التوعية الجنسية لذوي الإعاقة .. عدالة تواجه تحديات مجتمعية

تصف أم زين العابدين حالة ابنها من ذوي الإعاقة الحركية في فترة مراهقته "بالحساسة" فهو يتأثر بأبسط الأمور مثل النظرة، الكلمة وحتى نبرة الصوت".

وتضيف أن التغير الجوهري الذي يطرأ على التغيرات الهرمونية وتؤثر في شخصيته يعتبر أكثر التحديات التي تحتاج إلى تركيز وتكاتف من قبل الأهل، معتبرة أن "هرمونياً" فترة المراهقة هي عبارة عن تحولات جسدية أثارت لدى ابنها تساؤلات عديدة كان واجباً على زوجها الحضور فيها.

"كان يسأل زين والده عن كيف يراه الجنس الآخر". مؤكدة أن هذا النوع من الاستفسارات لدى الطفل مؤشر للنضوج الهرموني في بعض الأحيان، وأن والده كان يجيبه بكل صدق حول أسئلته الشخصية منها والفضولية.

مواجهة المجتمع 

وتلفت إلى أن دورها كوالدة اقتصر على توعيته في الأمور العامة أما والده كان يشرف على إجابته لما يدور بفكره من تساؤلات حول الموضوع، وتقول أن معاناتهم كعائلة لشخص من ذوي الإعاقة تكمن في مواجهة المجتمع وتقبله لذوي الإعاقة، وأن يعطوهم فرصة العيش وخوض جميع المراحل والتحولات العمرية في حياتهم.

أم سيف والدة لطفل من ذوي الإعاقة العقلية "طيف توحد"، تشرح حال ابنها ابن الثالثة عشر، وتقول إن الفترة الحالية التي تعيشها حالياً مع ابنها صعبة، لأنه يمر بتغيرات واضحة "كالعصبية والنضوج الجسدي" لكن الأطفال من "داون وطيف التوحد" غير ناطقين، لذا الجهد المبذول معهم في فترة مراهقتهم مضاعف.

"يبدأ بالصراخ كل يوم بشكل مستمر بالإضافة الى مشاكل النوم والأرق عند سيف تضاعفت ناهيك عن زيادة حجمه". بهذا عبرت أم سيف عن التغيرات التي يمر بها ابنها بهذه الطريقة.

وتؤكد أن مرحلة المراهقة بالنسبة لها مرحلة مخيفة مجهولة، وأنها ما زالت تقرأ وتحضر نفسيتها للتعامل مع ابنها وتناشد الأمهات الذين لديهم أطفال توحد على "الجروبات" كيف يتعاملون مع أبنائهم قائلة "شح التوعية ووجود أناس مثقفين للتعامل مع الأطفال في فترة المراهقة لجأت لإيجاد الأجوبة على جوجل".

الخوف من العدوانية جانب من التحديات في مرحلة المراهقة 

مشيرة أنها اضطرت بعد عدة محاولات في التعامل مع سيف أن تأخذه لطبيب نفسي ليصرف له مهدئات، وتضيف "أخاف عليه من العدوانية أو يأذي حاله بهي الفترة، مؤكدة أن "التعامل مع متطلباته الجسدية والجنسية صعب جداً" من حيث التوعية وبالتحديد إذا كان غير ناطق، تقول أم سيف "لا أسمح لأحد أن يبدل له ثيابه في البيت سوى عائلته"، وأنها تقلل من اختلاطه حتى تضمن حمايته جسدياً.

وترى أم سيف حديثها أن الصعوبات التي تواجه عائلات الأطفال من ذوي الإعاقة “أن الجانب الطبي وحتى الأهل غير مهيئين للتعامل مع هذه المرحلة.

شح مراكز التأهيل رغم وجود قوانين 

تتواجد مراكز تأهيل المراهقين من ذوي الإعاقة بقلة رغم وجود مواد قانونية تنص على أهمية تنمية مهارات العيش والإرشاد النفسي، وبحسب المادة (29) الفقرة "ج" من قانون الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017 فإنه يجب "تعزيز مهارات العيش المستقل والإعتماد على الذات للأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال توفير برامج العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي والإرشاد النفسي والتدريب على مهارات الحياة اليومية وفن الحركة والتنقل وتعديل السلوك".

وعن طرق التعامل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة في قضايا التوعية الجنسية والهرمونية، يوضح الاستشاري النفسي والتربوي موسى مطارنة أن طرق التوعية تختلف وفقاً  لنوع الإعاقة سواء عقلية أو جسدية أو سمعية أو بصرية.

ويؤكد أن الإعاقة العقلية يتم التعامل معه على أساس أنه "غير واع وغير قادر على تمييز الصح من الخطأ" وأن توعيته تكن من خلال النظرية السلوكية التي تعتمد على ممارسة العادات السلوكية المطلوبة منه، وتأهيله بشكل خاص ضمن برامج التربية الخاصة، أي تعويد الشخص في فترة المراهقة على عادات النظافة الجسدية وتكرار العادات الخاطئة عليه ليتجنب أحداً ممارستها عليه.

أما الأشخاص من غير ذوي الإعاقات العقلية، فيجب على الأهل أن يراعوهم مراعاة كافية في هذه المرحلة بحسب مطارنة، ويضيف "هذه الفترة هي تولد شخصية جديدة مستقلة يتخللها تغيرات هرمونية"، ويجب على الأهل أن يمنحوهم رعاية وعطف.

ويكمل، أن هذه الفترة يجب على الأهل أن يكثفوا الحديث مع أبنائهم حول مواضيع النظافة الشخصية، وأهمية المحافظة على العادات والتقاليد وتوضيح بعض الجوانب العقائدية والدينية، وأن يتوفر لهم حالة كاملة من الاستيعاب والوعي لتترتب لدى الأبناء حالة من الفهم الجسدي والجنسي لنفسه.

 

جوهر التعامل يختلف وفقاً للقدرة الإدراكية 

استشاري التوحد والاضطرابات العصبية الدكتور جاك سركيس يقول إن الجوهر في آلية التعامل مع ذوي الإعاقة يختلف وفقاً للفئة العمرية والمستوى الإدراكي والنوع الاجتماعي (ذكر أو أنثى).

ويؤكد أن التوعية بما يخص النضوج الجنسي وفترة المراهقة يجب أن تكن ثقافة منزلية نابعة من الأسرة في بيئة آمنة ومغلقة، ويلفت إلى أهمية الوعي بالقدرة الإدراكية لدى الفرد لتتمكن العائلة من مناقشة ابنها بشكل منطقي وبأسلوب يتفق مع طبيعة الإعاقة أو الاضطراب.

"النضوج الهرموني والفهم الجنسي يحتاج إلى تحضير مسبق من قبل الأهل واستعداد مرحلي من الطفل لأنها مرحلة مهمة ولا تتم بشكل مفاجئ"، يشرح سركيس الإعداد المسبق لمرحلة المراهقة لدى الطفل من ذوي الإعاقة وعائلته.

وبالسؤال عن دور الأسرة في هذه المرحلة وما يجب أن يقوموا به، يقول إن هذه الفترة تحمل عدة مؤشرات أو علامات ذات دلالات جنسية قد تكون على شكل إيماءات جنسية، أو علامات بيولوجية واضحة على الأهل الانتباه لها، ويشدد سركيس ضرورة التوعية القبلية التي من شأنها أن تخلق تصور واضح لدى الطفل عن المرحلة المقبلة.

التحضير العام أحد أنواع التوعية القبلية 

ويشير إلى أهمية "الخصوصية الجنسية" التي تجعل الطفل من ذوي الإعاقات ذات القدرات الإدراكية الأقل "المتأخرة"،  "ذوي متلازمة داون وطيف التوحد على سبيل المثال"، أن يعوا مفهوم الوعي الجنسي على أنفسهم، "التحضير العام، الخصوصية، النظافة ثم الضبط الهرموني الذاتي"، وهي مراحل يعددها سركيس تقع ضمن الوعي القبلي عند الطفل يجب على الأهل مراعاتها والقيام بها.

ويرى أن وجود المؤشرات عند الطفل تسهّل على الأهل التصرف مع ابنهم في هذه المرحلة، وأن الأب يجب أن يكن حاضراً مع ابنه الذكر من ذوي الإعاقة حفاظاً على خصوصيته ولأنه أكثر قرباً لما قد يعيشه ابنه في هذه المرحلة، والأم كذلك مع ابنتها الأنثى.

ويعتبر سركيس أن الأهل والمراكز والاختصاصيين في هذا المجال يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار " نوع الإعاقة وطبيعة التحديات والاحتياجات الخاصة لكل شخص بشكل منفرد بالإضافة الى مفهوم الخصوصية وتقدير الذات الذي يتفاوت من شخص لآخر حسب خبرته وفئته العمرية وطبيعة المعوقات التي تحد من قدرته على التعلم"، وأن التوعية الجنسية لكافة الأفراد وخاصة ذوي الاعاقات والاضطرابات المختلفة تأتي من تكرار الأمر عليهم كخبرة وممارسة التوعية غير المباشرة، لإن الإقناع لا يفي بالغرض بل يجب أن يكون الأمر تعليمياً حسيا خبرويا وليس مفاهيمياً تخيليا.

ما تزال بعض المجتمعات تعتبر أن النمو الجنسي عند الأشخاص من ذوي الإعاقة يختلف عن غيرهم من غير ذوي الإعاقة أو تعتبرها رغبة معدومة بالرغم من وجودها وأنها حاجة غريزية لدى البشر جميعاً، لذا يحرّم القيام بأي تصرفات من شأنها أن تثبط الرغبة الجنسية لدى الشخص البالغ أو المراهق من ذوي الإعاقة لغايات حرمانه منها وبحجة الحفاظ عليه.

بحسب قانون الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017 فإن المادة (30) الفقرة "أ" "تنص على أنه "يعد عنفاً كل فعل أو امتناع من شأنه حرمان الشخص ذي الإعاقة من حق أو حرية ما، أو تقييد ممارسته لأي منها، أو إلحاق الأذى الجسدي أو العقلي أو النفسي به على أساس الإعاقة أو بسببها من المادة".

يعلّق سركيس على أن أي تدخل كيميائي "مثل الأدوية المثبطة وغيرها"، من قبل الأهل "هو أمر غير عادل بحق ابنهم من ذوي الإعاقة، لأن هذه الأمور تعتبر مساس لكرامة الإنسان وحقوقه وتعدّي على متطلباته الطبيعية والفطرية التي خلقت معه، وأن هذه التصرفات يتم التعامل معها وضبطها من خلال إشغال الدماغ بتفعيل الحواس الخمس، وإعادة الضبط الهرموني الذاتي الذي يعتمد على التغذية والرياضة البدنية والفكرية.































 

أضف تعليقك