عجز الموازنة.. هوّة عصية على الردم

عجز الموازنة.. هوّة عصية على الردم
الرابط المختصر

ليس كل ما يلمع ذهبا، وإن كان ما يلمع في موازنة الحكومة للعام الحالي هو عجز مقداره 688 مليون دينار، إلا أن ما يخفف وطأته على السامعين، قدرة الحكومة على تقليصه باستجلاب المزيد من المنح والمساعدات الخارجية التي ساهمت بتلميع صورة العجز "الحقيقي" البالغ 1.816 مليار دينار.

 

 

وليس جديدا أن تصدر الحكومات المتوالية على الأردن موازنات "عاجزة"، علّتها "الرسمية" تتمثل بافتقار المملكة للموارد المحلية، ودواؤها "المستسهل" يكمن في المساعدات الخارجية والتي اعتمدت عليها عاما بعد عام، لتكون المحصلة أن لا وجود لموازنات غير عاجزة في كل تاريخ المملكة.

 

 

اقتصاديا؛ يشير عجز الموازنة الذي يشكل الفارق ما بين نفقات وموارد الدولة، إلى الخلل في توزيع النفقات الحكومية، بما يعني الحاجة إلى إعادة ترميم الموازنات بناء على فرضيات جديدة واستنادا إلى الدخل الحقيقي للدولة، بحسب الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت.

 

 

فيما تؤكد الحكومة قدرتها على خفض عجز الموازنة للعام الحالي بحوالي 998 مليون دينار، مقابل 1286 مليون دينار المعاد تقديره نهاية العام الماضي.

 

 

ويشير وزير المالية أمية طوقان إلى تحول عجز الموازنة، إذا ما تم استبعاد عجز كل من شركة الكهرباء الوطنية "780 مليون دينار"، وسلطة المياه "233 مليون دينار"، إلى فائض مقداره 15 مليون دينار.

 

 

ويوضح الكتوت بأن أبرز اختلال في بنية الموازنة يتمثل بذهاب حصة الأسد من نفقات الدولة لصالح النفقات الجارية على حساب الرأسمالية، الأمر الذي يساهم بزيادة الهوة في عجز الموازنة، إضافة إلى النفقات التي يمكن الاستغناء عنها.

 

 

وشكلت النفقات الجارية في موازنة العام الحالي 6.9 مليار دينار، في حين لم تتجاوز النفقات الراسمالية 1.174 مليار دينار، حيث تذهب ما نسبته 34% من النفقات الجارية إلى تعويضات العاملين في الجهاز المدني والعسكري وفاتورة التقاعد.

 

 

أما الكفة الأخرى من معادلة العجز، إيرادات الدولة، فقاربت في الموازنة الـ 6 مليارات دينار، والتي يدفع المواطن ما نسبته 70% منها من خلال الضرائب المباشرة وغير المباشرة، إضافة إلى المساعدات الخارجية، وهو ما لا يكفي مجموعه تغطية نفقات الدولة التي زادت عن إيراداتها بملياري دينار تقريبا.

 

 

إلا أن الكتوت يشكك بصحة أرقام الإيرادات المحلية الواردة بالموازنة والتي وصفها بالمبالغ بها، لافتا إلى أن الحكومة أصرت على تخصيص مبلغ 180 مليون دينار بدل دعم المحروقات رغم استبعاد تجاوز أسعار النفط حاجز الـ100 دولار.

 

 

فيما تبرر الحكومة اعتمادها سعر الـ100 دولار لبرميل النفط، بـ"التحوط الاقتصادي"، متحملة بذلك العوائد الضريبية نتيجة انخفاض أسعار المشتقات النفطية المقدرة بـ150 مليون دينار.

 

 

وتعتمد الدولة على جانب المنح الخارجية من إيراداتها، لدعم عجز الموازنة، ولتنفيذ مشاريع أخرى، الأمر الذي لا يرى فيه الكتوت فاعلية حقيقية، مستشهدا بالمنحة الخليجية والبالغة 5 مليارات دولار، والتي أنفقت على مشاريع البنية التحتية، دون الاستفادة منها في مشاريع تحقق وفرا على الخزينة، أو تدر دخلا ولو متواضعا.

 

 

ورغم انخفاض عجز الموازنة المقدر لهذا العام، إلا أن هنالك تراكما في الجانب الآخر على أرض الواقع جراء لجوء الدولة إلى الاقتراض والمساعدات لتمويل الموازنة وتسديد ديون سابقة، وما يترتب عليها من فوائد.

 

وتقدر الحكومة انخفاضا بحجم قروض تمويل الموازنة لهذا العام، بعد أن رفعت المنظمات الدولية يدها عن الدعم بنسبة تصل إلى 60 %، مما يجبر الحكومة على استبدال الاقتراض من صندوق النقد بالتوجه للأسواق العالمية بسندات أوروبية، إضافة إلى طرح الصكوك الإسلامية، التي ستسجل نحو نصف مليار دينار، وفق التسريبات الحكومية.

 

 

 

فيما يرى الكتوت أن الحكومة أصبحت تستهل سياسة الاقتراض على حساب المشاريع الاستثمارية، لافتا إلى خطورة ارتفاع الدين العام وفوائد الدين الذي يتحملها المواطنون في نهاية الدورة الاقتصادية للدولة، حيث بلغت حصة المواطن من الدين العام حوالي ثلاثة آلاف دينار العام الماضي.

 

 

مساعدات اقتصادية في مفاصل سياسية

 

 

تستند الحكومة على الاقتراض الخارجي لتمويل نفقاتها سواء كانت الرأسمالية أو الجارية، كما أن هذه القروض أو المنح التي تقدم لسداد قروض قديمة، مما يبقي المملكة في دائرة القروض والدعم الخارجي الأمر الذي يحكم سياستها الخارجية، على مبدأ قيادة الاقتصادي للسياسي.

 

وفي تتبع تاريخ المساعدات الخارجية للأردن لدعم عجز الموازنات الحكومية، قال يظهر صدر عن المرصد الاقتصادي المستقل، ارتفاع المساعدات الخارجية للمملكة في فترة ما بين عامي ١٩٩٣ و ١٩٩٤ عندما وقعت الأردن معاهدة السلام مع إسرائيل، "كمكافأة" للأردن، بعد أن تراجعت الاحتياطيات الأجنبية لتغطي خمسة أسابيع فقط من الواردات في عام ١٩٩٤.

 

 

و في ذلك الحين، أصبح الأردن واحدا من أكبر متلقي المساعدات الأميركية في العالم، حيث حصلت المملكة في وقت لاحق على ستة قروض من البنك الدولي وثلاثة أخرى من صندوق النقد الدولي.

 

 

ويشير التقرير إلى أن "سلسلة التنازلات" التي قدمها الأردن عام ١٩٩٦ أدت إلى زيادة أخرى في الدعم المقدم له عندما وقع اتفاقيات المياه والتجارة مع إسرائيل في عام ١٩٩٦ كمتابعة لمعاهدة السلام.

 

كما قرر الأردن في ذات العام خفض صادراته إلى العراق إلى النصف (مورد النفط الرئيسي) والسماح للقوات الجوية الأمريكية باستخدام أراضيه للقيام بأعمال عسكرية ضد العراق.

 

 

كل هذه المواقف التي اتخذها الأردن، رفعت مستوى المساعدات الأمريكية للأردن في نفس العام إلى ٢٣٧ مليون دولار أمريكي، أي بنسبة ٣٨٢٪  فوق متوسط مستوى المساعدات الأميركية للأردن في السنوات الخمس السابقة ١٩٩١ - ١٩٩٥.

 

 

وشملت هذه المبالغ صفقة دعم الجيش التي بلغت ٣٠٠ مليون دولار بالإضافة إلى  تزويد الأردن بطائرات متقدمة.

 

 

وعلاوة على ذلك، فإن صندوق النقد الدولي صرف حوالي الستين مليون دولار بعد في أول "مراجعة" للاقتصاد، كما وافق على طلب من الحكومة الأردنية لاستبدال تدابير موسعة لها بقروض جديدة بلغ مجموعها حوالي ١٩٥ مليون دولار على فترة ثلاث سنوات.

 

 

وفي عام ١٩٩٦ نفذت الحكومة برنامج التكيف الاقتصادي الثاني بضغط من صندوق النقد الدولي، والذي ركز كالعادة على نفقات الدعم.

mas