الدولة والإخوان .. تحالف الاضطرار

الدولة والإخوان .. تحالف الاضطرار
الرابط المختصر

لا يعكس تأزم العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين في الآونة الأخيرة، الشكل الطبيعي بين التيار السياسي الأكثر بروزا في الشارع الأردني، والنظام الأكثر استقرارا في المنطقة.

 

وبلغ التوتر بين الدولة والجماعة حد توقيف قيادات من الصف الأول كان أبرزهم نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد نهاية العام الماضي.

 

ولم يقابل توقيف بني ارشيد، إضافة إلى توقيف عدد من القيادات الميدانية والنقابية الإسلامية،  بحدة من قبل الجماعة، باستثناء اعتصامات "متواضعة" أمام محكمة أمن الدولة، تزامنا مع جلسات محاكمته.

 

وترجعنا حادثة توقيف بني إرشيد إلى ستينيات القرن الماضي، حينما أوقفت الدولة المراقب العام للجماعة محمد خليفة إثر احتجاجه على سياسات حكومة سمير الرفاعي الأب.

 

العلاقة التي يزيد عمرها عن أكثر من 60 عاماً بين الجماعة والدولة طالما ارتبطت بالأحداث السياسية الداخلية والخارجية، حيث يرى الباحث المختص في شؤون الجماعات الإسلامية إبراهيم غرايبة أن المصالح السياسية المشتركة هي الدفة التي تحدد مسار العلاقة بين الجانبين.

 

جماعة الإخوان التي تعتبر نفسها امتداداً للحركة الأم في مصر، مع تأكيدها على استقلالها التنظيمي، افتتح مقرها العام كجمعية خيرية في عمّان عام 1945برعاية الأمير عبدالله الأول الذي أظهر تعاطفاً مع أفكارها، تجلى بدعوته مؤسس الجماعة حسن البنا لزيارة الأردن، وعرضه عليه ترشيح عضو الجماعة المصري عبدالحكيم عبادين لتقلد حقيبة وزارية في سادس حكومة من عمر الإمارة.

 

واستمر هذا "التعاطف الملكي" مع الجماعة حتى عهد الملك الحسين بن طلال، وبخاصة مع التقاطعات السياسية بينهما في خميسنات وستينات القرن الماضي، فقد وقفت  "جمعية الإخوان" بجانب النظام خلال الأزمات التي شهدها آنذاك، حيث ساندت قرارات الملك في وجه حكومة سلمان النابلسي عام 1956، وضد محاولة انقلاب "الضباط الأحرار" بعد ذلك بعام، كما رحبت عام 1970 بطرد من وصفوهم بـ"المنشقين عن الدين" إثر المواجهات بين الجيش والتنظيمات الفلسطينية.

 

الكاتب سميح المعايطة في كتابه "الدولة والإخوان" يرى أن تعامل الجماعة مع هذه الملفات رسخ لدى الدولة سلمية الجماعة وعدم استغلالها لقاعدتها الشعبية لأي أعمال عنيفة، وهو ما انعكس إيجاباً على شكل العلاقة بين الجانبين، وعلى مساحة الحرية التي حصل عليها الإخوان كجمعية خيرية لها نشاطها السياسي في وقت يضيق به على القوميين ويزج بالشيوعين في السجون، عبر قانون مكافحة الشيوعية.

 

وحتى بداية ثمانينات القرن الماضي، بقي الإخوان أقرب للدولة من المعارضة، إلا أن الدولة استشعرت مع بداية "الانفتاح الديمقراطي" تعاظم قوى الجماعة، الأمر الذي دعاها إلى تقنين علاقتها بها، ومحاولة كبح قوتها والحد من نمو قدارتها المستقبيلة، بحسب الباحث المختص بالجماعات الإسلامية مراون شحادة.

 

"فالدولة كانت متخوفة من وصولهم إلى السلطة"، خاصة مع تشكيل مرشحيهم "المستقلين" قبل تأسيس الحزب السياسي الممثل لهم، لنحو 40% من مجلس النواب الحادي عشر عام 1989.

 

إلا أن هذه النسبة من تمثيل الإخوان عبر مرشحي حزب جبهة العمل الإسلامي "الوليد" لم تتجاوز الـ 25% في المجلس الثاني عشر، بعد إقرار قانون الانتخاب "ذي الصوت الواحد"، فيما قاطعت الجماعة الانتخابات التالية عام 1997 لتعود للمشاركة في انتخابات المجلسين الرابع عشر والخامس عشر والتي أظهرت انخفاض نسبة تمثيلها تحت القبة، قبل مقاطعتها المشاركة في الحياة السياسية.

 

ووصلت العلاقة ما بين الإخوان والنظام إلى مفترق طرق عام 1994 عند تمرير معاهدة وادي عربة من خلال مجلس النواب الذي كان يشغل الإسلاميون 16 مقعداً منه، وهم الرافضون لأي شكل من أشكال التطبيع مع الجانب الإسرائيلي.

 

 

الإخوان في العهد الملكي الجديد

 

وبينما كان الإخوان يتوقعون تحسن علاقتهم بالدولة بعد تسليم الملك الحسين سلطاته الدستورية قبيل وفاته إلى ولي عهده آنذاك الأمير الحسن الذي كان أكثر انفتاحاً على الجماعة، إلا أنهم فوجئوا بنقل ولاية العهد إلى الأمير عبد الله بن الحسين.

 

ولم تتحسن علاقة الإخوان بالدولة في عهد الملك عبدالله الثاني، حيث بدأت بحملة اعتقالات في صفوفهم، ولم تنته بوضع الحكومة يدها على جمعية المركز الإسلامي التابعة للجماعة والتي تعد من أهم أدواتها الاقتصادية، بحجم استثمارات داخلية يقدر بنحو مليار دينار.

 

وسرعان ما تصادم الإخوان بالملك الجديد، بعد أزمة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تعد الذراع الفلسطيني للجماعة  إثر إغلاق مكاتبها في الأردن، بعد اتهامها بمحاولة استغلال الأراضي الأردنية لتحقيق أهداف غير شرعية، وفق الرواية الرسمية.

 

واتسعت الهوّة بين الجانبين بعد ما اعتبر "استفزاز" الإخوان للنظام إثر زيارة عدد من قياداتهم لبيت عزاء القيادي الجهادي أبو مصعب الزرقاوي الذي يقف خلف تفجيرات عمّان، وهي الخطوة التي ردت عليها الدولة بتوقيف تلك القيادات.

 

ومع حلول انطلاقة "الربيع العربي" لم يختلف موقف "إخوان الأردن" عن الجماعة الأم في مصر بعدم المشاركة مع الشرارات الأوّلى للاحتجاجات الشعبية، إلا أنهم واكبوا هذا الحراك ليصلوا بالشعارات إلى حد المطالبة "بإصلاح النظام"، عبر تعديلات ستورية لتقليص صلاحيات الملك، إضافة إلى الغاء نظام الصوت الواحد في قانون الانتخاب.

 

ورغم استبعاد الباحث إبراهيم غرايبة لوصول التأزم بين الجماعة والدولة إلى حد الصدام المباشر، إلا أنه لا يرى عودة مرتقبة لصورة هذه العلاقة إلى ما كانت عليه قبل عام 1982، مؤكدا في الوقت ذاته بقاء الجماعة جزءا من الحالة السياسية الأردنية، وهو ما يمثل الرغبة الرسمية المعلنة.

 

 

الجماعة والأحزاب .. الإخوة الأعداء

 

تذبذب علاقة الإخوان لا يقتصر على الدولة، إذ كان العنوان الأبرز في تعامل الجماعة مع الأحزاب السياسية، من وقوفها في صف النظام تاريخيا بوجه التيارات اليسارية وتحديدا الشيوعية، الأمر الذي لم يمنع من عقد تحالفات اتسمت بالهشاشة بين مختلف التيارات ضمن قوانين اللعبة السياسية.

 

كما وقفت الجماعة مع باقي التيارات السياسية على تباين مشاربها الفكرية، منذ تحالفها مع الأحزاب الأخرى ضد "حلف بغداد" عام 1955، وصولا إلى تشكيل تنسيقية المعارضة كتعبير رافض لتوقيع اتفاقية وادي عربة.

 

وتواصل تعامل الإخوان بهذه الطريقة حتى عام 2011، الذي شهد تحالف الإخوان والاحزاب في الحراك الشعبي، إلا أن هذا التحالف سرعان ما شهد انقساما حادا وفقا لاختلاف المتحالفين وتباعد وجهات نظرهم بالأحداث الإقليمية ولا سيما على الساحة المصرية والسورية، بناء على التباين السياسي والفكري.

 

هذا الانقسام، ترك الجماعة، وقد يكون لأول مرة تاريخيا، في منطقة عزلاء، فلا هم ملتقون مع أحزاب المعارضة الأخرى، ولا هم في بوتقة النظام، مع تزايد  حدة الأزمة بينهما.

 

 

أزمة في رحم الجماعة

 

بدت بوادر صراع داخل الجماعة ساهم "فشلها" في انتخابات المجلس الثاني عشر في تفاقمه، أدى لاحقا  لبروز تيارين بين صفوفها، أحدهما يدعو لاستمرار العلاقة مع النظام، وآخر أكثر رديكالية دعا منذ البداية إلى عدم المشاركة في انتخابات "الصوت الواحد" وتشكيل معارضة للنظام خارج قبة مجلس النواب.

 

وتجلى الصراع الداخلي في انتخابات اللجنة التنفيذية لحزب جبهة العمل الإسلامي وانتخابات المراقب العام للجماعة، عامي 1993و1994، والتي رغم فوز التيار المعتدل فيها، إلا أنها زادت من الانقسام داخل الحركة، والذي استمر حتى عام 2013 تقريباً.

 

وتجدد بروز حركة حماس في الوسط الإخواني الأردني، ليظهر ملف فك الارتباط التنظيمي بين الجانبين تزايد الحدة في صفوف تياريْ الجماعة.

 

ويرى شحادة أن للدولة يدا في تأجيج الصراع داخل جماعة الإخوان بين "الصقور" و"الحمائم" الأمر الذي وصل حد الانفصال عام 2013 وتشكيل قيادات الحمائم وعلى رأسهم القيادي ارحيل غرايبة مبادرة البناء الوطني "زمزم"، إضافة إلى الدعوات المتكررة لعقد مؤتمر للإصلاح الداخلي.

 

وربما يفسر شكل العلاقة التاريخية بين الإخوان والنظام في الأردن واختلاف الظروف الذاتية والموضوعية للمملكة، أسباب عدم اتخاذ خطوات حاسمة تجاه الجماعة، كتصنيف بعض البلدان الخليجية لها على قائمة الإرهاب، أو المواجهة الحادة معها في مصر بعد وصولها إلى سدة الرئاسة ممثلة بالرئيس المعزول محمد مرسي.