رجل أعمال أردني يحتال على مستثمر روسي بملايين الدنانير والقضية قد تسبب أزمة بين البلدين..والكرملين يتدخل (وثائق)

رجل أعمال أردني يحتال على مستثمر روسي بملايين الدنانير والقضية قد تسبب أزمة بين البلدين..والكرملين يتدخل (وثائق)
  • الكرملين تدخل من خلال سفير الاتحاد الروسي في عمان غليب ديسياتنيكوف
  • وتخوفات من تأثير القضية على ثقة الاستثمار الروسي في الأردن
  • المعشر استغل علاقاته مع شخصيات متنفذة لإيهام الضحية
  • المدعي العام أصدر مذكرة منع السفر بحق سامر المعشر وأسند إليه تهمتي الاحتيال واساءة الائتمان مكررة أربع مرات
  • عمان نت حاولت الاتصال مع جميع الأطراف لكن بعضها رفض التعليق
  • قرر المدعي العام إسقاط دعوى الاحتيال وإساءة الائتمان "لعلة التقادم"
  • شكوى جزائية جديدة ضد سامر المعشر من خلال المطالبة بتطبيق قانون الجرائم الاقتصادي

 

في أواخر شهر تشرين أول الماضي، فوجئ وسيط تجارة الأراضي المهندس أنور محمد عبد الرحمن العويدي العبادي وهو في زيارة لمكتب أحد المحامين المعروفين في عمّان بوجود صورة لشيك بإسمه بين رزمة من صور الشيكات الأخرى الصادرة من حساب رجل الأعمال الأردني "سامر أنيس المعشر"، وكان ذلك الشيك صادراً عن البنك الأهلي بإسم أنور العويدي وبمبلغ يقارب المليون دينار. يقول العويدي انه أصابته الصدمة لرؤيته هذا الشيك، فسأل المحامي "لماذا بحوزتك شيك بإسمي بهذا المبلغ الضخم؟ أنا لم أقبض هذا المبلغ من سامر ولم أر هذا الشيك في حياتي"!!.

 

أنور العويدي قال لـ"عمان نت" أنه قام فعلاً في عام 2006 بالتوسط لبيع أراضي تقع في قرية البحاث غرب عمان لرجل الأعمال المعروف سامر أنيس المعشر، وتقاضى في حينها عمولة 132 ألف دينار فقط من سامر المعشر مقابل جهوده.

 

وقال أنور العويدي "أنا لم أقبض إلا هذا المبلغ وبواسطة شيكين مسحوبين على البنك العربي الدوار الخامس، ولم أقبض في حياتي مبلغ الـ (906,620) دينار من البنك الأهلي المدوّن في ذلك الشيك.

 

المحامي شرح للعويدي أن تلك الشيكات وعددها 28 شيكاً كان سامر المعشر قد سلم نسخاً منها لموكله المستثمر الروسي يفغيني نوفيتسكي وذلك لتوثيق ادعائه أنه كان قد اشترى الأراضي المذكورة بالأثمان المذكورة في تلك الشيكات، إلا أن أنور العويدي قال للمحامي أنه هو الذي توسط في عملية البيع تلك، وأنه يذكر جيداً القيمة الحقيقية التي استلمها أصحاب تلك الأراضي من سامر المعشر، ثم قام العويدى بمراجعة سريعة لباقي الشيكات الـ 28 والتي تم تحرير معظمها بأسماء اشخاص من عشيرة العبادي ومنهم سيدات في سن كبير، فأوضح للمحامي أنها أرقام كاذبة ولا تمت للحقيقة، وأنها جميعها تحمل أرقاماً مضاعفة لما تم دفعه في الواقع من قبل سامر المعشر لأصحاب تلك الأراضي.

أصل القصة

تفاصيل القصة هي أنه في عام 2005، تمكن رجل الأعمال الروسي المهندس إيفجيني نوفيتسكي من طرح أسهم شركة الاتصالات الروسية الضخمة "Systema" والتي كان يرأسها منذ 1995 في اكتتاب عام في سوق لندن للأوراق المالية بأكثر من مليار ونصف دولار، حيث كان أول وأكبر إكتتاب عام من نوعه لشركة روسية، وبعدها بفترة قصيرة في عام 2006، تم تعريف  نوفيتسكي على مواطن أردني اسمه "سامر أنيس منصور المعشر"، والذي صوّر نفسه بأنه صديق مقرب من العائلة المالكة في الأردن، حيث قام من أجل إيهام نوفيتسكي بذلك وكسب ثقته بترتيب لقاءات له في الديوان الملكي الهاشمي العامر، وبعد أن حاز  المعشر على ثقة نوفيتسكي التامة، قام بإقناعه بما زعم أنه فرصة نادرة للإستثمار في العقارات بضواحي عمان، وعلى أثرها قام نوفيتسكي بتحويل مبلغ عشرون مليون وخمسمائة ألف دولار أمريكي (20,500,000$) لحساب المعشر الشخصي لشراء قطع الأراضي المعنية في قرية البحاث غرب عمان، إذ أن  المعشر كان قد أكد للسيد نوفيتسكي بأن لديه معلومات حقيقية بأن المنطقة ستتحول إلى مدينة جديدة، وبالتالي ستتضاعف قيمتها.

 Systema
Systema

إثبات قيمة الأراضي

إلا أنه وعندما طلب  نوفيتسكي من سامر الالمعشر ما يثبت قيام الأخير بدفع ثمن تلك الأراضي لأصحابها، قام  المعشر بتزويد نوفيتسكي بصور فوتوستاتية لثمانية وعشرين شيكاً بنكياً من مصرفين مرخصين في الأردن، مذيلين بتوقيع  المعشر من حسابه الشخصي في تلك البنوك، حيث زعم المعشر أنه قد دفع فعلاً تلك المبالغ لأصحاب تلك الأراضي المذكورة أسماؤهم في تلك الشيكات، وكان مجموع قيمة تلك الشيكات حوالي إثنان وثلاثون مليون دولار، أي أن  المعشر قد أوهم نوفيتسكي أنه بالإضافة لمبلغ الـ (20,500,000$) الذي حوله له نوفيتسكي، استثمر المعشر فوق ذلك من ماله الخاص حوالي 12 مليون دولار وقام بشراء ما مجموعه (519) دونماً في تلك المنطقة.

زفاف في حديقة قصر زهران

في صيف 2008، دُعِيَ  نوفيتسكي إلى عمان لحضور زفاف سامر المعشر، والذي عقده في الحديقة الملكية المقابلة لقصر زهران العامر، حيث قام سامر المعشر أيضاً بتعريف نوفيتسكي على عدد من الأمراء ومن الأعيان والوزراء والشخصيات الأردنية الوازنة، إلا أنه وفي تلك الزيارة، قام نوفيتسكي من خلال مكتب عقاري محلي بتقييم أثمان الأراضي التي اشتراها سامر المعشر لحسابه، وتفاجأ بوجود إختلاف كبير لقيمة الأراضي السوقية عن الأسعار المدونة في الشيكات الـ 28 المذكورة، ووجد أيضاً أن الأراضي المعنية لا زالت مسجلة بإسم  المعشر شخصياً ولم يتم نقل ملكيتها إلى إسم نوفيتسكي.

قضية حقوقية

وبعد عدة محاولات باءت بالفشل للتوفيق ما بين السعر السوقي للأراضي وبين السعر الذي ادعى سامر المعشر أنه دفعه بموجب الشيكات الـ 28، وبعد إخفاق سامرالمعشر في نقل ملكية حصة ا نوفيتسكي من تلك الأراضي بإسمه رغم إلحاح الأخير على ذلك، أقام نوفيتسكي دعوى مدنية ضد المعشر في عمان للمطالبة بمبلغ الـ (20,500,000$) الذي حوله له نوفيتسكي، تمت تسويتها ودياً عن طريق مخالصة أبرمت في 2010، حيث أصر  المعشر على أن أسعار الأراضي المذكورة في الشيكات الـ 28 هي القيمة الحقيقية التي دفعها المعشر مقابل الـ (519) دونم، وبالتالي رد المعشر للنوفيتسكي مبلغ خمسة ملايين دولار فقط من أصل الـ (20,500,000$) بناءاً على المبالغ التي اعتقد نوفيتسكي أن المعشر قد دفعها ثمناً لتلك الأراضي.

بموجب تلك التسوية وبناءاً على المبالغ المدونة في الشيكات الـ 28، قام  المعشر بتحويل (227) دونماً من الـ (519) دونم بإسم شركة يملكها نوفيتسكي، بينما احتفظ لنفسه ولشقيقه ماهر المعشر بسند تسجيل الــ (292) دونم المتبقية، وبهذا انتهت العلاقة بين الطرفين.

ولذلك كانت المفاجأة الكبرى عندما علم  نوفيتسكي عن طريق محاميه بما أبلغه به أنور العويدي بعد لقائه المحامي في عمان، إذ تيقن عندها بأن المعشر قام باستعمال كامل مبلغ الـ(20,500,000$) الذي حوله له  نوفيتسكي لشراء الـ 519 دونم دون أن ينفق المعشر قرشاً من أمواله الخاصة، أي أن نوفيتسكي اكتشف لأول مرة بأن سامر المعشر قام باستخدام الـ 28 شيكاً المزيفة من أجل خداعه والاستيلاء على أمواله، فحضر إلى الأردن في أوائل هذا العام 2019 وتقدم بشكوى جزائية ضد سامر المعشر لدى مدعي عام عمّان  رامي الطراونة.

المدعي العام يحقق

المدعي العام قام بعمله على أكمل وجه، وفعلاً استمع إلى شهادات الشهود وأصدر في 5-1-2019 مذكرة منع السفر بحق سامر المعشر وأسند إليه تهمتي الاحتيال وإساءة الائتمان مكررة أربع مرات، كما وقام المدعي العام بمخاطبة بنكي الاتحاد والأهلي بخصوص تلك الشيكات، حيث أكد البنك الأهلي بتاريخ 11-2-2019 "أنه وبالرجوع إلى سجلاتنا تبين بأنه لم يتم عرض الشيكات المشار اليها أعلاه للصرف على حساب العميل المذكور أعلاه، علما بأن الحساب مغلق منذ عام 2010." أما بنك الاتحاد فرد على المدعي العام بكتاب بتاريخ 13-2-2019  "بأنه وبعد مراجعتنا لكشف حساب عميلنا /سامر أنيس منصور المعشر فإنه لم يتبين لنا قيد قيمة أي من الشيكات المرفقة مع طلبكم."

المدعي العام أيضاً قام باستجواب كافة من لهم علاقة بالموضوع ومنهم المحامين والوسيط العويدي وأصحاب الأراضي والمتهم سامر المعشر، وخرج بقرار من ست صفحات ينص على "تأكيد المذكور أسمائهم في الشيكات انهم لم يتسلموا من المشتكى عليه (سامر المعشر) أصل هذه الشيكات بل استلموا شيكات أخرى مصدقة"، ويستمر المدعي العام رامي الطراونة بالقول في قراره:

"وثبت أن المشتكى عليه استخدم هذه الشيكات لإيهام المشتكي (نوفيتسكي) أنه صرف المبلغ في شراء الأراضي وذلك خلافاً للحقيقة والوقائع حيث أن السعر الذي دفعه حقيقة أقل من الذي ورد في صور الشيكات."

ورغم تثبيت جرمي الاحتيال وإساءة الأمانة مكررة أربع مرات ضد سامر المعشر، إلا إنه وفي تحول مفاجئ قرر المدعي العام إسقاط دعوى الاحتيال وإساءة الائتمان "لعلة التقادم"، رغم أن الشكوى كانت مقدمة خلال فترة الثلاث أشهر من تاريخ علم المجني عليه بالجريمة المنصوص عليها في القانون.

التقادم بين ثلاثة سنوات وثلاثة أشهر

يختلف فقهاء القانون حول كيفية احتساب التقادم في قضايا الاحتيال، فرغم أن المادة 339 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص على أن الشكوى في الجنح لا تسمع بعد ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب الجريمة (الاحتيال وإساءة الائتمان هي "جنح" في القانون)، إلا أن هناك مادة أخرى تنص على أن عداد التقادم يبدأ من تاريخ اكتشاف المجني عليه للجريمة الواقعة بحقه، وكما قال المحامي وكيل المستثمر الروسي في التماس للمدعي العام حول قرار التقادم أنه "في الجرائم المتسترة مثل الاحتيال، والتي بطبيعتها تقتضي أن يكون الجرم نفسه خفياً عن العيان ويكون الضحية غافلاً كلياً عن واقعة الخداع  والتدليس الذي ارتكبه المجرم بحقه، فقد أفرد لها المشروع مادة خاصة في قانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث نصت المادة 3/2/أ ان الحق في تقديم الشكوى يسقط بعد ثلاث أشهر من تاريخ علم المجني عليه بوقوع الجريمة". ويقول محامو المستثمر الروسي أنه من غير المنطق معاقبة الضحية على عدم تبليغه عن جريمة لم يكن يعلم عن وقوعها أصلاً، وأنه من غير المتعارف عليه استنفاذ وقت وتكاليف ثلاث أشهر من التحقيق وسماع الشهود وتكاليف سفرهم وتسطير كتب للبنوك وإثبات وقوع الجريمة إذا كانت هناك نية لحفظ الشكوى بسبب التقادم من الأساس.

تدخل موسكو

قرار المدعي العام لم ينه القضية، فقد تدخل الكرملين من خلال سفير الاتحاد الروسي في عمان غليب ديسياتنيكوف والذي وجه رسالة يوم 30 نيسان 2019 لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي طالب فيها بضرورة "إزالة كل ما لا يساهم في الارتقاء في العلاقات بين الأردن والاتحاد الروسي." وختم السفير الرسالة المكونة من ثلاث صفحات باللغة العربية بأمله أن يتم "المعالجة العادلة والموضوعية للقضية المذكورة وفقاً للإجراءات القانونية للمملكة الأردنية الهاشمية الصديقة."

جمانة غنيمات الناطق باسم الحكومة الأردنية لم ترغب بالتعليق بل وجهت الأمر لوزارة الخارجية، في حين قال الناطق باسم الخارجية الأردنية سفيان القضاة  لـ"عمان نت" أن "مثل هذه القضايا مكانها الطبيعي هو القضاء".

خطوات قانونية جديدة بموجب قانون الجرائم الاقتصادية

علمت “عمان نت” من مصادر قانونية مقربة للمستثمر الروسي أنه سيتم خلال الأيام القليلة القادمة تقديم شكوى جزائية جديدة ضد سامر المعشر من خلال المطالبة بتطبيق قانون الجرائم الاقتصادية رقم 11 لعام 1993، حيث تنص المادة 10 منه بكل صراحة ووضوح أنه "لا تسري احكام التقادم على الجرائم المرتكبة خلافا لأحكام هذا القانون ولا يسري هذا التقادم على العقوبات المقررة لها". ويعتبر خبراء قانونيون أن قضية الاحتيال من خلال شيكات وهمية على مستثمر أجنبي كبير تعتبر جريمة اقتصادية مكتملة الأركان حيث أن هذا التصرف الاحتيالي من قبل  المعشر قد تسبب بأضرار بالغة لمكانة الأردن الإقتصادية في نظر مجتمع رجال الأعمال الروس، وسيكون لهذه الجريمة بالغ الضرر على بيئة الاستثمار في الأردن وعلى المناخ الاستثماري للمملكة في نظر نوفيتسكي وأقرانه من المستثمرين ورجال الأعمال في روسيا وخارجها، لا سيما أن هذا الانطباع السلبي لسمعة الاقتصاد الأردني سيتفاقم كون المعشر ثبت أنه قام بإرتكاب جريمته عن طريق استغلال علاقاته بمقامات عليا لا علاقة لها بما قام به المعشر، وذلك لكي يكسب ثقة نوفيتسكي ويخدعه ويمارس احتياله عليه.

سمعة المصارف الأردنية والثقة العامة بالشيكات والسندات الصادرة عنها

يقول خبراء القانون بأن الشيك هو "السند" المذكور في قانون الجرائم الاقتصادية في مادته الثالثة التي تنص على أن "الجريمة الاقتصادية هي أي جريمة تلحق الضرر بالمركز الاقتصادي للمملكة، أو بالثقة العامة بالاقتصاد الوطني او العملة الوطنية أو الأسهم أو السندات أو الأوراق المالية المتداولة أو إذا كان محلها المال العام."، أي أن استخدام دفاتر الشيكات الصادرة عن المصارف الأردنية لها ضوابطها وقوانينها الصارمة حسب تعليمات وأنظمة البنك المركزي، إذا لا يجوز أن يستخدم أي شخص هذه الشيكات من أجل إصدار الشيكات الوهمية وممارسة الاحتيال على الناس.

هذا وجاء في بيان صحفي للمستثمر الروسي نوفيتسكي وصل الى "عمان نت" نسخة منه "أنه في حال إغلاق المحاكم أمامه في الأردن، فإنه سيضطر آسفاً إلى اللجوء للمحاكم والهيئات الدولية لتحصيل حقوقه، مما سيتسبب بالمزيد من الضرر غير المرغوب به للسمعة الاستثمارية للمملكة الأردنية ولمكانتها الاقتصادية."

 

 المستثمر الروسي نوفيتسكي
المستثمر الروسي نوفيتسكي

(كافة محاولات الاتصال ب سامر المعشر للحصول على رأيه في القضية باءت بالفشل رغم وجود توثيق عبر تطبيق الواتس اب يفيد بأن سامر المعشر قد استلم الطلب بإجراء لقاء صحفي معه>حسام المعشر محامي سامر المعشر اتصل ب عمان نت قبل النشر محاولاً منع النشر وفي سؤال للتعليق رفض إبداء أي رأي سوى قبول توصيات المدعي العام بإسقاط الحق العام عن موكله.

  •    وثائق القضية محفوظة لدى "عمان نت"

 

أضف تعليقك