"بتمنى ييجي اليوم يلي أقدر فيه زيارة أي موقع سياحي في جرش بحرية، وأحلم أن أوصل شاطئ العقبة وألمس المياه دون الحاجة إلى مجموعة من المساعدين" هذا هو حلم محمد حوامدة شاب من ذوي الإعاقة الحركية في محافظة جرش و رئيس جمعية بوابة جرش لذوي الإعاقة الخيرية.
يقول الحوامدة إن السياحة في الأردن ما زالت غير مهيأة لذوي الإعاقة الحركية ويواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى المواقع السياحية بسبب عدم تهيئة البنية التحتية وفق المعايير الهندسية العالمية.
يصف محمد تجربته بأنها "مرهقة ومتعبة جداً"، مشيراً إلى أن معظم المواقع السياحية تفتقر إلى التهيئة البيئية المناسبة، وحتى عندما يتم تجهيز بعض الأماكن، فإنها لا تتوافق مع المواصفات والمقاييس الدولية.
ويؤكد الحوامدة أن العقبات لا تقتصر على المناطق الجبلية أو الأثرية، بل تمتد حتى إلى العقبة، حيث يواجه ذوو الإعاقة مشكلات في الوصول إلى الشواطئ، رغم المطالبات المستمرة بتوفير ممرات خشبية تسهل تنقلهم. ويضيف: "مع أنه كان هناك مطالبات عديدة من مؤسسات المجتمع المدني، إلا أن لا حياة لمن تنادي".
وعلى الرغم من بعض المبادرات، مثل الدعم البسيط الذي قدمته وزارة السياحة سابقًا لبعض المجموعات السياحية الخاصة بذوي الإعاقة لزيارة المثلث الذهبي، إلا أن الحاجة لا تزال ملحة لتحسينات جذرية، بما في ذلك توفير بنية تحتية تتماشى مع المعايير الهندسية الدقيقة.
الحوامدة يؤكد أن تحسين إمكانية الوصول لا يتعلق فقط بالسياحة، بل بحياة أكثر من 11.2% من سكان الأردن من ذوي الإعاقة، الذين يطمحون إلى العيش بحرية واستقلالية، ويروي تجربته الشخصية خلال مهرجان جرش العام الماضي، حيث احتاج إلى أربعة مرافقين ليصل إلى المدرج الجنوبي بصعوبة بالغة.
ويظهر الجدول التالي عدد زوار محافظة جرش خلال العامين 2023_2024 وفق إحصاءات وزارة السياحة والآثار الأردنية.
أما عن محافظة عجلون رغم جمال التجربة التي قد يحظى بها الزوار، يواجه الأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية تحديات كبيرة خلال تنقلهم في هذه المواقع، مما يعيق قدرتهم على الاستمتاع بها بحرية وأمان
تروي زين الزغول، وهي من ذوي الإعاقة الحركية، تجربتها في زيارة بعض المواقع السياحية في عجلون، قائلة: "كانت الرحلة جميلة وممتعة، لكن واجهتُ صعوبة كبيرة في التنقل، إذ لا تتوفر مسارات آمنة وسهلة تتيح لنا الحركة بحرية." وتوضح أن الكثير من المواقع غير مجهزة بشكل كامل لاستقبال الأشخاص من ذوي الإعاقة، حيث تفتقر لمداخل ومخارج مناسبة، كما أن السلالم العالية داخل القلعة وعدم وجود وسائل دعم أو سلالم جانبية آمنة تجعل التنقل فيها خطراً، إذ تحلم بالوصول إلى قمة قلعة عجلون.
وتضيف الزغول أن بعض المرافق الحديثة، مثل "التلفريك"، توفر بيئة أكثر ملاءمة لذوي الإعاقة، لكنها تشير إلى غياب الموظفين المخصصين لتقديم المساعدة، مما يجعل التنقل في بعض المناطق أكثر صعوبة.
وتؤكد على ضرورة تحسين مستوى الأمان في هذه المواقع عبر تهيئتها بشكل أكثر شمولية، من خلال توفير مسارات مناسبة، ومواقف سيارات مخصصة، وزيادة عدد الموظفين المدربين للتعامل مع احتياجات ذوي الإعاقة، بما يضمن لهم حقهم الكامل في الاستمتاع بالمواقع السياحية والتراثية في الأردن.
تعد محافظة عجلون واحدة من أبرز الوجهات السياحية في الأردن، لما تتمتع به من مواقع أثرية وطبيعية جاذبة ويبين الجدول أدناه عدد زوار المحافظة خلال عامي 2023_2024 كما جاء من وزارة السياحة والآثار الأردنية.
وفي أم قيس لا يختلف الحال كثيرا والمعاناة ذاتها، تعد قرية أم قيس، التابعة للواء بني كنانة في محافظة إربد، واحدة من أجمل القرى السياحية في الأردن، لما تتمتع به من موقع جغرافي واستراتيجي مميز، إضافة إلى تنوعها الحيوي واحتوائها على قرية أثرية تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.
وجدان ملكاوي، مؤسسة مشروع "بيت الورد" وريادية أعمال في مجالات الزراعة والسياحة والبيئة، تؤكد أن أم قيس توفر تجارب سياحية متنوعة، مثل النحت على الحجر، وصناعة القش، والحرف اليدوية، إلى جانب المطاعم والمقاهي التي تلبي احتياجات الزوار، كما تنتشر دورات المياه في المنطقة.
لكن رغم كل هذه المزايا، ترى ملكاوي أن هناك حاجة ماسة لتحسين تهيئة المنطقة، خاصة لذوي الإعاقة وكبار السن. وتقول: "هناك صعوبة بالغة في التنقل داخل المنطقة الأثرية، وصعوبة في الوصول إلى بعض المواقع بسبب عدم وجود ممرات مخصصة لذوي الإعاقة. لذا، ندعو وزارة السياحة إلى تولي الاهتمام بهذا الجانب".
وتشير إلى أن العديد من السياح من ذوي الإعاقة زاروا أم قيس، لكنهم تفاجأوا بعدم تهيئتها لاستقبالهم، مما جعل تجربتهم صعبة.
وتضيف ملكاوي"تهيئة المنطقة بممرات خاصة سيسهل عملية التنقل ليس فقط لذوي الإعاقة، ولكن أيضًا لكبار السن والسياح الذين يرافقهم أطفال، مما يجعل التجربة السياحية أكثر شمولية للجميع".
وتبين الإحصاءات انخفاضا واضحا في عدد السياح لأم قيس خلال عام 2024 الذي بلغ 78,825 ألف زائر مقارنة بأعداد الزوار خلال العام 2023 والذي كان يبلغ 98,186 ألف زائر من أردنيين وأجانب وفق إحصاءات وزارة السياحة والآثار الأردنية.
"حُلمي أوصل الشاطئ وأمسك المي " بهذةِ الكلمات تروي ياسمين العويني تجربتها و تتحدث عن حُلمها الكبير بالنسبة لها و لذوي الإعاقة الحركية ، وأن تحقيقه بالنسبة لهم يعد ضربا من الخيال، زارت عدة محافظات سياحية في الأردن، من بينها عجلون، جرش، البتراء، العقبة، وجبل القلعة، لكنها واجهت تحديات كبيرة في الوصول إلى العديد من المواقع السياحية بسبب عدم تهيئتها بالشكل المطلوب.
تقول العويني عن التحديات التي واجهتها اثناء زياراتها تمثلت بعدم توفير مواصلات مجهزة لذوي الإعاقة وعدم توفر ممرات مخصص للوصول الى الشاطئ بالإضافة الى توفير دورات مياه مهيأة لذوي الإعاقة مما يضيف تحديًا إضافيًا خلال الزيارة."
وفي ختام حديثها، دعت العويني الجهات المعنية إلى ضرورة تحسين البنية التحتية للمواقع السياحية في الأردن، وقالت: "من حقنا كذوي إعاقة أن نتمكن من الاستمتاع بالمعالم السياحية في بلدنا بحرية تامة. أملنا أن تُبذل جهود أكبر لتسهيل وصولنا إليها."
تشكل نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن بحسب التقرير السنوي للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بنسبة 11.2% من إجمالي عدد السكان حوالي المليون و200 ألف شخص ممن أعمارهم خمس سنوات فأكثر، إذ تعد الإعاقة البصرية هي الأكثر انتشاراً بين الأردنيين وبنسبة 6 %، تليها الإعاقة الحركية بنسبة 8, 4 %، ومن ثم الإعاقة السمعية بنسبة 1, 3 %.
أما عن دور المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إذ يتخذ خطوات هامة لضمان الوصول إلى المناطق السياحية لذوي الإعاقة الحركية في الأردن.
وبحسب المجلس تعمل المملكة الأردنية الهاشمية على تعزيز الشمولية في القطاع السياحي لضمان سهولة الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، في هذا السياق، أشار المجلس الأعلى لذوي الإعاقة إلى عدد من السياسات والإجراءات التي تم اتخاذها في إطار تحسين إمكانية الوصول إلى المواقع السياحية والأثرية.
السياسات والإجراءات المتخذة: قام المجلس بإدراج محور خاص بالسياحة الدامجة ضمن الخطة الوطنية لتصويب أوضاع المباني والمرافق العامة، مع تطوير خطة تنفيذية تهدف إلى تهيئة المواقع السياحية والاثرية، من بين المواقع التي تم العمل على تطويرها: جرش، القلعة، وادي الريان، والمتاحف المختلفة في الأردن. كما تم حصر المطاعم والفنادق السياحية من فئة (3-5) نجوم لتحديد متطلبات تهيئتها لتناسب احتياجات ذوي الإعاقة الحركية.
على صعيد آخر، تم العمل على تحسين البنية التحتية لمطار الملكة علياء الدولي وتوفير سيارات كهربائية (Golf Cart) في المواقع السياحية غير المهيأة، لتسهيل حركة الأشخاص ذوي الإعاقة.
رغم التقدم الذي تم إحرازه، يواجه ذوو الإعاقة الحركية بعض التحديات في زيارة المواقع السياحية، أبرزها التهيئة المناسبة للبنية التحتية، بالإضافة إلى الحاجة إلى تدريب العاملين في المواقع السياحية للتعامل مع هذه الفئة. كما أن بعض المواقع التاريخية ذات القيمة الأثرية تتطلب الحفاظ على معايير منظمة اليونسكو، مما يصعب تهيئتها بما يتناسب مع احتياجات ذوي الإعاقة.
ويمكن للأفراد ذوي الإعاقة الحركية تقديم شكاوى أو اقتراحات عبر الموقع الإلكتروني للمجلس، أو من خلال منصات التواصل الاجتماعي، أو عبر قسم الشكاوى التابع للمجلس، بالإضافة إلى التواصل مع الجهات المعنية مثل وزارة السياحة ودائرة الآثار.
لمجلس تم تنفيذ العديد من التحسينات في المواقع السياحية الأردنية مثل متحف الأردن، ومتحف السيارات، بالإضافة إلى المواقع الأثرية في جبل القلعة وجرش. كما تم تجهيز العديد من المطاعم والفنادق بما يضمن سهولة الوصول لذوي الإعاقة.
هذا وأكدت دائرة الآثار العامة أن وزارة السياحة والآثار تعمل من خلال الاستراتيجية الوطنية للسياحة على دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع السياحي، سواء من خلال تمكينهم من الالتحاق بالوظائف والمهن المختلفة أو عبر تهيئة المواقع الأثرية لضمان سهولة وصولهم إليها".
كما خصصت الوزارة مبالغ سنوية لتنفيذ متطلبات المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، كما قامت بتأهيل عدد من المواقع السياحية والأثرية، ومنها : " مدينة جرش الأثرية والمركز الإقليمي للصيانة والترميم ، مركز زوار قلعة عجلون ، موقع مار الياس الأثري/ عجلون ".
كما يجري العمل على استكمال تهيئة المواقع السياحية والأثرية بدعم من البنك الدولي، حيث سيتم إعداد خطط إدارة لـ15 موقعًا أثريًا تتضمن إدراج متطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى مشروع تطوير موقع جبل القلعة الأثري ليشمل مسارات مهيأة وغرف خدمات خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة.
ومن بين المتاحف التي يتم العمل على تجهيزها لتكون أكثر شمولًا : " متحف العقبة، متحف الآثار الأردني، متحف جرش الأثري، ومتحف أم قيس الأثري، حيث يتم تنفيذ مسارات مخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية والسمعية والبصرية.
وأشارت دائرة الآثار العامة إلى أن هناك عدة تحديات تواجه تحقيق بيئة سياحية شاملة لذوي الإعاقة الحركية، من أبرزها: "عدم توفر المخصصات المالية الكافية لإنجاز المشاريع المطلوبة ، طبيعة بعض المواقع الأثرية وظروفها الجغرافية، والتي تجعل من الصعب تجهيزها بشكل كامل لتتناسب مع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة.
ومن الجانب الحقوقي تقول المحامية و الباحثة القانونية في مجال حقوق ذوي الإعاقة، إيناس زايد، أن إمكانية الوصول إلى الأماكن و الخدمات هي حق مكفول للأشخاص ذوي الإعاقة بموجب المادة 4 من قانون الأشخاص ذوي الإعاقة، و التي تلزم المؤسسات العامة و الخاصة بتأمين هذه المتطلبات وفق أنظمة خاصة تراعي طبيعة كل إعاقة.
وتوضح زايد أن ضمان إمكانية الوصول لا يقتصر فقط على توفير المنحدرات الخاصة بذوي الإعاقة الحركية، بل يشمل أيضًا تهيئة المواقع السياحية بوسائل متعددة، مثل لغة بريل لذوي الإعاقة البصرية، والمسارات المخصصة لهم، بالإضافة إلى تقنيات صوتية تصف معالم المواقع. وتشير إلى أن هذه الإجراءات ضرورية لتعزيز تجربة الأشخاص ذوي الإعاقة في المواقع السياحية، لكنها لا تزال غير متوفرة بالشكل المطلوب.
وعلى الرغم من القوانين و التشريعات التي تدعم حقوق ذوي الإعاقة الحركية في التنقل بحرية ، يبقى التطبيق العملي بحاجة إلى مزيد من الاهتمام و المتابعة ، و إن تحقيق سياحة شاملة تتطلب تعاونًا مستمرًا بين الجهات الرسمية و القطاع الخاص والمجتمع المدني، لضمان أن تكون المواقع السياحية في الأردن متاحة للجميع دون استثناء ،فتمكين ذوي الإعاقة من الاستمتاع بالإرث الثقافي والطبيعي للبلاد ليس مجرد التزام قانوني ، بل هو جزء من رؤية شاملة نحو مجتمع أكثر عدالة و مساواة.
هذا التقرير أنتج بالتعاون مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة











































