المسكوت عنه في الاعلام: ارباك للمواطن وإثارة للكهانة والاشاعات

المسكوت عنه في الاعلام: ارباك للمواطن وإثارة للكهانة والاشاعات
الرابط المختصر

كثيرة هي التطورات التي تحدث في البلد ولا يتناولها الاعلام المحلي بالبحث والتقصي وتقديم القصة كاملة عنها للناس.

 

في الايام الاخيرة حدثت عدة تطورات منها استقالة وزير الداخلية حسين المجالي واحالة مديري الدرك والامن العام الى التقاعد، واحداث معان، وزيارة رئيس الديوان الملكي الاسبق باسم عوض الله الى السعودية ونقله رسائل من الملك الى القيادة السعودية، والعلاقات الاردنية الفلسطينية والجفاء الذي بدا واضحا في منتدى "دافوس-البحر الميت" بين الرئيس الفلسطيني والقيادة الاردنية.

 

اما على صعيد التطورات في المحافظات، فيجري على شبكات التواصل الاجتماعي تداول تعليقات واخبار، وربما اشاعات، عن حركة بيع وشراء كبيرة على السيارات واحيانا الاراضي في وادي موسى، بشيكات آجلة، وباسعار تقل كثيرا عن اسعار السوق، ويبدو ان هذا الامر قد بدأ يتحول الى "قلق" ومسألة رأي عام، ومخاوف من تكرار تجربة "البورصة الوهمية".

 

تبدو كلمة "مفاجأة" هي الكلمة الانسب لوصف حال "السياسة" والاعلام في البلد، فالاعلام "تفاجأ" بـ"اقالة" وزير الداخلية والقيادات الامنية، وتفاجأ باندلاع احداث معان، وبزيارة عوض الله الى السعودية، وتصريحات رئيس الوزراء عبدالله النسور حول "خشية بلاده من ان تتفاجأ بمفاوضات سرية بين السلطة الفلسطينية واسرائيل".

 

بدون أي مقدمات اعلن التلفزيون الاردني، 17 ايار، قبول استقالة وزير الداخلية السابق حسين المجالي واحالة مديري الامن العام والدرك الى التقاعد. وعزت الحكومة اسباب هذا التغيير في بيان غير مسبوق، الى "تقصير في ادارة المنظومة الامنية".

 

ستجتهد وسائل الاعلام في "تحليل" اسباب "اقالة" القيادات الامنية، لكن كل هذه التحليلات لن تخرج عن نطاق ما ذكره بيان الحكومة، وان اختلافات "الصياغات" بين وسيلة اعلام واخرى.

 

لكن هل "تفاجأت" وسائل الاعلام حقا بهذا القرار، ام كان لديها معلومات سابقة، وخاصة عن الخلافات التي استشرت بين قيادات المنظومة الامنية وسببت "التقصير" الذي تحدثت عنه الحكومة.

 

يبدو ان الصحافة او بعض الصحفيين كانوا على اطلاع بما يجري "خلف الكواليس" قبل صدور قرار الحكومة بكثير، يؤكد على هذا فهد الخيطان في مقاله له بصحيفة "الغد"، بعنوان " اين يقودنا التغيير في القيادات الامنية؟". لكن هؤلاء امتنعوا، عن تناول هذا الشأن قبل الإعلان الرسمي، وهكذا لعب الإعلام دوره في "مفاجأة" الجمهور أيضا.

 

لم يعد خافيا بالطبع ان الصحفيين ، بحسب ما اكد تقرير حالة الحريات الصحفية لعام 2014 الصادر عن مركز حماية وحرية الصحفيين، يتجنبون الكتابة عن الجيش والأجهزة الأمنية، وكشف، التقرير، انه لأول مرة يتجنب الصحفيون الكتابة عن الديوان الملكي".

 

والحال نفسه جرى مع زيارة باسم عوض الله الى السعودية ونقله رسائل ملكية الى القيادات السعودية، هذا الخبر الذي تكتم عليه الديوان، واعلنه التلفزيون ووسائل الاعلام السعودية، ونقلته بعض وسائل الاعلام المحلية عن نظيرتها السعودية، فيما تكتمت وسائل اعلام اخرى عليه، او تجنبت نقله طالما ان الديوان الملكي لم يصدر أي شيء عن هذه الزيارة، وهو ما يؤكد النتيجة التي خلص اليها تقرير مركز حماية الصحفيين المشار اليه.

 

ولقد وقع خبر "عودة" عوض الله الى الاضواء بهذه الزيارة وقع "الصاعقة" على الاردنيين، بحسب وصف تقرير لصحيفة "العربي الجديد" من عمان. وكثرت التحليلات عن احتمال عودة عوض الله لتسلم منصب ما في الدولة، لكن كل هذا جرى في اطار التكهنات وغياب المعلومات وتكتم الجهات المعنية، وخاصة الديوان الملكي.

 

ومرة اخرى، سيتصدى فهد الخيطان لـ"توضيح" ابعاد و"دلالات" هذه الزيارة، في مقاله في "الغد"، بما يوحي ان الخيطان "هو وحده من يمتلك القصة كاملة للزيارة"، كما اوحى بذلك في مقاله المشار اليه سابقا حول تغيير القيادات الامنية.

 

مقالات الخيطان المدعمة بـ"معلومات"، يبدو الكاتب على ثقة منها، تثير مرة اخرى السؤال عن "انتقائية" مسؤولي الدولة في "تسريب" المعلومات للصحفيين، او بالاحرى لقلة من كتاب الاعمدة، او بحسب تقرير للاعلامية سوسن زايدة على "حبر"، بان هذه الانتقائية صارت تشكل سياسة تحريريه غير معلنة.

 

لا تختلف التغطية "المنقوصة" وغير الشافية لتصريحات النسور حول "خشية" الاردن من ان تقوم السلطة باجراء مفاوضات سرية مع اسرائيل من خلف ظهر الاردن، فهذا التصريح، مثله مثل "الجفاء" او انقطاع التواصل والقمم الاردنية الفلسطينية، منذ اكثر من عام ونصف، لم تتعامل مع وسائل الاعلام بالتغطية التي يستحقها.

 

وباستثناء نقل تصريح النسور المقتضب للاذاعة الاسرائيلية، فان الصحافة لم تحاول تقصي هذا الشأن، وحتى على صعيد التحليل ومقالات الرأي، فلم يكتب في هذا الشان سوى عريب الرنتاوي في "الدستور" وفهد الخيطان في "الغد"، وهما اشتكيا ايضا من تكتم المسؤوليين الاردنيين عن أي معلومات لديهم دفعت النسور للاعراب عن مخاوفه هذه. وهكذا ترك المواطن بدون أي معلومات حقيقية او متابعة جدية لهذا التطور تبدد من قلقه او توضح له الاسئلة التي اثارها تصريح النسور.

 

منذ حوالي اكثر من شهر يتداول مواطنون "اخبارا" عن ظاهرة بيع كبيرة للسيارات في وادي موسى بشيكات مؤجلة لمدة اربعة اشهر، وعمليات البيع والشراء هذه تتم بما يخالف الاسعار بحسب السوق، يشتري التاجر السيارة باكثر من 30% من سعر السوق ويبيعها باقل من 20 الى 30 % من السعر.

 

هذه "الظاهرة" اصبحت عرضة للتكهنات والاشاعات الكثيرة، وحظيت بمتابعة واهتمام شديدين على شبكة "الفيسبوك" لكن الصحافة لم تتصدى لها بالشكل الكافي حتى الان.

 

وقد تداولت بعض المواقع الاعلامية كـ"عمون"، و "جراسا" وقناة "رؤيا"، وغيرها العديد من المواقع، لكن بقيت الظاهرة دون تحقيق جدي من الصحافة، لا بل ان الصحافة زادت في غموض الظاهرة، بوصفها احيانا بـ"اللغز" او "الغموض"، عوضا عن التحقق.

 

موقع "نيسان"، مثلا، نشر مادة عن "الظاهرة"، ربما زادت من ارباك المتابعين اكثر من محاولة فهم ما يجري، فقد تسألت المادة حول سبب عمليات البيع والشراء هذه، وعن ما اذا كانت "امول العقيد معمر القذافي قد دخلت" البتراء.

 

وحتى الان لم يعرف القاريء القصة الكاملة حول "البيع الاجل " هذا، هل هو امر عادي وطبيعي، كما يقول بعض المعلقين، ام انها "عمليات نصب" واحتيال وتلاعب كما جرى في قضية البورصات، او كما جرى في السعودية قبل عدة اشهر من انتشار هذه الظاهرة التي اطلقت عليها وسائل الاعلام السعودية "الترميش" وتبين ان فيها عمليات غش كبيرة وقع ضحيتها عدد كبير من المواطنين واحيل العديد من ابطالها الى المحاكم.

 

على كل هذه التطورات، تركت المواطن في حالة ارتباك وتشويش، بسبب نقص المعلومات ونقص المتابعة الجدية لها، ولقد لخص الكاتب نارت محمد خير الامر بقوله، على صفحته على "فيسبوك": عودة "باسم عوض الله" لـ"الأضواء المعلنة"، والتأخّر غير المألوف في تعيين مدير الأمن ومدير الدرك، وتطوّرات الأوضاع الإقليمية شرقاً وشمالاً وغرباً تجعل الأيام القادمة فرصة "ذهبيّة" للتحليلات والتخييلات ومختلف ضروب الكهانة السياسيّة التي أدمنها المواطن الأردنيّ. حين لا يكون لك من الأمر شيء لا علماً ولا رأياً، فليس لك إلا "الكهانة وفك الحُجب ورمي الودع"!

 

أضف تعليقك