الخطأ الطبي: انتهاكٌ للحق في الحياة ولا قانون للانصاف
"فقدان كامل للبصر" هذا ما تسببت بهِ وصفةٌ طبيةٌ خاطئة كتبها طبيبٌ مختص بالعيون لسهيل النشاش "30 عاما" كان راجع العيادة مشتكيا من حساسية بسيطة في كلتا عينيه.
ما بين سوء التشخيص وعدم اعتراف الطبيب بالخطأ بات النشاش يصارعُ للحفاظ ِعلى ما تبقى من بصره بعد استخدام القطرات الخاطئة لمدة سنة ونصف, انتهت بفقدان كامل للبصر بسبب ارتفاع ضغط العين واتلاف العصب البصري.
"كانت مراجعتي للطبيب بسبب حساسية في العين أعانيها في فصل الربيع منذ عامي الثالث عشر, وعلى أساسه استخدم قطرات لتخفيف الألم" يستذكر النشاش ما مر من تجربة قبل أكثر من 15 عاماً.
إلّا أنه في إحدى المراجعات قام الطبيب بوصف قطرات جديدة داوم على اسخدامها مدة سنة و نصف, لم يقم الطبيب بتجديدها عند كل زيارة دون إجراء فحص جديد أو مراقبة آثارها على العين.
"بعد هذه الفترة بدأ النظر يتغير لدي وعند مراجعة نفس الطبيب كان تشخيصه ضعفا في بصري وأحتاج إلى نظارة طبية, إلا أن شكوك والدي دفعهما لاستشارة طبيب آخر الذي تفاجأ بدوره من استخدام هذا النوع من القطرات فهي تحتوي على نسبة عالية من الكورتيزون أدى إلى ارتفاع ضغط العين و إتلاف العصب البصري. كانت هذه المفاجأة الكبرى ولكن بعد فوات الأوان"، يقول النشاش.
عائلة سهيل استسلمت للواقع ولم تلجأ للقضاء لتقديم شكوى، وذلك لما وردهم من أحد الأقارب" أن بمقدرة الطبيب التحايل على القانون وتبرئت نفسه, إضافة إلى عدم وجود قانون ينصف المتضررين من الأخطاء الطبية".
لقضايا الأخطاء الطبية ثلاثة أوجه؛ الأول للشخص المتضرر الذي يلجأ إلى القانون، الوجه الثاني هو متضرر لكنه يمتنع عن تقديم شكوى أو اللجوء إلى القانون بحكم تقاليد تحكمها وساطات وجاهات، أما الوجه الثالث هو للشخص الذي يدّعي الضرر لأغراض مادية كنوع من الاحتيال أو أسباب كيدية تهدف للتشهير بالطبيب.
خطأ آخر
فقدت العراقية شيماء علاوي والدتها قبل عامين، بعدما خضعت لعملية استئصال الزائدة الدودية.
"لم تستغرق العملية أكثر من نصف ساعة, إلا أن الألم الذي كانت والدتي تشتكي منه استمر إلى يومين لم يكترث له الطبيب المتابع فكان الرد أنه من أثار العملية, إلا أنها في صباح اليوم الثالث توفيت".
بحسب أحد الممرضين والذي اعترف لعائلة المريضة بأن طبيبا متدربا هو من قام بإجراء العملية ومن المحتمل أنه لم يحكم إغلاق الجرح الداخلي مما تسبب بنزيف أدى إلى الوفاة المفاجئة, وعند اللجوء إلى القانون تم تبرير الخطأ بأنه من مضاعفات العملية و ليس له علاقة بالخطأ الطبي.
لا عدالة في الخطأ
رئيس الجمعية الأردنية للحماية من الأخطاء الطبية، مصطفى المناصرة، يوضح أن الإجراءات القانونية المتبعة عند وصول شكوى عن الأخطاء الطبية "تحول للقضاء لتحقيق العدالة" فهي تعتمد على تشكيل لجنة تحقيق يكلفها القاضي الشرعي وتتضمن مجموعة من الأطباء ومحامي لغرض النظر بالقضية و تقديم تقرير عنها, وهنا تكمن الثغرة القانونية حيث سيعتمد القرار والحكم على تقرير هذه اللجنة التي "على الأغلب ستكون منحازة للطبيب المتهم".
يتهم المناصرة نقابة الأطباء بعرقلة سن قانون المساءلة الطبية "تقف حجر عثرة أمام مشروع القانون". كان القانون قد أعيدت صياغة بنوده لأكثر من مرتين، وتم إرساله إلى ديوان التشريع.
يقول المناصرة: أن النقابة تستند على فكرة أن القانون يشوه سمعة الأردن وعلى السياحة العلاجية لكن في الأساس هو لإحقاق العدالة لكلا الطرفين.
يأتي الاهتمام المادي للطبيب من أكثر أنواع الاتنهاكات الطبية - بحسب المناصرة -في حين تنقسم بقية الأخطاء إلى عدم مهنية الكادر الطبي, والإهمال في الإجراءات منها سوء التشخيص, يضيف المناصرة "عدم اكتراث الطبيب بالحالة الصحية للمريض لأسباب مادية هي من أخطر الانتهاكات الطبية حيث تتحول هذه المهة والإنسانية إلى تجارة بأرواح المرضى".
الصحة: عقاب الطبيب لزميله أشد
لدى وزارة الصحة إجراءات حازمة تعاقب فيها الطبيب المسؤول إذا ثبُت وجود خطأ طبي قد تصل في بعض الأحيان إلى شطب تسجيل الطبيب ومنعه من مزاولة المهنة، فعقاب "الطبيب لطبيب أشد من العقاب القانوني"، يقول مستشار وزير الصحة للإعلام الدكتور باسم الكسواني.
يوضح الكسواني أن هناك عدد كبير من الأخطاء لا يكون بسبب الطبيب وإنما بسبب مضاعفات مرضية وأن هناك تعريف قانوني وآخر طبي لما يعرف بالأخطاء الطبية، التي يقر بأنها تحدث في كل بلدان العالم ومنها الأردن، مشيرا إلى أن تعديلات قانون نقابة الأطباء شدد العقوبة على الأخطاء الطبية.
ويؤكد بأن القضية الطبية في الأردن يجب أن تناقش ضمن إطار علمي، حاثا وسائل الإعلام على "عدم نشر هذه الأخبار حتى يتم إنتهاء التحقيق بها".
الصحة: لا إحصائيات معلنة
تنفي وزارة الصحة وجود أي إحصائيات خاصة بشكاوى الأخطاء الطبية وأن الأرقام المنشورة في وسائل الإعلام ما هي إلا أرقام غير صحيحة وغير المصرح الإعلان عن أي أرقام خشية التأثير السلبي على القطاع الصحي.
الناطق باسم الوزارة حاتم الأزرعي، يوضح أن الشكاوي التي تصلهم تحّول إلى مديرية الرقابة الداخلة في الوزارة في حال تعلقت الشكوى بالمستشفيات والمراكز الحكومية وكوادرها ، أما المسشفيات والمراكز الخاصة فهي تحول الى مديرية الترخيص التابعة للوزارة.
نقابة الأطباء: لا علاقة لنا بتعطيل مشروع القانون
ترى نقابة الأطباء بأن ما بين "الخطأ الطبي" و"المضاعفات الطبية" فرقُ شاسع فالأخيرة ما هي إلا مضاعفة جسم المريض ولا يمكن اعتبارها خطأ.
ينفي نائب نقيب الأطباء الدكتور رائف فارس وجود أي علاقة للنقابة في الوقوف أمام مشروع قانون المساءلة الطبية.
يوضح أن التأخير بهدف الوصول إلى قانون يحمي جميع أطراف القضية، "كل من يظن أن نقابة الأطباء ضد قانون للمسائلة الطبية وأهم"، وأن السجال حول قانون في الأوساط الطبية والتشريعية وتأخير إقراره منذ 12 عاما بالحاجة إلى دراسته على مهل، إضافة إلى رفض النقابة لقانون أجنبي يتم إسقاطه على الأردن والمجتمع العشائري".
بحسب لجنة الشكاوي في النقابة فإن هناك ٢١ شكوى حولت إلى المجلس التأديبي وتم اتخاذ إجراءات بها، و٣٧ شكوى تم تحويلها ولم يتم اتخاذ أي إجراء؛ بينما هنالك ٢٤٧ شكوى محفوظة فيها قرار مجلس و٣٩ ما زالت تحت التنفيذ خلال العام 2014.
سحب القانون
سبق وأن أتخذت وزارة الصحة قرارا بسحب مشروع القانون المساءلة الطبية من أدراج رئاسة الوزراء في حزيران العام 2009 لغاية إعادة صياغة بعد مواده، بالتنسيق مع النقابة التي لم تتوان دائما عن الاعتراض على كثير من نصوصه التي وصفتها غير مرة بأنها مجحفة بحق الجسم الطبي وإضفاء وصمة على الأطباء، "على أن يكون القانون متوازنا يراعي مصلحة الطبيب والمريض على سواء" يقول نقيب الأطباء السابق أحمد العرموطي.
يرى الفارس أن عدد الأخطاء الطبية في الأردن ضمن المعدل الطبيعي، وأن أغلب الشكاوى التي يتلاقها مجلس النقابة كيدية أو تتعلق بلائحة الأجور، رافضا الإفصاح عن الإحصائيات.
الشكاوي التي تصل للنقابة تقسّمها إلى شكاوي الأتعاب والأجور والمشاكل الفنية والتي ترتبط بإجراءات طبية خاطئة ومشاكل مسلكية والتي تترجم بتعامل المريض أو مرافقيه مع الطبيب والكادر الإداري.
وقال أن الأردن لديه سجل طبي سنوي يرصد فيه كافة الأخطاء والإجراءات العقابية الناتجة عن قرارات اللجان المشكلة للتحقيق في أي خطأ، وأن معلوماته لا تنشر "حفاظا على السمعة الطبية للمملكة والسياحة العلاجية فيها, مشددا على ضرورة أن يفصل قانون المساءلة الطبية في "تمايز" الشكاوى وتصنيفها على أنها شكاوى أجور أو أخطاء.".
تدعو النقابة المواطنين إلى ضرورة التفريق بين الخطأ الطبي وبين المضاعفات أو تطورات الحالة المرضية باعتبار أن اللغط ينعكس على الجسم الطبي ككل.
في التقارير الحقوق
لم يأت آخر تقرير للمركز الوطني لحقوق الإنسان عن عام 2014 على ذكر الأخطاء الطبية بشكل مفصل ليتكفي اللفت إلى ضرورة وجود "آلية وطنية وقانونية للمساءلة الطبية" يؤثر سلبا على القطاع الصحي.
الناشط الحقوقي كمال مشرقي يعتقد أن توفير الرعاية الصحية يكمن في آلية وطنية وقانونية للمساءلة الطبية وبالتالي فإنه يجب العمل على عليها.
قانون المدني
في القانون المدني لسنة 1976 تنص المادة 256 منه على أن "كل إضرار بالغير يُلزم فاعله ولو غير مميز ضمان الضرر" كذلك المادة 265 "إذا تعدد المسؤولون عن الضرر كان كل منهم مسؤولاً بنسبة نصيبه فيه، وللمحكمة أن تقضي بالتساوي أو بالتضامن والتكافل فيما بينهم".
كما أن المادة 266 من ذات القانون "يقدّر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار".
وهنا يستند مدافعون حقوق المرضى على هذه النصوص كمستند في ظل غياب قانون يحمي المرضى من الأخطاء الطبية.
"هناك ضعف الرقابة داخل المؤسسات الصحية" يلخص الناشط الحقوقي كمال مشرقي حوادث الأخطاء الطبية، معتقدا "أن الأخطاء التي يرتكبها الأطباء عادة ما تكون أخطاء جسيمة ولا تحتمل التأخير لأن عواقبها وخيمة وقد تؤدي إلى فقدان حياة إنسان و أو تؤدي إلى مشاكل مزمنة يصعب شفائها".
تضمن جميع التشريعات في حال التقصير والأخطاء الطبية بالحق في الشروع بالملاحقة القضائية أمام الجهات القضائية المختصة بالاستناد إلى التشريعات الجزائية والمدنية رغم وجود توجهات للحصانة إلا أن التشريعات تفرض واقعا قانونيا لا يجوز المساس به بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية الأساسية التي صادقت عليها الحكومة الأردنية .
ويجب العمل على تعزيز دور جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بضرورة العمل على توفير الحماية والرعاية للمرضى وضمان سلامة تمتعهم بصحة جسدية وعقلية سليمة، يقول مشرقي.
تغيب الدراسات المعتمدة والإحصائيات الدقيقة للأخطاء الطبية عربيا في حين تتراوح نسبة ألأخطاء الطبية فى أمريكا وكندا مابين7.5% من نسبة دخول المرضى إلى المستشفيات, في أوروبا نسبة الأخطاء الطبية تتراوح مابين %6 الى11% هذه النسبة تختلف من دولة إلى دولة حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية عن العام 2014.
*التقرير بدعم من منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" الكندية