ضحايا اتجار بالبشر .. خلف القضبان

ضحايا اتجار بالبشر .. خلف القضبان

عاماً كاملاً قضته العاملة السيرلانكية "سيدراني" موقوفةً إدارياً في مركز إصلاح وتأهيل الجويدة في العاصمة عمّان، لعدم تمكنها من دفع الكفالة المالية أو ثمن تذكرة طائرة العودة لبلادها، بعد أن قبضت عليها الشرطة لانتهاء تصريحي "العمل"و"إذن الاقامة"، ليتضح لاحقا أنها كانت ضحية اتجار بالبشر وتم تشغيلها بالسخرة على مدار عامين على الأقل.

 

"سيدراني" التي تبلغ من العمر 44 عاماً، أم لطفلين، قدمت إلى الأردن عام 2004 عبر مكتب استقدام اتفق معها عبر عقد موقع على راتب مقداره 200 دولار، إلا أنها صدمت أن المكتب وافق على تشغيلها 3 مرات براتب لا يزيد عن 100 دولار، والذي لم تقبض منه شيئاً حتى انتهاء فترة تعاقدها عام 2006، بحسب حديثها لنا.

 

تستذكر "سيدراني" تجربة عملها لدى إحدى العائلات في محافظة مأدبا لمدة عام دون أجر أثناء فترة عقدها، بالقول: "كنت أستيقظ في الخامسة فجراً لغسل السيارات، ثم أذهب للعمل في المدرسة التي يمتلكها رب الأسرة التي أعمل عندها، وبعد انتهاء الدوام كنت أعود إلى المنزل للعمل حتى الساعة الثانية صباحاً".

 

وبعد انتهاء فترة عقد "سيدراني" توجهت إلى سفارة بلادها، التي تواصلت بدورها مع كفيلتها وطلبت منها استلامها أو دفع ثمن تذكرة طائرة العودة، إلا أنها رفضت، مما أجبر سيدراني على البقاء لمدة 7 شهور في السفارة، قبل أن تطلب منها المغادرة للبحث عن عمل للحصول على ثمن التذكرة، الأمر الذي اضطرها للعمل بظروف غير قانونية وبرواتب لم تزد عن 100 دولار لمدة 7 سنوات، ليتم القبض عليها عام 2013 وتوقيفها إدارياً في مركز إصلاح وتأهيل الجويدة.
Untitled-4

تعتبر "سيدراني" ضحية اتجار بالبشر الذي يشمل تعريفه العمل بالسخرة، والتي كان من الممكن أن لا نعرف قصتها، لولا لقاءها داخل سجن الجويدة للنساء بفريق تابع لمركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان نهاية عام 2013، وهي الحالة التي تشبه عشرات الحالات، التي تبين بعد احتجازهن إدارياً أنهن ضحايا اتجار بالبشر.

 

ظروف احتجاز "صعبة"

 

مركز تمكين قابل في زيارته الأخيرة لمركز الجويدة خلال شهر آذار الماضي 25 عاملة، تتوزع جنسياتهن ما بين الفلبينية والسيرلانكية وبالنغالية، ولا يستبعد المركز احتمال كون 18 سيدة من بينهن ضحايا اتجار بالبشر.
1
نائب المدير التنفيذي في مركز تمكين ديالا العمري، والتي شاركت في الزيارة، تقول إن القائمين على مركز الجويدة يجهلون المعلومات التي قالتها الموقوفات للفريق، واللواتي أكدن أنه لم يتم سؤالهن حول ظروف عملهن أثناء مراحل التحقيق الأوّلي وبعد أن تم توقيفهن إدارياً، والتي تتنوع ما بين الامتناع عن دفع الأجور، مروراً بالاعتداء الجسدي والنفسي، وانتهاء بالاعتداء الجنسي في بعض الحالات.

 

حالة أخرى ليست مختلفة لعاملة المنزل الفلبينية "ماريا"، التي تعرضت للاحتجاز الإداري خلال هذا العام بعد انتهاء إذن إقامتها، وتؤكد ماريا أنها لم تُسأل حول ظروف عملها أثناء مرحلة التحقيق الأولية في المركز الأمني، أو حتى بعد نقلها إلى مركز التوقيف الإداري، الجويدة.

 

تقول ماريا، وهو الاسم المستعار لها، إنها غادرت العائلة التي كانت تعمل لديها بعد أن أساءت معاملتها، حيث أجبرتها على العمل من الساعة السادسة صباحاً حتى الثانية عشر ليلاً، مع احتجاز جواز سفرها لاجبارها على العمل طوال هذه الساعات.

 

وتشير ماريا إلى عدم حضور محامٍ للدفاع عنها في مرحلة التحقيق، ولم تُسأل إن كانت ترغب بذلك أو حتى ترغب بوجود مترجم، وأكدت أنها وقعت على إفادتها دون أن تفهم ما كتب فيها لأنها تجهل قراءة اللغة العربية.

 

تصف العاملات الموقوفات إدارياً ظروف احتجازهن في مركز احتجاز الجويدة بـ"الصعبة"، وخاصة أنه يتم حجز نحو 20 نزيلة في زنزانة واحدة، ولا يسمح لهن باقتناء سوى قطعة واحدة من الملابس، بالإضافة إلى أن النزيلة تزود فقط بقطعتي صابون طوال فترة إقامتها، وفي حال انتهائها تجبر على شرائها من "الكانتين" المعروف بـ"المقصف".

 

وتقول نزيلات للفريق الميداني لتمكين إنه لا يتم تزويدهن بأي من احتياجاتهن النسائية، ويجبرن على شرائها من المقصف، ومن لا تملك المال منهن تقوم بتمزيق ملابسها واستخدامها.

 

كما تواجه النزيلات صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية، وخاصة مع صعوبة التواصل مع القائمين على المركز، وهو الذي وصل إلى الكشف مؤخراً عن إصابة إحدى الموقوفات بمرض السرطان في مراحله الأخيرة عن طريق الصدفة.

 

ودعا فريق "كرامة" لرصد السجون التابع للمركز الوطني لحقوق الإنسان إلى تمكينه من تنفيذ زيارات غير معلنة إلى مراكز الإصلاح والتأهيل، للوقوف على واقع هذه المراكز، بينما تؤكد مديرية الأمن العام إنها تعمل بشكل منهجي على إصلاح البيئة السجنية منذ نحو 7 سنوات.

Un1titled-1
 

صلاحيات الحاكم

 

يملك الحاكم الإداري و المتصرف صلاحيات توقيف العمال الوافدين الذين قد تنتهي رخصة إقامتهم أو عملهم في البلاد، حتى يصوبوا أوضاعهم، أو يعودوا إلى بلادهم، وذلك وفقاً لأحكام قانون منع الجرائم (المثير للجدل) والمعمول به بالأردن منذ عام 1952 والذي يمنح الحاكم الإداري و المتصرف صلاحية توقيف لمدة غير مقيدة، في حين أن سلطة التوقيف القضائي قيدت وفقاً لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية.

 

ووصل عدد الموقوفين الإداريين خلال العام الماضي إلى 20216، بينهم 2304 سيدة بنسبة 11% من مجمل الموقوفين،  بحسب الإحصائيات الصادرة عن مديرية مراكز الإصلاح والتأهيل.

 

ولا يعرف بالتحديد عدد الموقوفين إدارياً من غير الأردنيين، حيث انتقدت منظمة "مشروع الاحتجاز الدولي السويسري" مؤخراً غياب هذه الإحصائيات، ودعت الأردن إلى توفيرها.

 

ولطالما طالب المركز الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة مستقلة شبه حكومية، في تقاريره السنوية بإلغاء قانون منع الجرائم أو تعديله لتدخله في عمل السلطة القضائية، كما أنه يساهم في احتجاز حرية الأفراد الموقوفين لفترات طويلة دون عرضهم للمحاكمة، وصلت في بعض الحالات إلى 10 سنوات، كما يوثق المركز.
Untitled-1 - Copy
ويؤكد المركز في تقريره عن العام 2013 أن الأجانب الموقوفين إدارياً هم الأكثر تعرضاً لطول الاحتجاز وفق قانون منع الجرائم، وذلك بسبب عدم قدرتهم على دفع الكفالة المالية أو بسبب تأخر إجراءات الإبعاد أو البت بأمر الموقوف، والتي تساهم في زيادة الاكتظاظ بمراكز الإصلاح والتأهيل وزيادة الاضطرابات، على حد وصف التقرير.

 

 

تحقيقات أمنية منقوصة

 

مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل الأسبق الدكتور حسين الطروانة يقول إن قانون منع الجرائم يعطي الموقوف الحق في معرفة تهمته قبل حجز حريته، موكداً أن القانون يمنح الموقوف الحق في أن يتم التحقيق معه بشكل كامل، ومعرفة تهمته وقيمة الكفالة المالية قبل أن يتم إيداعه في السجن.

 

كما يؤكد الطروانة، الذي كان مديراً لدائرة الشؤون القانونية في الأمن العام، بأن بعض السلوكيات الإدارية قد تخالف قانون منع الجرائم، وذلك بعد سؤاله حول أسباب عدم التعرف على ضحايا البشر المحتملين قبل توقيفهم إدارياً أو حتى بعد ذلك.

 

المركز الوطني لحقوق الإنسان يشير إلى أن بعض الحكام الإداريين يخالفون الأصول القانونية، ولا يسمحون للمحامين بحضور مرحلة التحقيق مع المشتبه بهم قبل توقيفهم إدارياً، بحسب تقريره الأخير.

 

الناطقة السابقة باسم الحكومة، ومديرة المعهد الدولي لتضامن النساء المحامية أسمى خضر تؤكد على حق عاملات المنازل الأجنبيات اللواتي يتم القبض عليهن في الدفاع عن أنفسهن، عبر توفير محام ومترجم، خاصة في مرحلة التحقيق الأولى.

 

"يجب على التحقيقات أن تحيط بكافة الجوانب، وأن تسأل العاملة الوافدة عن ظروف عملها عند التحقيق مع هذه الفئة والتي قد تكشف أنهن ضحايا اتجار بالبشر"، تقول خضر التي تدعو إلى ضرورة مراجعة التشريعات الناظمة لسوق العمل في الأردن لحماية هذه الفئة من الاستغلال.

 

تشبيك ومتابعة

 

وحدة مكافحة الاتجار بالبشر التابعة لمديرية الأمن العام تؤكد إنها تلقت سابقاً معلومات من مؤسسات مجتمع مدني أو من إدارة السجون حول بعض العاملات الموقوفات إدارياً واللواتي توبعت قضايهن على أنهن ضحايا محتملات للاتجار بالبشر.

 

ومع ذلك، يشير مدير الوحدة عماد الزعبي إلى أن ليس كل من تم حجز جوازها أو تأخر رب عملها في تسليمها راتبها هي ضحية اتجار بالبشر، فقد يكون هذا مؤشر برأيه، لكنه يؤكد على ضرورة توافر مجموعة من المؤشرات الأخرى حتى تعتبر ضحية محتملة، موضحا أن الحكم النهائي في هذه الحالات يعود إلى القضاء.

 

ويتم احتجاز الموقوفة إدارياً التي يشتبه بأنها ضحية اتجار بالبشر في دار إيواء مختصة، بحسب الزعبي.
3

 

وتُعد تكلفة اللجوء إلى القضاء ورفع القضايا المرتفعة عائقاً في تقديم شكوى وهو ما يدفع بعضهن أحياناً للبقاء في الحجز الإداري، إلا أن بعض مؤسسات المجتمع المدني تقدم الخدمة القانونية لهذه الفئة، والتي ساعدت مؤخراً عاملاً مصرياً بالحصول على تعويض مادي، وهو الأمر الذي يعد سابقة قضائية.

 

وتشتكي بعض العاملات الوافدات من تقصير سفاراتهن في متابعة قضاياهن، كما سجل تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان الخاص بأوضاع مراكز الإصلاح والتأهيل، إلا أن سفارات أخرى تقدم خدمة وصفت بالجيدة، كالفلبينية التي استحدثت مكتبا مختصا لمتابعة رعاياها العاملين، بالإضافة إلى مركز لإيواء العاملات، بحسب متابعين.

 

وقد تختصر عملية استيفاء المعلومات الكاملة من العاملات اللواتي قد يكن ضحايا اتجار بالبشر في مرحلة التحقيق من كل هذه المسافة والتعقيدات، فليس من المنطق أن تكون الضحية التي ارتكبت مخالفة بسيطة خلف القضبان، ومن ارتكب جرم "الاتجار بالبشر" حرا طليقا.

 

 ** هذه المادة أعدت باشراف مشروع تعزيز الحوار العام حول  قضايا حقوق الانسان من خلال الاعلام

أضف تعليقك