نساء الأزرق: نضال من أجل حق الرعاية الصحية الأساسية

الرابط المختصر

في قلب الصحراء الأردنية، وتحديدًا في منطقة الأزرق التي تبعد حوالي 90 كيلومترًا عن العاصمة عمان، وبعد جائحة كورونا-19، ازدادت التحديات التي تواجه النساء في منطقة الأزرق بشكل ملحوظ، وخاصة فيما يتعلق بالحصول على الرعاية الصحية النسائية بمختلف أنواعها.

إذ لم تكن مستوى الخدمات الصحية بشكل عام والمقدمة للنساء في حالات الطوارئ وبخاصة الولادة كافية، إذ لا تتوفر في المدينة النائية سوى مركزين صحيين شاملين أحدهما تابع لوزارة الصحة والآخر للخدمات الطبية الملكية، وحتى هذه الخدمات التي تعد أقل من الحد الأدنى المطلوب تعرضت لتراجع كبير بسبب جائحة كورونا وتداعياتها على البنية التحتية الصحية والخدمات المقدمة في هذا القطاع بالعموم.

حتى اليوم تواجه آلاف العائلات تحديات يومية وخاصة النساء الحوامل والأمهات الباحثات عن الرعاية الصحية المتخصصة، هن الأكثر تأثرًا بهذا الوضع، فالمرافق الصحية التي توفر الرعاية النسائية تكاد تكون منعدمة، ما يجبر النساء على السفر لمسافات طويلة لتلقي الرعاية الضرورية، إذ يقع أقرب مستشفى نسائية وتوليد في مدينة الزرقاء على بعد حوالي 40 كلم على النساء قطعها برحلة تستغرق الساعة او تزيد ولا تكون دائما سهلة وميسرة خاصة في ساعات الليل فالطرق نائية وغير مضاءة، مما يضاعف من معاناة  الأسر والنساء على حد سواء، إذ تكون حياتهن وحياة أطفالهن على المحك في كثير من الحالات.

وعلى المستوى البشري لا يتوفر عادة كادر طبي كاف للمراجعين والمراجعات من النساء وبخاصة في تخصص النسائية ، وازدادت  تلك الصعوبات، بسبب تداعيات الجائحة، بل تجاوز التأثير الصحي لهذا الواقع إلى التأثير الإجتماعي على النساء ، تقول سامية البلعوس رئيسة جمعية سيدات الأزرق التعاونية  وناشطة في المنطقة" كثير من الفتيات والشبان أصبح لديهم تردد في الزواج والإنجاب نتيجة لحالات وتجارب سيئة لنساء يعرفونهم وعاصرو تجارب سيئة في هذا المجال".

 

تجارب نسائية

"ما في مستشفى بمنطقتنا يوفر خدمات صحية للنساء، بنضطر ننزل على عمان عشان الفحص الدوري أو تنظيم الأسرة. ما في حل إلا المركز الصحي، واللي في طبيب عام، لكن ما في طبيبة تخدم النساء اللي بحبوا يكشفوا عند طبيبة مش طبيب."

بحسب  السيدة أم نزيه، إحدى النساء اللواتي عانين من غياب الرعاية الصحية في منطقتها ، وهي أم لثلاثة أطفال، تضطر للسفر إلى عمان للحصول على الرعاية الصحية النسائية اللازمة، ومع غياب وسائل النقل الملائمة، تصبح هذه الرحلات مرهقة جسديًا وماليًا، خاصة عندما تتعلق بالفحص الدوري أو الخدمات الأساسية لتنظيم الأسرة.

النساء في الأزرق لا يملكن خيارًا آخر سوى الاعتماد على المركز الصحي المحلي، الذي يحتوي على طبيب عام فقط، ولا يقدم خدمات صحية نسائية متخصصة. هذه الحقيقة تدفع العديد من النساء للتردد في طلب الرعاية الصحية، وهو ما ينعكس سلبًا على صحتهن وصحة أسرهن.

لكن التحديات لا تتوقف هنا. أم هبة، إحدى النساء في الأزرق الشمالي، تعرضت لمضاعفات صحية خطيرة بعد ولادة قيصرية. ولم يكن ذلك نتيجة خطأ طبي، بل بسبب غياب مستشفى ولادة في منطقتها، مما أجبرها على السفر لمسافات طويلة للوصول إلى مستشفى يقدم هذه الخدمة.

وتقول أم هبة: "اضطريت اعمل ولادة قيصرية، وصار في مضاعفات على ابني، والسبب أنه ما في مستشفى ولادة بمنطقتنا، قريتنا بعيدة 90 كيلومتر عن المدينة، والطريق بيكون صعب للحوامل."

الطريق الطويل غياب مستشفى ولادة في منطقة الأزرق يمثل خطرًا كبيرًا على حياة النساء وأطفالهن. هذا الوضع يستدعي حلولاً فورية ومستدامة لتحسين الخدمات الصحية في المنطقة.

وسط هذه الصعوبات، هناك نساء لم يقفن مكتوفات الأيدي. من بين هؤلاء، السيدة سامية سعود البلعوس، رئيسة جمعية سيدات الأزرق التعاونية. سامية قادت عدة مبادرات مجتمعية تهدف إلى تحسين الخدمات الصحية في منطقتها، وأبرز هذه المبادرات هي "إيد بإيد نحمي الأم والوليد"، والتي تسعى لإنشاء قسم ولادة متكامل في الأزرق مزود بغرفة خداج، لتلبية احتياجات النساء والأمهات في المنطقة وخاصة أثناء وبعد الجائحة.

تذكر البلعوس: "هذا مطلب أهالي الأزرق، خاصة الأمهات اللي بيواجهوا الألم والحزن من عدم وجود خدمة صحية أساسية زي قسم الولادة. هذه من أبسط حقوقنا اللي لازم تتوفر."

سامية، التي تعمل جنبًا إلى جنب مع مؤسسة أهل، تمكنت من إيصال صوت النساء المتضررات إلى الجهات المسؤولة وصناع القرار. مؤسسة "أهل"، التي تدعم المبادرات المجتمعية وتعزز حملات الضغط الشعبي، كانت شريكًا أساسيًا في هذه الحملة. حيث ساعدت سامية في تنظيم الجهود ومن ثم جمعت التواقيع وإيصال المطالب إلى المسؤولين، مما عزز من فرص تحقيق التغيير الفعلي.

اليوم، ورغم عدم تحقيق كل الأهداف حتى الآن، يبقى الأمل موجودًا، فالمطالب التي رفعتها سامية والنساء في الأزرق بدأت تصل إلى آذان المسؤولين، وهناك بوادر إيجابية تشير إلى أن تحسين الخدمات الصحية في الأزرق قد يصبح واقعًا قريبًا.

بعد جائحة كورونا، التي زادت من تعقيد الأوضاع وألقت بثقلها على الخدمات الصحية، برزت المبادرات المجتمعية والدعم المؤسسي كأدوات قوية لتحقيق التغيير. مثل تلك التي تقودها مؤسسة "أهل" تُظهر كيف يمكن للجهود الفردية والجماعية أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة النساء في الأزرق. هؤلاء النساء يستحقن الحصول على الرعاية الصحية التي هن في أمس الحاجة إليها، لكن الجائحة كشفت عن نقاط الضعف والتحديات التي لا تزال بحاجة إلى معالجة. ويبقى السؤال الكبير: متى سيصبح هذا الحق حقيقة ملموسة في الأزرق؟

يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين شبكة الإعلام المجتمعي- راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF.