لاجئو الزعتري فقدوا مصدر أرزاقهم ونزحوا تحت ثقل الديون في ظل كورونا
ذات يوم أيلولي من عام 2020 أُعلن عن أول إصابة بالكورونا في مخيم الزعتري شمال الأردن لامرأة تعيش فيه منذ عام 2013 وتعمل في مركز تأهيل ذوي الإعاقة كمساعدة لأخصائية علاج طبيعي أردني نقلت لها الفيروس، وبعد أن خضعت للعزل الطبي في البحر الميت عادت إلى المخيم لتوضع مع أطفالها وزوجها في منطقة عزل خاصة داخل المخيم.
وأثار الإعلان عن هذه الحالة في وقت مبكر من بدء انتشار فيروس كورونا مخاوف كبيرة نظراً لأن المخيم يشكل بيئة شبه معزولة ومكتظة مما يعني أن العدوى قد تنتشر بسرعة أكبر من أي مكان آخر.
وكما هو متوقع أدت القيود الناجمة عن جائحة كورونا إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للاجئين داخل المخيم الذي يضم 80 ألف لاجئ سوري ، وباتوا غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية بسبب فقدان الوظائف وتقليص الدعم المالي ودور المساعدات الدولية المستمرة.
ووفقا لتقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والبنك الدولي، زاد الفقر بين اللاجئين السوريين في الأردن بشكل كبير في بداية الوباء.
وأدى التطبيق السريع لقيود مكافحة فيروس كورونا المستجد وإغلاق الحدود إلى زيادة صعوبة الوصول للمواد الغذائية الأساسية، وكذلك تعطيل جزئي لبرامج المساعدات في سياق إنساني هش للغاية.
ويُعد مخيم الزعتري للاجئين، الذي افتتح في 28 يوليو/تموز 2012 وتديره الأمم المتحدة مع الحكومة الأردنية، أحد أكبر المخيمات في العالم حيث يسكنه 80 ألف شخص. ومع ذلك، يعيش ما يقرب من 80% من اللاجئين السوريين خارج المخيمات، وخاصة في المدن الكبرى في البلاد، حيث تتعرض البنية التحتية لضغوط إضافية.
رقعة شطرنج
ويشكل النساء والأطفال النسبة الأكبر من قاطني المخيم الذي يحتوي على 17 ألف كرفان و8 آلاف خيمة و3 آلاف محل تجاري مما يجعله أشبه بمدينة كاملة أو رقعة شطرنج مبعثرة الأحجار.
ومثل بقية سكان المملكة البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، تم عزل ما يقرب من 120 ألف سوري يعيشون داخل المخيم منذ 21 مارس/آذار استجابة لتهديد فيروس كورونا.
ولكن مع وجود الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في أحياء متقاربة للغاية ولا يمكنهم الوصول إلى مرافق الصحة والصرف الصحي الأساسية، عبر الكثيرون عن خشيتهم مما سيحدث إذا وصل الفيروس إلى المخيمات.
وفي سياق الاستجابة للمرض الخطير الذي أقلق العالم تم تجهيز المستشفى الرئيسي وشبكات العيادات الصحية في الزعتري بكامل طاقتها، وأدخلت تدابير إضافية لمكافحة العدوى. وتم وضع الخطط لعزل الحالات المشتبه فيها وإجلائها بسيارات الإسعاف إلى المستشفيات القريبة في المفرق والزرقاء.
إنتاج كمامات
ويقول الناشط والصحفي"يوسف الحريري" لـ"صوت شبابي" أن النساء في المخيم بشكل عام هن ربات منازل، ولكل منهن أسرة وتتكافأ الفرص بين النساء والرجال بالنسبة للعمل، مضيفاً أن إقبال النساء زاد في ظروف كورونا على مهن مثل الخياطة والكروشيه –أشغال تيرزانا- وحياكة الصوف وصناعة الصابون والعطور.
وكانت المنظمات الإنسانية والمراكز المجتمعية المهتمة باللاجئين-كما يقول- تحرص خلال فترة كورونا على تعليم اللاجئات خصوصاً لتلبية احتياجاتهن المعيشية وتأمين قوت أسرهن.
ولفت محدثنا إلى أن جائحة كورونا كانت فرصة لنساء المخيم لاستثمار قدراتهن وافتتاح مشاريع صغيرة خاصة بدعم من المفوضية وعدد من المنظمات الأخرى الداعمة للمرأة .
وأشار الحريري إلى أن النساء في مخيم كورونا اعتمدن في ظل جائحة كورونا على المبادرات بعد إتباع تدريبات وجلسات توعية من قبل المنظمات عن مدى تأثير فيروس كورونا واستثمرن جهودهن ومهاراتهن ليخرجن بشيء مفيد.
وأنشأت مفوضية اللاجئين ومنظمة لومنت مشغل لانتاج الكمامات وأنتج آنذاك ما بين 3000-إلى 4000 كمامة خلال شهر واحد، إلى جانب مبادرات لتوزيع الصابون والمعقمات وكتابة رسائل توعية بضرورة الالتزام والتباعد والحرص على عدم العدوى.
وحول أكثر المصاعب التي واجهتها النساء داخل الزعتري في ظل كورونا أوضح الحريري أن من أولى هذه المصاعب هو الحجر الصحي والإلتزام في المنزل في مجتمع اتسم بالإلفة والتواصل والجلسات والمشاركة في المناسبات كافة، وخصوصاً بالنسبة للنساء إضافة إلى التحديات المالية نتيجة توقف الأعمال.
ونوّه محدثنا إلى أن ما قدمه الأردن لم يقدمه أحد في العالم على مستوى اللاجئين السوريين، وكان مخيم الزعتري أول مكان يتم منح مطعوم كورونا فيه، مشيراً إلى أن الاستجابة كانت سريعة من قبل جميع قاطني المخيم، وخصوصاً النساء على وجه التحديد لحماية أسرهن وأطفالهن.
كورونا والعمل خارج المخيم
كما فقد الكثير من قاطني المخيم مصدر أرزاقهم من الأعمال التي كانوا يمارسونها خلسة خارجه ومنها العمل في المزارع القريبة، مما رتب على عائلاتهم وأكثرهم نساء أعباء اقتصادية وديون كثيرة.
ووفقاً لإحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 55.2٪ من سكان مخيم الزعتري هم أقل من 18 عامًا، و30٪ من اللاجئين يأتون من أسر ترأسها نساء.
وتقول الأربعينية "ضحية الأسمر" المصابة بالفشل الكلوي لـ "صوت شبابي" أنها أُرغمت على العمل كـ "مياومة" في إحدى المزارع القريبة من مخيم الزعتري لتأمين لقمة العيش من خلال قطف البندورة وتعشيب المزروعات قبل سنوات مقابل دنانير قليلة لا تكاد تكفي ثمن الخبز والخضار، ولكن جائحة كورونا فاقمت من معاناتها الصحية والمعيشية، واضطرت للبقاء في الخيمة مع ابنها الوحيد الذي كان يساعدها من خلال عمله في البناء بعد وفاة زوجها، وهو الأمر الذي دفعها للإقتراض من أقاربها ومعارفها وأجبرها ذلك في أحيان أخرى على بيع قسائم الغذاء التي تحصل عليها من الأمم المتحدة من أجل توفير متطلباتها الحياتية.
وبحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي المتصل بعملياته في الأردن فإن متوسط مبلغ الدين بين اللاجئين السوريين في الأردن زادت بنسبة 25% داخل وخارج المخيمات، مشيرة إلى أنه "من المثير للقلق أن الاستخدام السائد للديون ليس من أجل كسب الرزق أو الاستثمار التجاري، بل معظمها لاستهلاك مشتريات الطعام ودفع نفقات الإيجار والعلاج".
التعلم عبر الإنترنت
وفي مجال التعليم، تسببت جائحة كوفيد-19 بأزمة في البلدان النامية التي تعاني من نقص في التكنولوجيا والمهارات ذات الصلة، ومنذ بداية الأزمة، أعلن الأردن عن التحول إلى التعلم عبر الإنترنت في جميع أنحاء البلاد.
ولكن هذا لم يمنع من تولّد شكوك لدى اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري حول مدى فعالية التعلم عن بعد في توفير التعليم للطلاب المقيمين في المخيم، بسبب نقص المعدات التكنولوجية والوضع الاقتصادي الصعب.
الصحة النفسية عن بُعد
ولا يمكن الحديث عن الآثار الصحية الجسدية لوباء كورونا في مكان مغلق كمخيم الزعتري دون الحديث عن تبعاتها على المستوى النفسي، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فقد أدى وباء فيروس كورونا إلى نشوء أزمة عالمية في مجال الصحة النفسية، مع زيادة بنسبة 25 بالمائة في عدد حالات الإجهاد والاكتئاب خلال العام الأول من الوباء.
ووفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية تعزى الزيادة إلى أسباب رئيسية منها الضغط غير المسبوق الناجم عن العزلة الاجتماعية بسبب الجائحة. وترتبط بذلك قيود على قدرة الأفراد على العمل والتماس الدعم من الأحبة والانخراط في مجتمعاتهم المحلية. كذلك الوحدة والخوف على النفس وعلى الأحبة من العدوى والمعاناة والموت والحزن بعد فقدان الأحبة والهموم المالية.
وأشار التقرير أيضاً إلى أن النساء قد تأثرن بشدة أكثر من الرجال بسبب كورونا وأن الأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية بدنية سابقة، مثل الربو والسرطان وأمراض القلب، كانوا أكثر عرضة لظهور أعراض الاضطرابات النفسية عليهم.
وفي الوقت نفسه، تعرضت خدمات الصحة النفسية لانقطاعٍ حاد، نظراً للقيود المفروضة على الحركة، مما صعّب على البعض الحصول على المساعدة والعلاج اللذين يحتاجون إليهما.
وفي محاولة منها لضمان استمرارية خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي للاجئين والنازحين داخل مخيم الزعتري أثناء الجائحة قامت مفوضية اللاجئين بتكثيف جهودها وتكييف طرقها حيثما أمكن ذلك، ولجأت إلى تقديم خدمات الصحة النفسية عن بُعد، بما في ذلك من خلال خطوط الهاتف الساخنة متعددة اللغات أو عبر جلسات على الإنترنت. وبالنسبة لأولئك الذين يعانون من ظروف صحية نفسية شديدة ومعقدة،
ويؤكد الخبراء أن توفير العلاج عبر الإنترنت من شأنه إزالة بعض الحواجز التي تمنع بعض الأشخاص من طلب المساعدة فيما يتعلق بصحتهم النفسية.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين شبكة الإعلام المجتمعي- راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF.