التغذية في الأزمات: كيف ساهمت كورونا في تغيير عاداتنا الغذائية؟
منذ بداية جائحة كورونا شهد العالم تحولًا جذريًا في أنماط الحياة اليومية، ما أثر بشكل كبير على سلوكيات التغذية والتركيبات الغذائية للأفراد.
مع فرض إجراءات الحجر الصحي والقيود على الحركة، وجد العديد من الناس أنفسهم محاصرين داخل منازلهم، ما دفعهم إلى البحث عن طرق جديدة لتلبية احتياجاتهم الغذائية.
تقول سناء سعد "خلال كورونا والحجر يعني الواحد وعيلته في المنزل بدون أشغال، فأبدعنا في المطبخ، لفترة جيدة من الجائحة واحنا نخبز الخبز بالبيت، والحلويات والمعجنات كنا يوميًا لازم شخص منا يعمل شيء للسهرة وهذا الوضع ما كان قبل الكوفيد" هكذا استهلت منار سالم حديثها عن تغيرات نظامهم الغذائي خلال جائحة كورونا فلم تقتصر التغيرات على الأوضاع المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، بل استطاعت الجائحة أن تلقي بآثارها على عادات الغذاء للعائلات وتغيير طبيعة الأغذية عن الأوضاع المعتادة قبل حلول الجائحة.
تتفق منى عمر مع منار وتضيف قائلة "الأولاد كل يومين صار بدهم بيتزا ومعجنات والجميع حابب يشارك في الإعداد والطبخ وهذا أكيد من تأثير الحجر، الأولاد في البيت دون نشاطات وشاعرين بالملل وهذا بخليهم يظلوا يطلبوا حلويات وأكلات يمكن كثرتها وتناولها يوميًا غير مفيد، لكني كنت أحب يشاركوني صنع هذه الأكلات".
وتتابع حديثها "عندي ابنتي الكبيرة شغوفة بصناعة الحلويات وفي كورونا صار عندها وقت أكبر تمكثه في البيت وتمارس هوايتها، صارت يوميًا تعد صنف حلويات وسهرة ليلية، رغم تنبيهاتي المتكررة إلا أنها تستمتع في قضاء الوقت بصناعة أصناف الكيك والحلو"
سارة عماد فتاة قالت إنها تعلمت الطبخ خلال جائحة كورونا ففترة الحجر كانت حافزًا كبيرًا لتعلمها وصفات الخبز والمعجنات والكعك ما جعلها تتقنها وتحولها لمصدر دخل، فقد افتتحت متجرًا إلكترونيًا لبيع المخبوزات بعد فترة الإغلاقات، تقول "استهوتني صنعة المعجنات وبعدما نجحت في صنع نوعين وأعجبا العائلة أصبحت أتعلم طرقًا مبتكرة لصنع أنواع جديدة وبجودة فريدة، رغم كل ذلك تظل أختي التي تدرس تخصص التغذية تحذرنا من كثرة العجائن وأثرها على الصحة".
بحسب المسح الوطني التدريجي لرصد عوامل الخطورة المرتبطة بالأمراض غير السارية لعام 2019، فإن 50% من الأردنيين خلال عينة المسح يستهلكون بين حصة وحصتين من الخضار والفواكه خلال اليوم ولم يستهلك سوى 16% من الأردنيين المشاركين في عينة المسح عدد حصص الخضار والفواكه الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية والتي تبلغ خمس حصص أو أكثر في اليوم.
في هذا السياق تشير أخصائية التغذية، منى عواد إلى أن العديد من المعجنات تحتوي على كميات عالية من الكربوهيدرات المكررة والتي يمكن أن ترفع مستويات السكر في الدم بسرعة، "وخلال فترة كورونا نجد النظام الغذائي لدى كثير من العائلات واجه خللًا أكبر فبات يعتمد على العجائن بشكل أعلى، فنقص الألياف في النظام الغذائي نتيجة الاعتماد على المعجنات قد يؤدي إلى مشاكل هضمية".
وأضافت من المهم أن يتمتع الأفراد بوعي حول أهمية التنوع في النظام الغذائي، وكيف يمكن استبدال بعض المعجنات بخيارات أكثر صحة، مثل المعجنات المصنوعة من الحبوب الكاملة أو الأطعمة الغنية بالبروتينات والخضروات الأمر الذي سيساعد في تعزيز الصحة العامة وتقوية الجهاز المناعي.
وتابعت حديثها، تُظهر الدراسات أن هذه الظاهرة لم تقتصر على مجرد الاعتماد على العجائن، بل كانت تعبيرًا عميقًا عن الحاجة إلى الاستقرار النفسي والتغذية الصحية في أوقات الأزمات، كما أن الطهي مع الأسرة أو الأصدقاء يمكن أن يعزز الروابط الاجتماعية ويخفف من الشعور بالوحدة، وخلال الجائحة كان الطهي وصنع العجائن نشاطًا مشتركًا ساعد العديد من الأسر على بناء ذكريات إيجابية في ظل الظروف الصعبة.
من جانبها توضح سلمى عمر، أن تجربتها في صنع الحلويات خلال جائحة كورونا حسّنت من وضعها النفسي ، "كنت أجد في إبداع نوع جديد من الحلويات كل يوم تفريغًا لطاقتي وشعورًا بالإنجاز حينما يكون الطعم لذيذًا وأشارك ذلك مع العائلة، يعني أرى أن التغذية كذلك تؤثر على نفسيتنا وهذه أفضل طريقة وجدها تخفف عني من القلق والملل في كورونا".
لم تكن كورونا مجرد أزمة صحية، بل كانت أيضًا تجربة عميقة أثرت في أنماط حياتنا اليومية، وخاصة في مجالات التغذية، فقد أدت الظروف الاستثنائية التي عاشها الناس إلى تحول كبير في عاداتهم، ما جعل قضاء الوقت في إعداد مختلف أنواع المعجنات والحلويات فرصة للتواصل الاجتماعي وتشارك اللحظات مع العائلة في ظل الضغوط اليومية.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين شبكة الإعلام المجتمعي- راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF.