أزمة الصحافة في الصحافة: من حق الجمهور أن يعرف

أزمة الصحافة في الصحافة: من حق الجمهور أن يعرف
الرابط المختصر

في الاسابيع الأخيرة، تحديدا في الإسبوعين الأوليّن من شهر نيسان الحالي، احتلت "الصحافة الورقية" حيزا مهما في تغطية وسائل الإعلام المحليّة. و انتهى، إلى حدٍّ ما "العرف" الذي ساد لعقودٍ في صحافتنا المحليّة في عدم الكتابة عن مشاكل الصحف الماليّة والإداريّة.

 

ولقد أتاحت "الأزمة العميقة" للصحف الورقية، كما وصفها تقرير لجنة التوجيه الوطني النيابية، للمواطن الاطلاع على جوانب كثيرة من هذه الأزمة، لكن التغطية بقيت بشكل عام منحازة لجانب مطالب العاملين في الصحف، مُركزة تغطيتها على هذه التحركات، بدون كثير اهتمام في توضيح الحقائق، أو التحقيق في الاتهامات الكثيرة بـ"الفساد" و"سوء الإدارة"، خاصة وأنَّ أقسى هذه الاتهامات أتت من قبل نواب خلال الجلسة التي خصصها المجلس لمناقشة "الأزمة" في 5 نيسان".

 

تغطية واسعة لكن متناثرة

 

في 31 آذار، نفذ العاملون في صحيفة "الرأي" وقفة احتجاج، أطلقوا عليها مسمى "وقفة مصير". و حظيت هذه الوقفة بتغطية واسعة من الصحف خاصة "الرأي" نفسها، بتاريخ 1 نيسان. لكن تغطية "الوقفة الاحتجاجية" اقتصر على جانب واحد فقط، فقد تجاهلت رأي مجلس الادارة، الطرف الآخر في المعادلة.

 

وما كان للمواطن أن يطّلع على رأي مجلس الإدارة لولا أن صحيفة "المقر" الالكترونية، 1 نيسان، التقت عضو المجلس عبدالحفيظ العجلوني، الذي بسط وجهة نظر المجلس في مطالب العاملين، متحدثا بالأرقام حول كلف الزيادات، وكذلك عن إجراءات المجلس.

 

و كشفت التغطية هذه عن فارق كبير بين وجهة نظر الإدارة ووجهة نظر العاملين، لم تسع الصحافة، حتى الآن إلى إجراء تحقيق أو تقرير موسع يقدم للقارئ معلومات وافية عن وضع الصحيفة، والأسباب التي أدت إلى وصولها لــ "الأزمة" بعد أن كانت واحدة من أهم "الشركات" الأردنية ومن أكثرها ربحيّة.

 

أدى هذا التحرك، وتحركات مماثلة للعاملين في صحيفة "الدستور" ونقابة الصحفيين، إلى تحرك مجلس النواب الذي كلّف لجنته للتوجيه الوطني بإعداد تقرير عن "أزمة الصحافة الورقية"، وخصص جلسة 4 نيسان، لمناقشة التقرير بحضور الحكومة.

 

لكن التقرير، الذي نشرته صحيفة "الغد" كاملا على موقعها الالكتروني، 5 نيسان، ركّز إجمالا على صحيفة "الدستور"، ومرّ مرورا على صحيفة "الرأي"، التي سيتبيّن لاحقا أن الأزمة الماليّة فيها لا تقل كثيرا عن زميلتها "الدستور".

 

ما هو أهم من التقرير نفسه، كانت مناقشات النواب خلال الجلسة، التي تناولتها الصحف والمواقع بتفاوت واضح.

 

كشفت النقاشات عن أمور كثيرة كانت "خافية" إلى حد كبير عن المواطن، فبالإضافة إلى قضايا مثل: التدخل الحكومي المتواصل في عمل الصحيفتين، وسوء الإدارة، والتعيينات والواسطات، التي كانت قضايا يسمع بها الناس من "بعيد لبعيد".  كشفت نقاشات مجلس النواب، أيضا، عن قضايا "فساد" أو اتهامات بـ"الفساد"، لم تطلعنا الصحافة حتى الآن، رغم زخم التغطية، على حقيقتها.

 

مطبعة الرأي

 

يحمل العاملون في "الرأي" سبب أزمة الصحيفة إلى "مجمع المطابع" الذي كانت الصحيفة قد بدأت العمل في انشائه منذ عام 2010، وقد وصف موقع "عمون" إنشاء المطبعة في خبر له، تاريخ  27 نيسان 2010 بانه:" أكبر مشروع تطوير وتحديث في تاريخ "الرأي".

 

لكن مشروع "التحديث" هذا، سوف يتحول لاحقا إلى عبء على الصحيفة، مراكما ديونها، إذ إنه لن يعمل مطلقا، وقد جاء في خبر "الرأي"، 1 نيسان، عن وقفة العاملين أن العمل متوقف في المطبعة مدة 16 شهرا، أي منذ الانتهاء من بناء المجمع، الذي كانت الصحيفة نفسها تروج له كأكبر مشروع لها، راجع تقرير الصحيفة عن مجمع المطابع، تاريخ 29 ايلول 2013 تحت عنوان :" مجمع مطابع الرأي .. قفزة فنية واستثمارية يعزز دور المؤسسة الريادي في صناعة الإعلام والصحافة".

 

"القفزة الفنية والاستثمارية" هذه سيتضح لاحقا أنها لم تكن كذلك، وأن شبهات فساد تحوم حولها، وقد كتب موقع "كل الأردن" في 17 حزيران 2014، وهو أول موقع يشير إلى ذلك، بأن:"جهة رسمية أردنية طلبت من مجلس إدارة الرأي تحويل ملف المطبعة الجديدة إلى هيئة مكافحة الفساد".

 

لكن لا موقع "كل الأردن"، صاحب السبق في الخبر، ولا الصحف والعاملين فيها، تابعوا أمر "المطبعة" ووضعوا "الحقائق أمام الجمهور.

 

وخلال جلسة مجلس النواب تكشفت بعض "المعلومات" الأخرى عن المطبعة، التي لم تتابعها الصحافة، فالنائب وفاء بني مصطفى، مثلا، قالت في مداخلة لها أن :"المطبعة غير مؤهلة لطباعة الكتب والمنشورات، وأنها مخصصة لطباعة الصحف فقط"، فيما طالب نواب آخرون بإحالة ملفها إلى مكافحة الفساد.

 

إجمالا بقي "ملف مجمع مطابع الرأي" غامضا ومشوشا، وبقيت التغطية غير دقيقة، فلا أحد يعرف مثلا كلفة المطبعة الحقيقي والأرقام تراوحت بين 42 مليون دينار، كما جاء في بيان العاملين في الرأي، و 50 مليون دينار بحسب بعض المواقع و 55 مليون دينار بحسب تقرير لموقع "غربال" على "حبر". كما لم يعرف ما إذا كان ملف المطبعة أُحيل إلى مكافحة الفساد أم لا؟ أو ما إذا سوف يحال؟. أو ما إذا كان ملف فساد فعلا أم مجرد "سوء إدارة وتخطيط"؟ أو ما إذا كان ما قالته النائب بني مصطفى حقيقي أم لا؟.هذه بعض الأسئلة التي تدور في ذهن المتابع حول هذا الملف ولم تتابعها الصحافة لتضع "الحقائق" بين يدي الجمهور.

 

الإعلانات

 

ما حصل من تقصير في تغطية ملف مطبعة الرأي، حصل أيضا في ملف الذمم المالية المستحقة للصحف على المعلنين. وبعيدا عن التقصير في تحصيل الذمم المالية هذه، الذي قد يعتبر مجرد "سوء إدارة"، فقد كشفت النقاشات في الصحف وبعض المواقع وفي مجلس النواب عن ملف "فساد" في هذا الجانب، لم تكلف الصحافة نفسها عبء ملاحقته وتوضيحه.

 

جاء في تقرير لجنة التوجية النيابية، حول الأزمة في صحيفة "الدستور"، التالي:" أن اللجنة وقفت على معلومات تفيد بقيام لجنة مشكلة من مجلس إدارة سابق بإتلاف معظم مستندات الذمم المالية المستحقة للشركة خلال السنوات الماضية، وهذه مخالفة صارخة لقانون الشركات، الأمر الذي حال دون تمكن الشركة من تحصيل تلك الذمم. كما تفيد المعلومات الداخلية في الصحيفة عن رفع الملف إلى الإدعاء العام ودائرة مكافحة الفساد إلا أن الملف مجمد ولم يحرك منذ عدة سنوات".

 

نفس الأمر كان وقع في صحيفة "الرأي"، وحسب مقال نشره الكاتب نصوح المجالي، في الرأي 6 اذار 2014 وتقرير نشره موقع "عمان نت"، 7 اذار 2014، جاء فيه على لسان المجالي:"  لقد ظلمت الرأي، ولكن ليس للأسباب التي أوردها الأستاذ فهد(الفانك)، ولا لخسائر دفترية وقيود جائرة كما ذكر وإنما لتلاعب مالي، خفي ومنظم ومستمر لسنوات طويلة في دائرة الإعلان أدى إلى هدر ملايين الدنانير من حقوق مؤسسة الرأي، وتجييرها إلى أرباح إضافية لبعض وكلاء الإعلان.

 

وهناك بنود وضعت في بعض الإتفاقيات، كانت مجحفة للرأي؛ أستنزفت بغير حق أيضاً ملايين الدنانير.

 

وقد وجدت اللجنة المكلفة بالتحقيق، أن بعض قيود الإعلان المالية السابقة حُذفت من الكمبيوتر، مما استوجب تشكيل لجنة فنية، للعودة إلى الهارد دسك Harddesk لفحص قيود السنوات الخمس التي سبقت عام 2011، ومطابقتها على مساحات الإعلان الفعلية في الصحيفة.

وعندها ظهرت الفروق الهائلة، بين مطالبات دائرة الإعلان، وبين الديون الحقيقية التي أغفلت بشكل متعمد وذلك في حسابات عدة شركات مما أهدر ملايين الدنانير من دخل المؤسسة.".

 

ملف الاعلانات هذا، الذي لا يخلو من شبه فساد، أو هو كذلك بحسب تقرير اللحنة النيابية، على الاقل فيما يتعلق بصحيفة "الدستور" لم يحظَ أيضا بأي تغطية من وسائل الإعلام، وبقيت الحقائق مغيبة عنه بالكامل.

 

الهيكلة

 

جاء في تقرير اللجنة النيابية التالي:" إن الواسطة والمحسوبية والتعيينات العشوائية لغايات التنفيع وبرواتب خيالية والتي رصدت خاصة في صحيفتي الرأي والدستور بتدخل أو برغبة حكومية مباشرة أو غير مباشرة نتج عنها تحميل موازنات الصحف أعباء مالية إضافية وحمولة زائدة تثقل كاهلها وتفاقم من عجزها ما يحد من قدرة الإدارة على تحمل مسؤولياتها لإدارة الأزمة وإتخاذ القرارات المناسبة وضمان إدارة رشيدة ومتقشفة وشفافة وكفوءة للمؤسسة الصحفية.".

 

وفي تقرير عن الأزمة في الصحف، على موقع "حبر"، 7 ايلول 2013، أرجع الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة صحيفة “الرأي” سابقا، خالد الوزني، تراجع أرباح "الرأي" إلى "المشكلة التي تعاني منها جميع الصحف اليومية وهي ارتفاع المصاريف الإدارية: أجور مبالغ فيها وموظفين لا داعي لهم".

 

وجاء في التقرير نفسه أيضا، أن :" صحيفة "الرأي"، مثلاً، تنفق قرابة 400,000 دينار سنوياً على كتاب المقال من خارج الصحيفة، عدا عن 20 كاتباً يومياً مدرجين ضمن كادر الصحيفة ويتمتعون بأجور عالية بالإضافة إلى امتيازات الكادر الرئيسي من اشتراك الضمان الاجتماعي والتأمين صحي ووظيفة لمدى الحياة".

 

وفي تصريحاته لصحيفة "المقر" الالكترونية، قال عضو مجلس إدارة "الرأي"، عبد الحفيظ العجلوني:" أن البيان الأخير الذي قرر المحتجون على إثره تنفيذ وقفة احتجاجية خلا من الإشارة إلى مطالبتهم بإقرار الزيادة على الرواتب المقدرة بحوالي 360 الف دينار والتي اعتذر عن إقرارها مجلس الإدارة لعدم قدرة الشركة على تلبية هذا المطلب، على الرغم من صرف راتب السادس عشر للموظفين السنة الماضية بضغط من الجهات المعنية على المجلس، وإقرار زيادة للموظفين كلفت الشركة حوالي 360 ألف دينار أيضا، الأمر الذي أثقل من كاهل الشركة واضطرها إلى الاقتراض من البنوك لتمويل النفقات الناجمة عنها."الأول من نيسان.

 

ملف "التعينات" هذا، والتكدس الوظيفي، والفوارق الكبيرة في الأجور، والرواتب والمكافئات المبالغ بها، بقي أيضا بدون أي تقرير أو تحقيق جدي يقدم للقاريء الصورة الكاملة، أو يقترب من هذا الملف المهم، سيما وأنه يؤثر ليس على مالية وموازنة الصحف وحسب بل أيضا على مضمون هذه الصحف وسقف الحرية فيها.

 

وسيبلغ التشوش لدى القارئ ذروته، بفعل التغطية "الناقصة" لأزمة الصحافة، وتغييب الملفات الأبرز، عندما يقرأ ما قاله النائب بسام المناصير، الدستور، 5 نيسان، من:" أن الصحف سرقت لصالح المتنفذين، وكل ما تعاني منه الصحف بسبب الجهل من إدارات الصحف، وإن أردنا أن نساهم في حل المشكلة يجب تحقيق لجنة تحقق في فساد الصحف، لأن الصحف أصبحت دكاكين واعتراها الكثير من الفساد".

 

"قصور" التغطية الإعلامية لـ أزمة الصحف لم يقتصر على هذه الملفات الثلاث، وهي الأبرز فيما دار من مناقشات، إذ إن التغطية لم تتناول أيضا وبالدقة الكافية معلومات أساسية، فالقارئ لم يعرف، مثلا، لماذا يطالب العاملون في "الرأي" إقالة ثلاثة من أعضاء مجلس الادارة وهم :العجلوني ومنصور النابلسي ومحمد الطروانة، ولماذا استثنى العاملون بقية اعضاء المجلس؟. وبقيت معلومات أخرى متضاربة مثل نسبة مساهمة مؤسسة الضمان الاجتماعي في الصحف، ففيما يتحدث تقرير اللجنة النيابية عن نسبة مساهمة للمؤسسة في "الرأي" تبلغ 57%، يتحدث رئيس تحرير الصحيفة، سمير الحياري، في مقاله، تاريخ 13 نيسان، عن نسبة 55%.

 

إجمالا، فإن التغطية ركزت على الخلافات بين الصحفيين ومجالس إدارات الصحف، وبدت وكأنها "معركة" نقابية مطلبية فقط، وفيما ركزت على حق العاملين في الحفاظ على أرزاقهم ومكتسباتهم، وهي المعركة التي خاضتها النقابة تحت عنوان: "حقوق ومكتسبات الزملاء خط أحمر"، وهي حقوق لا خلاف عليها، طبعا، تجاهلت الصحافة حق الجمهور في معرفة ما يدور في "كواليس" و"دهاليز" الصحف، ونسيت أن المواطن الأردني معني بوضع الصحف، ليس لأنها "مؤسسات وطنية" وحسب، بل لأنها أيضا تدار بأمواله عبر مدخرات أكثر من مليون مواطن في مؤسسة الضمان.

 

والحال أن "رخم" التغطية زاد الوضع غموضا وترك القارئ مشوشا وفي حيرة وتساؤل حول وضع الصحف ومصيرها، وليس أدل على ذلك أكثر مما كتبه رئيس تحرير الرأي، سمير الحياري في مقاله "الرأي بخير"، قائلا:"  لا تتوقف أسئلة محبي "الرأي"، عما يجري في دهاليز وأروقة صحيفة الوطن الأولى، للوصول إلى سؤال: هل سيأتي صباح أردني بلا رأي؟". أو كما قال الكاتب عريب الرنتاوي في مقاله في "الدستور" المعنون "الدستور وسؤال شكسبير:" ما عرفناه واستمعنا إليه من شروحات حول الوضع المالي للجريدة (الدستور)، ينبغي أن يعلن على الملأ، أقله لمواجهة طوفان الشائعات التي تحيط بالمسألة".

 

مقالات الرأي: معركة وطنية و"بكائيات"

 

منذ الأول من شهر نيسان الحالي، أمن رصد 42 مقالا، كتبت في الصحف الرئيسية، وبعض المواقع الالكترونية، ويعكس هذا الرقم، الكبير نسبيا، زخم اهتمام الصحف والصحفيين بـ"الأزمة".

 

يلخص الكاتب ماهر أبو طير، في مقاله المعنون : أزمة دولة وليس أزمة صحافة"، الدستور 8 نسيان، اتجاهات كتاب الأعمدة الذين تناولوا "الأزمة" قائلا:" عدد من الزملاء الكتاب الصحفيين عالجوا أزمة الصحافة الورقية، وبعضهم ينزع الى البكائيات، وآخرون إلى الاستغاثة والاستعطاف. فريق ثالث يذكر بالخدمات الجليلة التي قدمتها الصحافة على حساب صدقيتها للحكومات، باعتبار أن ليس من الانصاف رد الإحسان، بقلة الإحسان. والكل ينزع هنا إلى تقييمات تلف وتدور على الحقيقة،".

 

ويخلص أبو طير إلى أن الأزمة أزمة دولة قائلا :" ليست قصة صحافة، هي قصة الدولة التي تأكل مؤسساتها وأبناءها وخبراتها وإرثها، ولا تفكر لا بقلب ولاعقل، والقصة لاتقف عند الصحف التي تتسول على أعتاب الحكومات اليوم، فلدينا ألآف الأمثلة لمواقع ولأشخاص ولأسماء ولمؤسسات، تم حرق إرثهم، والدوس عليهم".

 

والواقع أن أبو طير ليس الوحيد الذي انتهى إلى هذا الرأي، لا بل أن أغلب من كتبوا، ذهبوا إلى تصوير الأزمة بأنها "معركة وطنية"، ربما لا تقل عن الحرب "العسكرية" ضد الإرهاب، أو أن دعم الحكومة للصحف و"واجب" حمايتها لا يقل عن دعم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، إذ يقول الكتاب فايز الفايز في مقال له في "الرأي"، 12 نيسان:" إن من يفكر بضرب الصحافة وتحديدا الرأي كحل مريح لعدم مواجهة الأزمات الطارئة فهو يقف في خندق أعداء الوطن ، وهو لا يختلف عمن يروج للجماعات الإرهابية التي تشكل تهديدا للوطن، وكمن يتمنى، حقدا وحسدا، هزيمة جيشنا الباسل".

 

أما سميح المعايطة، فهو يشبه الصحف بـ"الشهيد"، ويقول في مقاله في "الرأي"، 12 نسيان، المعنون: هل الشهيد شخص غبي: "فمن كان عقله يفكر فقط بالنسب المئوية، و لا يدرك معنى وجود الرمزية والهوية والمؤسسات المفصلية فإنه لا يصلح لأي موقع ولا يحمي دولته ولا يصلح إلّا محاسبا في مطعم أو أمثاله".

 

ويقول الكاتب إرحيل الغرايبة في مقاله المعنون: أزمة الصحافة الورقية"، في الدستور 14 نسيان: الخوف يأتي من محاولات الاستثمار في هذه الحالة من جهات وأطراف تفتقر للحس الوطني و لا تدرك أبعاد المشكلة بطريقة صحيحة".

 

وعلى أي حال، فإن أصحاب وجهة النظر هذه، اتجهوا إلى تحميل الحكومة، ولا "مبالاتها"، مسؤولية الأزمة، مطالبين بتدخلها لحل الأزمة بأي ثمن، دون تقديم اقتراحات ملموسة، وتركوا للحكومة تحديد كيفية التدخل لـ"إسعاف أو إنقاذ" الصحف.

 

لكن كتابا آخرين، قدموا اقتراحات بحلول، لكن بقيت كلها على قاعدة تدخل الحكومة ومؤسسة الضمان، فيما عدا الكاتب والمحلل الاقتصادي حسن الشوبكي الذي طالب بخصخصة الصحف، وقال في مقاله في "الغد"،7 نيسان:" هناك أصوات طالبت بتدخل الحكومة للإنقاذ، لا سيما بالدعم المالي لصحيفة "الدستور". لكني لا أرى نجاحا في هذا الخيار، خصوصاً أن أساس المشكلة هو وجود الحكومات في ملكية هذه المؤسسات. فمؤسسة "الضمان" التي تملك حصصاً في الصحيفتين، لم تتمكن وغيرها من المساهمين الكبار من العبور بهما إلى بر الأمان. علاوة على ذلك فإن حالة الفشل التي لحقت بالشأن الإداري وكذلك المالي في الصحيفتين، مرت تحت عين "الضمان"، فكيف يكون المنقذ من كان شريكا في تدهور أوضاع الصحيفتين؟

 

في كل الأحوال، لا يصلح أن تبقى ملكية المؤسسات الصحفية بالطريقة التي درجت عليها في الأردن خلال العقود والسنوات الماضية. ولا يجوز أن يكون للحكومات صحف في عهد الخصخصة والقطاع الخاص."، وربما الشوبكي هو الوحيد الذي طالب بالخصخصة.

 

فيما طالب الكاتب جمال شواهين، في مقاله المعنون:"دمج الرأي والدستور"، في صحيفة السبيل، 14 نيسان، بدمج الصحيفتين قائلا:" ربما الحل الوحيد للمعالجة يكون بدمج الصحيفتين على أساس مشروع وطني إعلامي كبير واستراتيجي".

 

وهناك عدد من الكتاب ممن طالبوا أو قدموا اقتراحات محددة، مثل توقف النقابة عن استيفاء نسبة الواحد في المائة عن الإعلان، أو رفع سعر الإعلانات الحكومية في الصحف، وإعادة العمل بالاشتراكات الحكومية في الصحف التي توقفت منذ إقرار "مدونة السلوك"، خلال حكومة سمير الرفاعي، أو إعفاء مدخلات الإنتاج من ورق وأحبار من ضريبة المبيعات وتخفيض الرسوم الجمركية.

 

وطالب صالح القلاب، في مقاله في "الرأي"12 نيسان، المعنون: أزمة الصحافة من المسؤول؟ بتدخل مؤسسة الضمان قائلا: "مؤسسة الضمان الاجتماعي, التي من المفترض أنها لغالبية الشعب الأردني, تمتلك معظم أسهم صحيفة «الرأي» وهذا يجب وبالضرورة أن يحملها مسؤولية مراقبة الأوضاع المالية لهذه الصحيفة ليس سنوياً فقط وإنما يوماً بعد يوم وهذا يجب أن يجعلها المسؤولة عن تعيين رئيس مجلس الإدارة وأن يكون لها رأي باختيار رئيس التحرير والمدير العام مما يجعلها قادرة على معالجة الأمور قبل أن تتفاقم الأوضاع وتضطر للتمادي بمد يدها إلى أموال الأردنيين لتصحيح أخطاء تأتي محاولات تصحيحها في الكثير من الأحيان متأخرة جداً.".

 

هذه أبرز اتجاهات كتاب المقال، وهم أيضا غاب عنهم تناول الأسباب الحقيقية للأزمة، حسب قول جمال الشواهين في المقال المشار إليه سابقا، أو غاب عنهم كشف "الحقيقة" كاملة كما أشار الرنتاوي، أو أبقوا على ما هو مخفي أو كما قال الحياري في ختام مقاله المذكور:" الحديث يطول والكرة في مرمى من يعرف ويحرف.. وإن اضطررنا سنلقيها في ملعبه ونمضي..".

 

لكن ماذا عن المواطن وعن حقه في أن يعرف كذلك، سيما وأنه مساهم في ملكية هذه الصحف، وماذا عن اقسام التحقيقات الاستقصائية ودورها في الكشف عن كل هذه الملفات وإطلاع الجمهور على ما هو حق له؟.

 

 

أضف تعليقك