الأحزاب السياسية.. حالة تقهقر وانتظار لإقرار قانونها

الأحزاب السياسية.. حالة تقهقر وانتظار لإقرار قانونها

تعيش الأحزاب الأردنية خلال هذه الفترة حالة "خمول سياسية"، في الوقت الذي يستعد فيه مجلس النواب لمناقشة عدد من القوانين من بينها قانوني الأحزاب والانتخاب اللذين قد يغيرا شكل الحياة السياسية في الأردن.

 

وتعصف التوترات بالحياة الحزبية على مختلف توجهاتها الفكرية أو السياسية، فالاحزاب اليسارية والقومية مشغولة بأزمة ما بات يعرف، والتي كشفت عن تلقي عددٍ منها تمويلا حكوميا للمشاركة بالانتخابات النيابية الأخيرة، بينما يتشغل الإسلاميون  بحالة التصدع داخل، بعد ترخيص "جمعية الإخوان".

 

وتقر أحزاب بحالة التراجع في فعاليتها خلال هذه الفترة، مرجعين ذلك إلى التحولات الاستثنائية التي شهدها الإقليم، بالاضافة إلى سعي الدولة الدائم لـ"شرذمة" الأحزاب.

 

في المقابل يرى مختصون في الشأن الحزبي أن الحالة تعيشها الأحزاب لا تعتبر "حدثا اسثنائيا"، فمنذ ما بات يعرف بـ"الانفتاح الديمقراطي" في الأردن عام 1989، والأحزاب لا تزال "مكانك سر"، كما يصف بعضهم.

 

مكانك سر

 

تشير سجلات وزارة الشؤون البرلمانية والسياسية إلى وجود 34 حزباً مرخصا على الساحة السياسية، تمتد أيدولوجيا وفكريا من أقصى اليمين الذي تمثله ثلاثة أحزاب دينية إسلامية، إلى أقصى اليسار الممثل بذات العدد، إضافة إلى ثلاثة أخرى قومية، أما باقي الأحزاب فمحسوبة على "الوسط" والمقربة من "تيار" الدولة.

 

وفي دراسة نشرت عام 2012 أعدها مركز الحياة لتننمية المجتمع المدني، ظهر بأن نحو 71% من الأردنيين ليس لديهم معلومات عن الأحزاب السياسية، كما أن 75% من عينة الدراسة قالوا إنهم لا يعرفون الاحزاب لأنهم غير مهتمين بها.

 

هذا الواقع الذي لا يشبه ما كانت عليه الحالة الحزبية بداية تأسيس الدولة الأردنية التي وصلت إلى حد تشكيل حكومة برلمانية عام 1957 بواسطة الحزب الوطني الإشتراكي بعد حصوله على الأغلبية البرلمانية، إلا أن هذه التجربة كانت الأولى والأخيرة، بسبب اتهام رئيس الحكومة وقتها سليمان النابلسي بمحاولة الانقلاب على النظام، مما أدى إلى تضييق الخناق على الشيوعين والقوميين بعد ذلك حتى عام 1989، بينما بقي الإسلاميون باسثناء حزب التحرير يعملون بشكل حر.

 

ويؤكد مدير مركز القدس للدراسات عريب رنتاوي، أن حالة الأحكام العرفية في تاريخ الأردن قضت على حالة حزبية حقيقية، مشيرا إلى أن الأحزاب السياسية في تلك الفترة كانت تعبر حقاً عن فئات من المجتمع وتمتلك تأييدا شعبيا حقيقيا، خلافا على ما هو الحال في هذه الفترة.

 

فيما يقلل مدير مركز الشرق للدراسات جهاد محيسن من الأحزاب السياسية، واصفا الوجود الحزبي على الأرض، بـ"الرمزي، حيث يقتصر الوجود الفعلي على الكتلة الأساسية الأكبر والأكثر فعالية المتمثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، "أما باقي الأحزاب ولا سيما الوسطية فهي أقل من المستوى المطلوب، ولا وجود لها فعلياً".

 

ويرجع محيسن هذا التقهقر الكبير في العمل الحزبي إلى فشل الأحزاب نفسها بالوصول إلى الشارع وإقناع المواطنين بخطابهم السياسي على مختلف شرائحه وفئاته وبخاصة الشباب، "لذلك بقت تراوح مكانها ولم تستطع أن تصنع لها دوراً فاعلاً".

 

قوانين "غير صديقة" للأحزاب

 

يصف عريب الرنتاوي البيئة القانونية الناظمة للعمل الحزبي بالأردن على أنها "بيئة غير صديقة"، ولا يعول كثيراً على مسودة مشروع قانون الاحزاب الجديد التي طرحته الحكومة بداية آذار من العام الماضي، ليكون على جدول مجلس النواب في دورته الحالية.

 

ويؤكد الرنتاوي أن العمل الحزبي لن ينهض إلا بوجود قانون انتخاب يوصل الأحزاب إلى قبة البرلمان، إذ "لا بد أن تساهم الأحزاب في صناعة القرارات السياسية عبر الوصول إلى مجلس النواب، لتتمكن، بعد عدد من الدورات البرلمانية، من تعزيز دورها في الحياة السياسية كما في الديمقراطيات العريقة".

 

وسمح قانون الانتخاب إبان "الانفتاح الديمقراطي" بوجود 20 حزباً، ليرتفع هذا العدد عام 2006 إلى 34، إلا أن صدور قانون الأحزاب بعد ذلك بعام واحد، والذي اشترط وجود 500 عضو مؤسس من 5 محافظات قلص هذا العدد إلى 18 حزبا، الأمر الذي ساهم في إرباك الحالة الحزبية، إضافة إلى مقاطعة عدد من الأحزاب لانتخابات المجلسين النيابيين السادس عشر والسابع عشر لمجلس في ظل استمرار العمل بقانون الانتخابات على أساس "الصوت الواحد".

 

فيما تؤكد الحكومة على أن قانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين، سيساهمان في تعزيز الدور الحزبي، حيث تقلص مسودة قانون الأحزاب عدد الأعضاء المؤسسين للأحزاب من 500 عضو من 7 محافظات، كما في قانون 2012، إلى 150 عضواً دون اشتراط توزيعهم الجغرافي.

 

كما أنها ستنقل مرجعية الأحزاب القانونية من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل، رغم المطالبات الحزبية بأن تكون المرجعية جهة مستقلة عن الحكومة.

 

ومنذ أن وصلت مسودة القانون الجديد إلى مجلس النواب، شرعت لجنته القانونية في لقاء عدد من مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب لمناقشته، وتقديم الملاحظات والتوصيات بشأنه.

 

رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب النائب مصطفى العماوي يقول إنه لا توجد خلافات جوهرية بين الأحزاب على القانون الجديد، إلا أن البعض يطالب برفع عدد الأعضاء المؤسسين، بينما تطالب أحزاب أخرى بخفضه.

 

ويشير العماوي إلى أن هناك مقترحات بتخفيض بعض العقوبات الواردة في مسودة القانون والتي تدور في معظمها حول تلقي التمويل المالي من الخارج، مرجحا تلقي النواب لهذه المقترحات بالقبول.

 

فيما يطالب حزب الشعب الديمقراطي "حشد" بإلغاء مواد العقوبات من مسودة القانون، واقتصارها على قانون العقوبات.

 

ويرى الحزب، بحسب عضو مكتبه السياسي خليل السيد، أن المادة الأكثر خطورة في مسودة القانون هي المادة 30 التي تجبر الأحزاب على ضرورة أخذ موافقة مسبقة قبل إدخال أي تعديل على النظام الداخلي أو البرنامج السياسي.

 

تحديات أمنية أهم .. وبوصلة تائهة

 

يقول أمين عام حزب الوحدة سعيد ذياب إن الحالة السياسية الاستثنائية التي يمر فيها الإقليم، دفعت الأحزاب إلى مراجعة خطابه السياسي وتحالفاتها هو السبب الأكبر في حالة التراجع التي تشهدها الحالة الحزبية في الأردن.

 

ويضيف  ذياب "أن الطبيعة الجديدة التي فرضت بعد ما بات يعرف بالربيع العربي، أعادت جميع الأحزاب إلى دراسة مواقفها التي اتخذتها خلال الفترة الماضية، بعد ما شهده الإقليم من اصطفافات جديدة إثر التحولات وخاصة في مصر وسورية".

 

ويشير إلى أن هذه التحولات أثرت بشكل كبير على تنسيقية أحزاب المعارضة التي شُكلت لمواجهة توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994، والتي كان لها لاحقاً دور كبير في قيادة الحراك الشعبي في الشارع الأردني، إلا أن اختلاف الرؤى حول ما يحدث  في مصر وسورية تسبب إلى ابتعاد الأحزاب اليسارية والقومية عن الحركة الإسلامية المشكلين لها.

 

ويرى ذياب أن بوصلة الأحزاب "تاهت" في زخم الأحداث التي شهدتها المنطقة، وبخاصة مع زيادة حجم الخلافات والتباين في المواقف السياسية حول القضايا المختلفة داخلياً وخارجياً، بعكس الفترة التي كان فيها اجماع على القضية الفلسطينية.

 

وكان للقضية الفلسطينية دور كبير قبل مرحلة "الانفتاح الديمقراطي" في اقناع الشباب إلى الانضمام إلى الأحزاب والمشاركة في العمل الحزبي حتى لو كان بشكل سري، كما يشير الرنتاوي.

 

في المقابل يذهب الأمين العام لحزب الوطني الدستوري أحمد شناق، إلى أن الأولوية في هذه المرحلة ليست للعمل الحزبي بقدر ما هي  "للوطن" المعرض لخطر الجماعات الإرهابية التي يحاربها الأردن ضمن تحالف إقليمي دولي.

 

فـ"المرحلة الآن ليست مرحلة سياسية، إنما مرحلة تاريخية، تفرض على الجميع أن مساندة الحكومة لمواجهة الأخطار الاستثنائية التي يعيشها الوطن، فلا يمكن أن تكون هناك حزبية إن لم يكن هناك وطن"، بحسب شناق.

 

يذكر أن اللجنة النيابية المشتركة من القانونية والحريات العامة، باشرت بإعداد مسودة قانون الأحزاب  قبيل طرحه للمناقشة أمام المجلس.

 

 

أضف تعليقك