خمس رصاصات على باب قصر العدل

خمس رصاصات على باب قصر العدل

على بوابة مبنى قصر العدل في العبدلي، برزميته التي تجسد معاني العدالة ونبذ الظلم، تضرج جسد الكاتب الصحفي ناهض حتر بدمائه، بعد أن استقرت فيه خمس طلقات من مسدس أحدهم، في سابقة شكلت صدمة في الشارع الأردني، وبين كتاب الرأي.

 

الكاتب عريب الرنتاوي، يصف الحادثة بالجريمة النكراء غير المسبوقة، حيث لا مبرر من أي نوع لإهدار دم كاتب أو مثقف أو رسام، فكيف حين يكون “قصر العدل” هو مسرحاً لتلك الجريمة؟

 

ويضيف الرنتاوي بأن "الرصاصات التي أصابت حتر في مقتل، ألحقت أفدح الأذى بالمؤسسة الأمنية والقضائية الأردنية، وضربت بشظاياها الأردنيين جميعا".

 

ورغم خلافه مع مواقف حتر في الشأن الداخلي وشؤون المنطقة، إلا أن الكاتب يستهجن ردة فعل “المؤسسة الرسمية” على ما أقدم عليه الراحل من إعادة نشر كاريكاتير يصور فهم الغلاة والمتطرفين الذين نحب أن نسميهم “خوارج”، للحساب والثواب واليوم الآخر و”الجنة التي توعدون”، ومن على قاعدة أن “ناقل الكفر ليس بكافر”.

 

فـ"نحن إذن، أمام جريمة اكتملت أركانها للمرة الأولى، تستدعي موقفاً حازماً من قبل الحكومة، التي يحملها قسم من الرأي العام الأردني، المسؤولية عن التقصير في مواجهة التحريض والتهديد، والتردد في الضرب بيد من حديد على يد المتطاولين على القانون وعلى حياة الناس وحقوقهم وحرياتهم، مثلما تستدعي موقفاً شعبياً موحداً، يذكر بالوحدة الوطنية بأرقى تجلياتها".

 

كما تؤكد الكاتبة جمانة غنيمات، أن الرصاصات التي اغتالت حتر لم تستهدفه وحسب، وإنما استهدفت وطنا بأكمله، بوحدته الوطنية والدينية، بكل ما فيه من مكونات وألوان وأطياف، مشيرة إلى أن القاتل كان يستهدف بث روح الكراهية وإشاعة الفتنة بين مكونات مجتمع لم يعرف الفتنة الطائفية في يوم من الأيام.

 

وتعرف غنيمات عن استغرابها من حجم البغض الساكن في قلوب الكثيرين، ومقدار الحقد الذي لم يخجل أو يرعوي حتى من قتل إنسان، بغض النظر عن التوافق مع رأيه أو الاختلاف، حيث نضحت وسائل التواصل الاجتماعي بخطاب كراهية وجهل غير مسبوق.

 

ويستوجب ذلك، بحسب غنيمات، أن نقف لحظة تأمل لتشخيص واقع مجتمعنا وتحديد عللنا وأمراضنا، لمعرفة علاجها، وحتى نبرأ من الجهوية والعصبية والطائفية التي تسربت إلينا، لأسباب كثيرة من بينها استشراء الفكر الظلامي الذي استغل ضعف دولة المؤسسات والقانون.

 

أما الكاتب حسين الرواشدة، فيقول إن من أطلق النار على حتر ليس فقط ذلك الشخص المحسوب على خط “ التطرف “ الديني ، وإنما المسؤول عن ذلك شبكة عريضة وعميقة من الأفكار والمفاهيم والمواقف والفتاوى والاستفزازات المتبادلة التي أفرزت هذا “ القاتل “ وربما ستفرز غيره.

 

ويشير الرواشدة إلى أن حالة الاغتيال على خلفيات فكرية أو دينية غريبة على مجتمعنا الذي اتسم خلال تجربته الطويلة بالاعتدال والتسامح والعيش المشترك، موضحا أن التطرف الذي يجب أن ننتبه إليه لا يتعلق فقط بالتنظيمات التي نحاربها خارج الحدود ، وإنما بالافكار التي تتوالد في مجتمعنا، وتجد من يتبناها ويروج لها.

 

ويستعرض الكاتب ثلاثة مسائل "هامة"، أولها فهم التحولات التي طرأت على مجتمعنا في السنوات الخمس الماضية ومعرفة ما أفرزته من ظواهر مثل التطرف والكراهية، وثانيها البحث كدولة ومجتمع عن مضامين ووسائل جديدة وفاعلة لمواجهة ظاهرة التطرف، أما المسألة الثالثة فتتعلق بتعميم ثقافة الاختلاف وإدارته في مناهجنا ووسائل إعلامنا.

 

من جانبه، يؤكد محمد أبو رمان، أن مثل هذه  الواقعة دخيلة تماما على ثقافتنا، مشيرا في الوقت نفسه أنها لم تأت من فراغ، بل هي جزء من سياق بدأنا نسير فيه منذ فترة، إذ تنامت حالة انقسام اجتماعي وثقافي على خلفية الموقف من التطورات الإقليمية، تحديداً ما يحدث في سورية، ثم انتقلت إلى معارك داخلية، مثل مناهج التربية والتعليم وقضية ناهض حتر نفسه.

 

ويضيف أبو رمان بأن "جريمة اغتيال ناهض بمثابة ضربة شديدة على رأسنا جميعاً، نحن الأردنيين، كي نصحو، ونفكّر بصورة جدية في حماية وصيانة الحالة الداخلية والسلم المجتمعي والأهلي، وردّ الاعتبار لثقافة التعددية والقبول بالآخر والحوار، والخروج من حالة "العصابية" التي وقعنا فيها جميعا".

 

كما انها تمثل ضربة شديدة على رأس الدولة التي تجاهلت أهمية الرسالة السياسية والمؤسسات الثقافية في حماية المجتمع من التطرف والانقسام، ومن ضرورة إعادة تصميم رسالة الدولة السياسية بوضوح، وتقديم وصفة واضحة للمستقبل.

 

ويلفت الكاتب رحيل غرايبة، إلى ما تحمله حادثة اغتيال حتر من آثار ودلالات في غاية الخطورة، ومن أشد مظاهرها أثراً مدمراً على المجتمع هو التبرير الفكري والديني الذي يتيح لأحدهم التصرف خارج دائرة القانون، وبعيداً عن قوة الدولة.

 

ويوضح غرايبة بأن الخطورة المزدوجة تأتينا من خلال الذين يحملون جهلاً مركباً ومزدوجاً، جهلاً بالدين من جهة، وجهلاً بالواقع وضعف القدرة على قراءة المشهد السياسي والتعامل معه.

 

فـ"نحن نبحث عن الحرية، ونسعى للدولة التي تعلي شأن الحرية، وإيجاد القوانين التي تحمي الحريات، والحل مع المخالفين بامتلاك القدرة على الحوار القائم على الحجة والبرهان، والحرية لا تعني الإساءة للأديان ولا المعتقدات، ولا لأصحابها، ولا تسمح لهم باستخدام القوة والإكراه في كل ما يتصل بذلك".

 

من جهته، يشير الكاتب عمر كلاب إلى أنه لا يمكن توجيه الاتهام إلى مَن اطلق الرصاص فقط، فالجريمة النكراء التي أودت بحياة حتر تقع في باب الجريمة الجماعية التي يتحمل مسؤوليتها كثيرون آخرهم مُطلق الرصاص، بعد أن تركنا مجتمعنا فريسة للجهل والتخلف والتعصب.

 

ويضيف كلاب بأنه ومنذ فترة والتجييش الفكري تستعر ناره داخل المجتمع، تارة بين علمانيين أو إقصائيين ومتدينين لا يقلون إقصائية.

 

ويلفت إلى أن "ثمة غاطس يقبع في وجدان الأردنيين يدفعهم نحو الحفاظ على وطنهم وعلى أمنهم وعلى سلمهم الأهلي، يعاني من اختناق صحيح، لكنهم قادرون على استنهاضه إذا ارتفع منسوب الامل لديهم بالجدية في التغيير وتجاوز الأزمة".

 

فيما يشدد الكاتب ماجد توبة، على أن القصة ليست، ولن تكون، هوية الضحية أو جنسها أو فكرها وايديولوجيتها، على أهميتها الإنسانية الكبيرة، بل هي في من عششت برؤوسهم كراهية مقيتة لمن يختلفون معهم فكريا وسياسيا وايديولوجيا.

 

و"بعيدا عن قضية الكاتب المرحوم ناهض حتر، التي كان يحاكم بدعواها امام القضاء، فإن الاجواء العامة التي عكستها وتعكسها حالة الجدل العام والاستقطابات الواضحة حول قضية المناهج والكتب المدرسية خلال الاسابيع الماضية، بل وحتى منذ ما قبل ذلك بكثير، كانت وما تزال تؤشر الى انحدار مستوى النقاشات الوطنية والعامة في مجتمعنا الى مساحات وانزلاقات خطيرة"، بحسب توبة.

 

ويحمل الكاتب النخب الثقافية والسياسية والنقابية والحزبية المسؤولية الأساسية اليوم عن انحدار الخطاب والنقاش الوطني إلى مساحات الكراهية والتحريض والغوغائية، بمثل هذه الخطابات التي لا تعترف بالتنوع ولا بالخلاف والتباين في الآراء والمواقف.

 

ويسجل الكاتب حمادة فراعنة، ورغم اختلافه مع مواقف ووجهات نظر حتر، رفضه لتعرضه للأذى أو حتى المساءلة القانونية على رؤية له أو موقف يتبناه، فـ"مهما اتسعت فجوة الخلاف يجب أن لا نرتكب جريمة إيذاء الآخر حتى ولو أخطأ أو تجاوز حدوده".

 

ويلفت فراعنة إلى أن "جريمة اغتيال الراحل ناهض حتر تعني بوضوح أن تنظيمي داعش والقاعدة وأدواتهما وذئابهما كامنة عندنا، وقد فشلوا مرات ومرات، وها هم نجحوا في اغتيالنا جميعاً كمواطنين".

 

أما الكاتب فهد الخيطان، فيشير إلى أن حادثة اغتيال حتر تعد "أول جريمة يمكن نسبها رسميا لإعلام التواصل الاجتماعي، ضحيتها إنسان من دم ولحم".

 

ويضيف الخيطان "هي أول مرة في الأردن،  يتحول اغتيال السمعة من العالم الافتراضي، إلى الواقع الفعلي. ولم يكن المجرم الإرهابي الذي ارتكب فعلته الدنيئة،  سوى أداة تنفيذية لأناس افتراضيين،  تولوا محاكمة الشهيد وإصدار حكم الإعدام عليه"، على حد تعبيره.

 

ويعتبر الكاتب صالح القلاب، أن الرصاصات التي أطلقت على حتر، لم تستهدفه هو فقط، وإنما استهدفت أيضاً بالدرجة الأولى الأردن كوطن للأخوَّة والتعايش وكاستقرار.

 

ويضيف القلاب "لا يمكن إلا أن يُعتَبَر إغتيال «زميلنا» ناهض حتر، الذي قد يختلف بعضنا مع مشاكساته ومع الكثير من أرائه السياسية، جريمة بشعة ومرفوضة دينياً وأخلاقياً وإنسانياً وسياسياً ولا يمكن إلاّ إعتبار القاتل أنه مجرم وأن ما قام به هو عمل إرهابي أساء أول ما أساء إلى الإسلام السمح المتسامح".

 

 

ويلفت الكاتب إلى أنها ليست صدفة أن يرتكب هذا القاتل المجرم جريمته في هذه الفترة بالذات وبعد الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي عززت نظرة العالم الإيجابية لبلدنا ولشعبنا.

أضف تعليقك