
الأعباء الإقتصادية والنفسية زادت من حالات الطلاق أثناء "كورونا"

تؤثر عوامل عدة على نسب الطلاق في المجتمع منها الضغوط الاقتصادية والنفسية وتصاعد الخلافات الزوجية والأزمة الاقتصادية وغيرها كما يؤكد المجلس الأعلى للسكان مشيرا في بان صحفي أن ازدياد واقعات الطلاق في الأردن ظاهرة متوقعة، لأن عدد المتزوجين والأسر الجديدة "في تزايد سنة بعد أخرى.
وأشارت البيانات الرسمية من تقارير سنوية لدائرة قاضي القضاة إلى استقرار في عدد حالات الطلاق السنوية في الأردن للسنوات التسعة بدء من عام 2015 وصولا للعام 2023 الذي بلغت عدد حالات الطلاق فيه 25887، مسجلة بذلك انخفاضا بسيط مقارنة مع العام 2022، إذ بلغ 26756 حالة.
فيما سجل العام 2021 ارتفاعا وصل إلى 28703 حالة مقارنة مع 22780 حالة في العام الذي سبقه، بسبب "الإغلاق المؤقت للمحاكم الشرعية في عام جائحة كورونا التي 2020 أحدثت تغييرًا جذريًا في حياة الأفراد والمجتمعات حول العالم، وأدت إلى ظهور تداعيات خطيرة على الصحة النفسية والاجتماعية والاقتصادية، شملت آثارها العلاقات الأسرية، إذ شهدت فترة الجائحة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الطلاق في الأردن.
الحكومات فرضت تدابير إغلاق صارمة للحد من انتشارالفيروس، وفرض الحجر الصحي وإغلاق العديد من القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة في معدلات البطالة.
وتباعا وجدت الأسر الأردنية نفسها أمام تحديات لم تكن مألوفة، فـ الكثير من الأزواج والزوجات اضطروا إلى البقاء في المنزل لفترات طويلة، ما جعلهم يتعرضون لضغوط نفسية وجسدية جديدة، وكان البعض منهم قادرًا على التأقلم مع هذه الظروف الصعبة، في وقت وجدت العديد من الأسر نفسها في صراع دائم نتيجة للضغوط الاقتصادية والنفسية التي لم تكن مألوفة في حياتهم الخاصة قبل الجائحة.
حنان، امرأة أردنية واجهت ضغوطًا كبيرة خلال الجائحة، بعدما فقد زوجها عمله وبدأ يطلب منها المال بشكل مستمر، إذ وصلت الأمور إلى حد أن باع ممتلكاتها الخاصة، بما في ذلك سياراتها الثلاث، وتدهورت العلاقة بينهما إلى درجة طردها من المنزل واستئجار مكان جديد له ليعيش فيه، وفي نهاية المطاف، اضطرت حنان إلى التنازل عن جميع حقوقها القانونية مقابل الحصول فقط على الطلاق.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد حالات الطلاق في الأردن شهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال فترة الجائحة،ووفقًا للمجلس الأعلى للسكان تم تسجيل ما يقارب 150,097 حالة طلاق منذ بدء الجائحة، ومن اللافت الى أنه في عام 2020 وحده بلغت حالات الطلاق حوالي 18,762 حالة، ما يمثل زيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات السابقة.
ويعزى الارتفاع في هذه الحالات إلى الضغوط الاقتصادية التي واجهتها الأسر خلال الجائحة، فالكثير من الأزواج وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل أو يواجهون تخفيضات في الدخل، ما أدى إلى تصاعد التوترات داخل الأسر، اضافة الى ذلك، فرضت تدابير الحجر الصحي تباعدًا اجتماعيًا أثّر سلبًا على الصحة النفسية للأفراد، إذ أجبرت الأزواج على التواجد معًا لفترات طويلة دون وجود متنفس للخلافات اليومية. بـ المقابل، تؤكد الدراسات والأبحاث العلمية التي أُجريت على مستوى محلي ودولي أن جائحة كورونا لم تكن السبب الوحيد وراء ارتفاع معدلات الطلاق، بل كانت عاملاً مسرعًا للتصدعات الموجودة سابقًا في العلاقات الزوجية، وفي دراسة أجرتها جامعة الشرق الأوسط في الأردن، تبيّن أن الجائحة زادت من وتيرة الخلافات الزوجية التي كانت تتصاعد بسبب ضعف مهارات التواصل بين الأزواج، وكشفت عن أزمات خفية لم تكن ظاهرة في الأوقات العادية، مثل عدم قدرة الأزواج على التفاهم أو التكيف مع الظروف الجديدة.
من ناحية أخرى، أشارت دراسات دولية إلى أن التأثيرات النفسية للجائحة، مثل القلق المتزايد والخوف من المستقبل، ساهمت في تدهور العلاقات الزوجية.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت من أن العزلة الاجتماعية الناجمة عن الجائحة قد تزيد من معدلات العنف الأسري، اذ يواجه الأزواج ضغوطًا نفسية شديدة دون وجود دعم خارجي أو فرص للترويح عن النفس.
أكد الدكتور النفسي أشرف صالح أن لجائحة كورونا تأثيراً كبيراً على حالات الطلاق والأمراض النفسية بين النساء في الأردن، وقال إن الضغوط التي أفرزتها الجائحة انعكست بشكل مباشر على الحياة الأسرية والحالة النفسية للعديد من النساء، حيث ازدادت معدلات الطلاق والعنف الأسري وتفاقمت الأمراض النفسية بشكل ملحوظ.
وأوضح صالح أن الجائحة أدت إلى تفاقم الأزمات المالية، حيث فقد العديد من الأشخاص وظائفهم أو تقلصت دخولهم نتيجة الإغلاقات وتداعيات الجائحة الاقتصادية، لافتا الى أن هذه الصعوبات أثرت بشكل كبير على استقرار الأسر، إذ تزايدت التوترات داخل البيوت وارتفعت احتمالية حدوث الطلاق بسبب الضغوط المتزايدة على الأزواج.
وأشار إلى أن الأزواج قضوا وقتًا أطول معًا في المنزل خلال فترة الحجر الصحي، وهو ما كان من المفترض أن يقوي الروابط الأسرية، ولكنه في العديد من الحالات أدى إلى زيادة الاحتكاكات والخلافات، فبقاء الأزواج في مكان واحد لفترات طويلة جعلهم يواجهون مشاكل قد تكون كامنة وتفاقمت بسبب الضغوط النفسية والمادية.
وأضاف أن إجراءات التباعد الاجتماعي خلال الجائحة حرمت الكثير من النساء من الدعم الاجتماعي الذي كان يوفره التواصل مع العائلة والأصدقاء، مشيرا الى أنه في الأوقات العادية، يمكن أن يكون هذا الدعم عاملاً مهماً في تخفيف حدة الخلافات الزوجية، إلا أن الجائحة جعلت هذا الدعم أقل توافرًا، مما زاد من عزلة النساء وجعلهن يواجهن تحديات بمفردهن.
كما أشار إلى أن إغلاق المحاكم لفترات طويلة خلال الجائحة أضاف بُعدًا آخر للمشكلة، حيث تأخرت إجراءات الطلاق القانونية، ونتيجة لذلك، اضطرت بعض النساء للبقاء في علاقات غير صحية لفترة أطول، وهو ما ساهم في زيادة الضغوط النفسية عليهن. وتطرق إلى التأثير النفسي للجائحة على النساء، مشيراً إلى أن الكثير منهن عانين من القلق والتوتر المتزايد بسبب الخوف من الإصابة بالفيروس أو فقدان العمل أو تأثير الجائحة على الأطفال وأفراد الأسرة، بشكل ملحوظ خلال فترة الإغلاق، اضافة الى أنه ومع صعوبة الوصول إلى المساعدة القانونية أو النفسية، وجدت العديد من النساء أنفسهن في مواجهة هذه التحديات بمفردهن.
إحدى الدراسات أن 39.1% اللتي أجرتها جامعة مؤتة من الأزواج الذين توقفوا عن العمل خلال جائحة كورونا عانوا من ما يُعرف بـ"الطلاق العاطفي"، هذا المفهوم يشير إلى تدهور العلاقة العاطفية بين الزوجين، رغم استمرار الزواج شكليًا، كما أظهرت دراسة أخرى زيادة حالات العنف المنزلي ضد النساء بنسبة 30% خلال فترة الإغلاق، وهذه النسبة تعكس حجم المعاناة التي تعرضت لها النساء في ظل الضغوط المتزايدة على الأسرة خلال الجائحة.
وشدد الدكتور على أهمية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المتضررات من الجائحة،موضحا أن هذه الأزمة كشفت عن حاجة ماسة لتعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها الجائحة. كما أشار إلى ضرورة توفير المساعدة القانونية للنساء اللاتي يعانين من مشاكل زوجية أو عنف منزلي، سواء خلال الأزمات أو بعدها، مبينا أن تقديم الدعم المناسب يمكن أن يساعد في تخفيف الأثر النفسي للجائحة على النساء وتحسين جودة حياتهن.
قال الخبير القانوني والشرعي بشار ملكاوي إن جائحة كورونا أسهمت بشكل كبير في زيادة حالات الطلاق في الأردن، حيث تزايدت المشاكل الزوجية نتيجة الأزمة الاقتصادية التي أحدثتها الجائحة، حيث فقد الكثير من العاملين وظائفهم، وأُغلقت العديد من المصانع والمؤسسات، لافتا الى أن هذا الوضع تسبب في تراكم الإيجارات وفواتير الماء والكهرباء، مع عدم القدرة على تأمين احتياجات الأسرة الأساسية من مواد غذائية وأدوات تنظيف، ودفعت العديد من الأزواج إلى خيار الطلاق كحل للتخفيف من الأعباء.
وفيما يتعلق بدور النظام الشرعي في التعامل مع قضايا الطلاق خلال الجائحة، أوضح ملكاوي أن المحاكم الشرعية ودائرة الإفتاء العام في الأردن بذلت جهودًا كبيرة لمحاولة تقليل حالات الطلاق، من خلال مراكز الإصلاح والتوفيق الأسري المتواجدة في كافة المحاكم، تم تقديم النصح والإرشاد للزوجين لتجاوز هذه الفترة الصعبة، لافتا الى أنه وكان من بين الإجراءات التي اتخذتها هذه المراكز، عقد جلسات متعددة لمحاولة ثني الزوجين عن الطلاق وايجاد حلول بديلة، مشيرا إلى زيادة عدد المستفيدين من صندوق تسليف النفقة، وهو ما أتاح للأمهات الحاضنات إنفاق الأموال اللازمة لتأمين احتياجات أطفالهن، مما منح الأزواج بعض الوقت لتجاوز الأزمة الاقتصادية وإيجاد وظائف جديدة.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين شبكة الإعلام المجتمعي- راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF.