتاة المحتشمة يعتبر اضطرابا لدى الشخص المتحرش"، قائلا إن " لباس الفتيات في الأردن لا يتناسب مع المجتمع الأردني الشرقي المحافظ" وعلى نقيض ذلك يتقبله في الدول الغربية.

 

أما بالنسبة لمعتصم فان "التحرش عادة يمارسها بوجود أصدقائه من باب المزاح والفكاهة"، قائلا أنها "قلة الوازع الديني بالدرجة الأولى، إلى جانب قلة الأدب وسوء التربية".

 

يقول "أن طريقة لباس الفتاة في بعض الأحيان وما تبديه من إيماءات لي هي ما يدفعني للتحرش بها".

 

 رأي علم النفس

المختص النفسي باسل الحمد "لا يعتبر التحرش مرضا نفسيا لعدم وجود معطيات وأساليب ومحددات، لكن في حال تمادي المُتحرش بأفعاله كالتعدي على الأشخاص بالشارع، يعتبر عندها اضطرابا في الشخصية فقط وليس مرضا".

 

وأرجع الحمد سبب التحرش إلى "خوف الرجل من خروج المرأة إلى الحياة العامة لاحساسه بأنها تشكل تهديدا له بمنافسته جزئيا، مضيفا أن "الدور التقليدي للمجتمع المحافظ الذي لا يتقبل خروجها من المنزل وإلى سوق العمل ساهم في تمادي المتحرش على النساء اللواتي يمارسن حقوقهن بالخروج للشارع".

 

وقال "المجتمع المحتشم ليس له أي دور، لكن الدول المحتشمة لا تشرع قوانين لمنع التحرش بل تلقي اللوم على المرأة نفسها في هذه القضية".

 

وأضاف أن "الظاهره ليس بالضرورة أن تقترن بالتعليم؛ لأن ليس كل متعلم مثقف"، وأضاف "الجهل الفكري سبب رئيسي في هذه الظاهرة، "والنساء في مثل هذه المجتمعات يغضضن النظر عن عمليات التحرش ولا يتخذن أي إجراءات قضائية بحق المتحرش بهن لتبقى فرصة خروجهن من البيت والذهاب للعمل موجودة". حسب الحمد.

 

وأظهرت الدراسة الأماكن الأكثر تعرضا بها النساء والفتيات للتحرش٬ حيث احتل الشارع أكثر الأماكن التي تتعرض به النساء والفتيات للتحرش٬ بنسبة ٬%37 ثم أماكن التجمعات والتسوق٬ بنسبة 28% ثم الجامعة ٬%26 ثم أماكن العمل 9% .

 

وتجدر الأشارة إلى أن نسبة انتشار ظاهرة التحرش في الأردن بلغت معدلات مرتفعة حسب مختصين، الأمر الذي يؤشر على وجود ظاهرة تتزايد تستدعي إيجاد حلول سريعة.

أضف تعليقك